strong>نقولا أبو رجيلي
عشيرة عرب الحروك تطالب بحصر قيودها الشخصية

يطالب أبناء عشيرة عرب الحروك برسم حدود جغرافية لبلدتهم «اشهابية الفاعور» تتيح لهم حصر أحوالهم الشخصية في مكان واحد، وخصوصاً أن قيودهم تتوزع على عدد كبير من القرى والبلدات. وهم جديّون في هذا المطلب إلى حدّ تهديدهم بقوتهم الاقتراعية التي تصل في البقاع الأوسط فقط إلى نحو 7 آلاف ناخب وناخبة

تقطن أغلبية أبناء عشيرة عرب الحروك في البقاع الأوسط منذ أوائل القرن الماضي.
استوطنت سهل المنطقة الواقعة ما بين بلدات تربل وكفرزبد والدلهمية في قضاء زحلة، حيث وجدوا في المنطقة المعروفة اليوم بالفاعور واشهابية الفاعور ملاذاً آمناً للعيش ورعي مواشيهم والعمل في الزراعة. في المرحلة الأولى لقدوم الأجداد من بلاد العرب، أقاموا في خيم سرعان ما بدأت تتحول إلى منازل إسمنتية بعد عام 1943، واتخذت «أفخاذ» من العشيرة عند سفح جبل تربل الغربي قرب كفرزبد في محلة «القرقود» أو «الجلّ» موقعاً مميّزاً لبدء بناء قرية «إشهابية الفاعور» التي تعتبر اليوم عاصمة عشيرة عرب الحروك في البقاع.
ويوضح شيخ العشيرة، الذي تسلم ختم «المشيخة» من أجداده، وليد شحادة الفياض (37 عاماً) أن أغلبية أبناء العشيرة منتشرون اليوم في مناطق مختلفة من سهل البقاع الأوسط و«العدد الأكبر منهم يسكن في اشهابية الفاعور التي تتبع أراضيها عقارياً لبلدات تربل وكفرزبد والدلهمية وأراضي معلقة زحلة وقسم من أراضي بر الياس».

التجنيس عام 1992

كان معظم أبناء عشيرة الحروك في البقاع يحملون جنسية قيد الدرس بسبب تهرّبهم من إحصاء عام 1932 خوفاً من الخدمة العسكرية الإلزامية إبان الاحتلال الأجنبي آنذاك. ولكن بعد إقرار قانون الجنسية في عام 1992 أصبح جميع أفراد العشيرة يحملون الجنسية اللبنانية بعدما كانت نسبة 35% منهم فقط تحملها.
ويؤكد شيخ العشيرة وليد شحادة الفياض أنهم «لبنانيون أباً عن جد، ونحن نقيم في لبنان قبل غيرنا بكثير، ومعظم المنازل التي يملكها الأهالي اليوم اشتروها من المالكين، لا أحد منا مخالف في هذا الأمر، بل نحن ملتزمون جميعنا بالقانون، ومن حقنا على الدولة أن يصبح لنا بلدة محدّدة إدارياً وعقارياً».
وتتوزع قيود أبناء عشيرة الحروك في البقاع على عدد من القرىوالبلدات في البقاع الأوسط، ويبلغ عددها الإجمالي نحو 17 ألف نسمة قيودهم في بلدات: تربل، الدلهمية، كفرزبد، مجدل عنجر، قب الياس، عين كفرزبد، وبعض أحياء مدينة زحلة في المعلقة والميدان الغربي والشرقي، أما القسم الآخر من العشيرة فقيوده في مدينة صيدا والمتن الشمالي و«يجب أن يبقى بعضنا مع البعض الآخر لأنه لا يجوز أن نفترق»، كما يقول شيخ العشيرة.
تعود بداية تشييد «عاصمة» الحروك في اشهابية الفاعور إلى منتصف ثلاثينيات القرن الماضي. وقد توسعت مع مرور الزمن لتنتشر منازلها اليوم على مساحة أربعة آلاف دونم. لكن هذه «العاصمة» بقيت من دون نطاق عقاري خاص بالأهالي الذين يطالبون اليوم برسم الحدود الجغرافية لبلدتهم.

رسم حدود جغرافية

ويوضح رفعت النمر (30 عاماً)، أحد أبناء العشيرة، سبب هذا المطلب، فيؤكد بداية أن «رسم حدود جغرافية للبلدة، والاعتراف بها كقرية أسوة بباقي القرى، ولحظها إدارياً، هي الشغل الشاغل لنا اليوم، لكي نتمكن من حصر أحوالنا الشخصية في مكان واحد لا أن نبقى منتشرين ومتباعدين».
يمثّل أبناء عشيرة عرب الحروك في البقاع نحو 10% من عدد ناخبي قضاء زحلة. ويوضح الشيخ وليد الفياض أن عدد الناخبين من أبناء الحروك، حسب لوائح الشطب، يصل إلى نحو 7 آلاف ناخب وناخبة، و«لنا الكلمة الفصل في أي عملية انتخابية».
ويوضح رفعت النمر أنّه في عام 1996 «ألّفنا لجنة من الأهالي أعدّت ملفاً كاملاً لإجراء المعاملات القانونية من أجل استقلال بلدتنا عقارياً والانفصال إدارياً عن القرى التي تضم أبناء العشيرة في أحوالها الشخصية».
ويلقى مطلب «جمع» شتات عشيرة عرب الحروك في اشهابية الفاعور ونيلها «الاستقلال» العقاري والإداري ترحيباً من رؤساء ومخاتير البلدات التي ينتشرون فيها إدارياً، أو تتبع الاشهابية لها إدارياً وعقارياً.
ويؤكد أبناء عشيرة الحروك أنهم حصلوا على موافقة من القرى المجاورة من أجل «انفصال» إشهابية الفاعور إدارياً وعقارياً. لكن «للأسف، يقول النمر، قدّم لنا عدد كبير من المسؤولين وعوداً لم يلبثوا أن تنصلوا منها. ونحن نقول لهم إننا لن نبقى أصواتاً انتخابية تجيّر لفلان أو لفلان، فمستقبلنا بأيدينا وسنكون في موقف واحد ونرشح أحدنا للانتخابات النيابية المقبلة».
ويقول رئيس بلدية تربل جورج الخوري إن الخدمات التي تقدّمها بلديته لإشهابية الفاعور تأتي من ضمن الإمكانيات المتوافرة، مبدياً تأييد ودعم البلدية الكامل مع «استعدادنا للمساعدة في تأمين جميع المستندات القانونية والرسمية المطلوبة لاستقلال بلدة «إشهابية الفاعور» وتسميتها حيّاً ونقل سجل نفوس أبنائها، أما بالنسبة إلى اقتطاع أراضٍ من بلدتنا لإنشاء بلدة فإن هذا الأمر يعود إلى أصحاب العقارات المنوي نقلها الى بلدة أخرىوعن رأي أهالي بلدة كفرزبد يوضح نائب رئيس بلديتها إبراهيم أبو رجيلي أنه ليس بإمكان المجلس البلدي بتّ الموافقة أو عدمها على استقلال بلدة إشهابية الفاعور «عقارياً» إلا بعد الرجوع إلى الأهالي، وخصوصاً أصحاب الأراضي التي من المفترض أن تتبع عقاراتها لبلدية مستحدثة، ويأتي الجواب النهائي بعد تلقّيها طلباً رسمياً بذلك وموافقة جميع أبناء البلدة على هذا الشأن»، مؤكداً أنه «لا يوجد لدينا اعتراض على استقلالها واستحداث حي باسم إشهابية الفاعور أو الفاعور ونقل قيود سكانه من سجلات كفرزبد».
بدوره يبدي مختار قرية الدلهمية دهام معدراني «موافقة مبدئية» على استقلال سجل نفوس أبناء عشيرة الحروك، موضحاً أن المساحة المفترض إقامة بلدة إشهابية الفاعور عليها لا تضم أراضي لأهالي الدلهمية.
يذكر أنه لا توجد في عاصمة عشيرة الحروك «إشهابية الفاعور» سوى مدرسة خاصة واحدة لا توفر مقاعد دراسية إلا لنحو 300 تلميذ يكملون المرحلة الابتدائية حتى الفصل السادس الأساسي، فيما يتابعون دراستهم في القرى المجاورة. وتفتقر البلدة إلى مركز صحي، وشبكة لمياه الشفة وأخرى للصرف الصحي.
أما مصادر العيش الأساسية فهي من خلال العمل في الزراعة والتجارة ورعي الماشية. وفي الفترة الأخيرة أقبل شباب العشيرة على التطوّع في الجيش اللبناني والدرك. ويقول شيخ العشيرة: «باختصار ليس لدينا شيء جيد يمكن ذكره ولا يعرفنا المسؤولون إلا عند اقتراب موعد الانتخابات، ولا نعود نرى وجههم بعد ذلك سوى خلال قيامهم بواجب التعزية».

نحو تأسيس تيار سياسي

سياسياً، يفتخر هود الطعيمي (36 عاماً)، أحد أبناء العشيرة المقيمين في محلة الفاعور، بأن عشيرته قدمت 8 شهداء سقطوا في صفوف المقاومة الوطنية اللبنانية للاحتلال الاسرائيلي. ويذكّر بأن عدداً كبيراً من الجرحى أصيب من جراء قصف الطائرات لمناطق مختلفة في لبنان.
ويرفض الطعيمي ما يشاع عن أن عشيرة الحروك المنتشرة في البقاع وباقي العشائر العربية الموجودة على مساحة لبنان يمكن أن تصنّف بانتمائها الى تيار سياسي واحد إذ «هم نسيج من مكوّنات العائلات اللبنانية ولهم تطلعاتهم وآراؤهم المختلفة بعدما انصهروا في المجتمع اللبناني لناحية المشاركة في جميع هيئات المجتمع المدني والسياسي وصلات القربى والرحم والتاريخ الذي يشهد على نضالاتهم الوطنية والقومية، ولا يقدر أحد أن يضعنا في جيبه».
انطلاقاً من هذا الواقع، يكشف الطعيمي عن دراسة يقوم بها الفاعلون من العشائر اللبنانية لإنشاء تيار سياسي عروبي يضم جميع أبناء العشائر الهدف منه الحفاظ على لبنان سيّداً حرّاً مستقلاً والالتقاء مع مختلف الهيئات السياسية والاجتماعية الوطنية لإنهاض البلد من الأزمات التي يتخبط فيها وتفعيل دور المؤسسات للنهوض بالبشر والحجر ولرفض الهجرة مهما كانت الأسباب.
ويتابع الطعيمي «نحن تحت سقف القانون ونعرف واجباتنا تجاه الوطن، ولنا حقوقنا التي لن نفرّط بها كرمى لعين أحد، ولن نكون من الآن وصاعداً على الهامش ولن نُستَغلّ لمصالح شخصيه ضيقة على حساب مصالحنا ومستقبل الوطن».

36 عشيرة في البقاع

يحتضن البقاع نحو 36 عشيرة عربية وصلت إلى لبنان من مختلف البلدان العربية وانتشرت في جميع المناطق اللبنانية. من هذه العشائر، إضافة الى عشيرة الحروك: اللويس، الزريقات، اللهيب، أبوعيد، الفضل، العيدين، الشقيف، الهرامشة، الزهران، الموالي، أبو جبل، النعيّم، والزعبي. وتنتشر معظم هذه العشائر في منطقة البقاع الأوسط والغربي فيما يقيم قسم لا بأس به في قضاء بعلبك.
أما بالنسبة إلى عشيرة عرب الحروك، التي تعدّ من أكبر العشائر العربية في لبنان، فيعود أصلها إلى أمراء الفاعور في سوريا والجزيرة العربية، ويتفرّع منها عدة «أفخاذ» أكبرها: سلوم، شاهين، صبرا، صبيح، طعيمي، النمررحال، وسهيل.