نقولا ناصيف
دخلت انتخابات الرئاسة اللبنانية في المرحلة الأدق. رئيس المجلس نبيه بري تبلغ أمس من الموفد الفرنسي الخاص السفير جان كلود كوسران أن البطريرك الماروني نصر الله بطرس صفير سيرسل إليه وإلى رئيس تيار المستقبل النائب سعد الحريري لائحة بأسماء مرشحين توافقيين لاختيار أحدهم وانتخابه رئيساً للجمهورية.
حتى ليل الثلاثاء الفائت لم يكن وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير متيقناً من موافقة البطريرك على وضع لائحة بمرشحين. في اجتماعهما الصباحي كان صفير متشدداً في عدم الخوض في هذا الأمر. وفي لقائهما الليلي بدا البطريرك أكثر مرونة. وإذ خرج الوزير الفرنسي بانطباع إيجابي أسرّ به إلى معاونيه حيال ما لمسه من مرونة صفير إزاء وضع لائحة بأسماء، تبعاً للآلية الفرنسية، ظل مسكوناً بحذر وشكوك، فكان أن طلب من مساعده في الملف اللبناني الموفد الخاص للخارجية الفرنسية السفير كوسران البقاء في بيروت بضع ساعات، وإجراء مشاورات إضافية مع البطريرك وبري والحريري، توصّلاً إلى تثبيت الآلية الفرنسية بشقها الرئيسي الذي هو إقناع البطريرك بوضع اللائحة. صباح أمس قصد كوسران والقائم بالأعمال الفرنسي أندره باران بكركي، وتبلغا من صفير موافقته على وضع لائحة بأسماء مرشحين توافقيين. حمل كوسران الموافقة إلى رئيس المجلس ورئيس تيار المستقبل في انتظار تسلمهما إياها. وليلاً غادر إلى بلاده لإطلاع كوشنير على التطور الأخير في المبادرة الفرنسية. كانت جملة ارتباطات ومشاغل مهمة في باريس قد حملت كوشنير على استعجال إنهاء زيارته لبيروت، على أن يعود الأربعاء المقبل.
في حصيلة الجهد الفرنسي لإخراج الاستحقاق الرئاسي من مأزقه، بضعة معطيات إيجابية تبشّر بانتخاب رئيس جديد للجمهورية الأسبوع المقبل:
أولها، أن موافقة البطريرك على وضع لائحة بأسماء اقترنت بإصراره على الحصول على ضمانات جدّية بالأخذ بأحد الأسماء الواردة في اللائحة لا نبذها، على غرار تجربته المخيّبة مع لائحة تشرين الثاني 1988، وقد تساوت فيها إساءة الأميركيين والسوريين إليه، وهو ما حصل عليه.
واستناداً إلى معلومات موثوق بها، فإن هذه الضمانات وُضعت قبل مجيء كوشنير إلى بيروت الثلاثاء، وتحديداً نهاية الأسبوع الفائت عندما جرى مسعى فرنسي لدى رئيس المجلس لوضع ورقة ضمانات بذلك. كتب بري والفرنسيون صيغة الضمانات هذه بالفرنسية، وأطلع رئيس المجلس رئيس تيار المستقبل عليها، وأقرّاها وصدرت عنهما معاً بالتمني على البطريرك الماروني وضع لائحة بمرشحين بعد التشاور مع القيادات المارونية. واقترن البيان بتأجيل جلسة انتخاب الرئيس الجديد من 12 تشرين الأول إلى 21 منه. واستناداً إلى المعلومات نفسها، فإن الدبلوماسية الفرنسية أبلغت إلى المسؤولين والقيادات اللبنانية أنها غير معنية بتقديم ضمانات، بل إن مَن يقدّمها هما بري والحريري اللذان يمثلان فريقي الموالاة والمعارضة والمعنيان مع بكركي بإخراج الاستحقاق الرئاسي. وتالياً لا يتعدّى الدور الفرنسي الوساطة بغية تشجيع الأفرقاء اللبنانيين على انتخاب رئيس جديد للجمهورية. بذلك، ووفق الدبلوماسية الفرنسية، اقترنت ضمانات بري والحريري في واقع الأمر بالآلية التي اقترحها الفرنسيون.
ولم يتردّد كوشنير في أن يبلغ المسؤولين والسياسيين الذين التقى بهم أن اللبنانيين أهدروا وقتاً طويلاً على الاستحقاق، من غير أن يتوصلوا إلى التفاهم في ما بينهم. وحرص، في خلوات ثنائية عقدها مع بري وصفير وعون والحريري على تأكيد الموقف الفرنسي من ضرورة إنجاز الاستحقاق. وفي واقع الحال تضايق كوشنير من الوفود الموسّعة من الجانبين الفرنسي واللبناني في لقاءات الثلاثاء، وهو يخوض مع محاوريه في مشكلة شائكة تتطلّب إعادة بعث الثقة في ما بينهم، ما حمله على الاختلاء بالزعماء الأربعة بغية توجيه الرسالة الفرنسية. كانت هذه شكوى الوزير الفرنسي أيضاً من الوفد الذي ضمه ونظيريه الإيطالي ماسيمو داليما والإسباني ميغل أنخل موراتينوس في 20 تشرين الأول الفائت، فإذا به من 20 شخصاً، ولم يعد في الإمكان التحدّث بما يتطلّب السرّية والكتمان.
ثانيها، أن الكلام على لائحة بمرشحين تضعها بكركي يعني أولاً وأخيراً لائحة بمرشحين توافقيين، لا لائحة مرشحين يرفضهم هذا الفريق أو ذاك. ولأن الأفرقاء اللبنانيين ـــــ بحسب رئيس المجلس ـــــ يعرف بعضهم البعض الآخر، ومغزى ما يقصده، ولم يعد تعريف التوافق لغزاً محيّراً لأحد، فإن الاتفاق واضح وقاطع على أن المرشح التوافقي هو غير الأسماء المعلنة الواقعة في دائرة التجاذب والمناورة والاتهامات والتهديدات المتبادلة. بناء على ذلك يتوقع بري والحريري في الساعات المقبلة لائحة بمرشحين توافقيين يختاران من بينهم مرشحاً أو اثنين ليرفعا إلى مجلس النواب لانتخاب الرئيس المقبل. وعملاً بالآلية الفرنسية ليس ثمة عدد محدد من الأسماء، ولا أسماء بعد في لائحة، وهو ما أخطره كوسران البارحة إلى بري بقوله، إنه لا يعرف الأسماء المرشحة، ولا يعرف إذا كانت ثمة أسماء وُضعت في لائحة. لكنه جزم لبري بأن البطريرك سيعدّ لائحة. وقال له كوسران إنه يتفهّم حجم الضغوط التي يتعرّض لها البطريرك من السياسيين ومحيطه. وسواء أدرجت في لائحة بكركي أسماء المرشحين المعلنين من هذا الفريق أو ذاك، فإن التفاهم بين بري والحريري سيهمل هذا الصنف منهم ويخوض في الشق الآخر من لائحة الأسماء، المتعلق بالمرشحين التوافقيين فقط.
ثالثها، أن رئيس المجلس يعزّز قليلاً من تفاؤله من غير أن يفرط فيه، ويتمسك بعبارة «التفاؤل الحذر»، بعدما عبرت الآلية الفرنسية من الباب الأكثر تعقيداً، وهو موافقة البطريرك على وضع لائحة بمرشحين. لكن رئيس المجلس لا يستبعد انعقاد جلسة الانتخاب قبل 21 تشرين الثاني إذا وصلت إليه لائحة البطريرك في الساعات المقبلة، فينصرف مع الحريري في جلسة عمل أو اثنتين إلى بتّ الخيار.
مع ذلك يذهب بري بتفاؤله إلى أبعد من ذلك، ويرى في إنجاز الاستحقاق الرئاسي وانتخاب مرشح توافقي حلّ مشكلة «خيطان الشلة» التي ما أن تُفك أولى عقدها حتى تتحرّر سائر عقد الخيطان الأخرى المتشابكة فيها. وهي إشارة من رئيس المجلس إلى أنه لا يتوقع، بعد انتخابات الرئاسة، عقبات في انطلاق الحكم، لأن المرحلة ستكون جديدة سواء على صعيد تأليف الحكومة وتركيبتها، أو على صعيد الملفات الساخنة المجمدة. ولا يفوته كذلك أن يذكّر ببيان من ثلاث صفحات كان قد أصدره أركان قوى 14 آذار، في قريطم، على أثر إقرار مجلس الأمن مشروع المحكمة الدولية في اغتيال الرئيس رفيق الحريري، محتفين بالمناسبة، قالوا فيه إن حكومة الوحدة الوطنية ونصاب الثلث المعطل للمعارضة يكونان بعد انتخابات رئاسة الجمهورية.