نعمت بدر الدين
علّقت مصادر سياسية ودبلوماسية لبنانية على الحركة الناشطة للسفراء الأجانب في لبنان، التي تخرق يومياً معاهدة فيينا الدولية التي تمنع الدبلوماسي الأجنبي من التدخل في الشؤون الداخلية للبلد الذي يعمل فيه، محمّلة مسؤولية هذا الخرق للدولة اللبنانية وللسفراء «الناشطين» سواء بسواء.
ورأت المصادر أن تمادي المسؤولين اللبنانيين في هذا التعامل غير الطبيعي مع السفراء يؤدي إلى إضعاف دور وزارة الخارجية ووزيرها ودبلوماسييها. فمن يقابل الرؤساء الثلاثة لا يعود بحاجة إلى مقابلة الأمين العام لوزارة الخارجية، فتنتفي الحاجة إلى الوزارة. وقد نبّهت المصادر من احتمال أن يكون البعض في صدد التمهيد لإلغاء دور وزارة الخارجية والمغتربين والاحتفاظ فقط بوزارة المغتربين... لأن ما يحصل اليوم من كسر لأصول معاهدة فيينا والتغاضي عنها يفرغ الوزارة من مضمونها ويحولها إلى مجرد ساعي بريد متلقٍّ ومجموعة إدارات روتينية، وخصوصاً أن الرئيس السنيورة يتصرف كوزير خارجية أصيل يخاطب العالم ويتصل ويكتب الرسائل إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، كما يتلقى الاتصالات والرسائل والتقارير شبه اليوميّة من بعض السفراء والبعثات اللبنانية وخاصة من بعثتي واشنطن ونيويورك وبعض الدول الأوروبية، التي ترد مباشرة إلى السرايا الحكومية دون مرور بعضها بوزارة الخارجية.
وحمّلت هذه المصادر المسؤولية للسياسين من نواب ووزراء ومسؤولين يسعون إلى مقابلة السفراء علناً وسراً ويتباهون بذلك، مضيفة أنه من غير المفاجئ أن يتدخل السفراء في كل شيء، ولكن العجب من المسؤولين اللبنانيين الذين ينتقدون تدخل السفراء ثم يعودون ويستقبلونهم على نحو شبه يومي. والأمثلة على ذلك لا تعدّ ولا تحصى من فريقي المعارضة والموالاة.
فمصادرة دور الوزارة تحصل يومياً، من رئاسة الجمهورية إلى السرايا ومجلس النواب، ولم تميز المصادر بين السفراء الغربيين والسفراء العرب في تحركاتهم سواء الذين يحملون المبادرات أو الذين يسوّقونها من السفير الأميركي والبريطاني والفرنسي إلى السعودي والمصري والسوداني، مشيرة إلى الرسالة التي كتبها السفير الأميركي جيفري فيلتمان الى جريدة «السفير» والذي تفوّق فيها في «وطنيته وحرصه على لبنان» على أي لبناني. فقد أعطى السفير فيلتمان نفسه حق تصنيف الصديق والعدو.
كما كشفت المصادر أن دوائر دبلوماسية رفيعة في السفارة الأميركية حاولت تطويق بعض الأصوات التي توجّه الانتقاد إلى فيلتمان بعدما تلاقت تلك مع دعوة الوزير صلوخ إلى تطبيق الأصول الدبلوماسية والمواثيق الدولية.
مصادر دبلوماسية غربية قالت إن اللبنانيين يحقّقون أرقاماً قياسية في إفساد كل شيء من حولهم. فالشهرة التي منحها اللبنانيون للمحقق الألماني ديتليف ميليس لم تكن لتحققها هوليوود! ومن يوفد إلى لبنان يخرج نجماً أو بطلاً تاريخياً، مشيرة الى مهرجان تكريم السفير المصري السابق حسين ضرار وكيف ودعه اللبنانيون والخطابات التي مجّدته، وتظاهرة السيارات التي اعتذرت للسفير السعودي عبد العزيز خوجة وعبّرت عن امتنانها وشكرها للدور الذي يلعبه في لبنان.
وأضافت المصادر أن الدبلوماسية اللبنانية كانت منارة وتحولت اليوم الى إشارة سير لا يتوقف أحد أمام ضوئها الأحمر. وسألت كيف يرضى الذين يحملون شعارات الحرية والسيادة بأن تخرق هذه الشعارات كل يوم، وتحدثت عن كمية الكتب التي تم توجيهها للسفارات الأميركية والفرنسية والبريطانية وغيرها بضرورة التزام نص اتفاق فيينا في ما يختص بأصول تحركات السفراء. لكن للأسف الشديد، تجري الشخصيات في لبنان اتصالات مباشرة معهم، ويقوم السفراء بزيارات متكررة لجميع المناطق، وهذا مخالف لما تنص عليه معاهدة فيينا التي تشترط عدم تجاوز السفير وزارة الخارجية والاستئذان قبل التنقل داخل البلد الذي يمثل بلاده فيه. فكما للسفراء حقوق، عليهم واجبات، وينبغي لهم إبلاغ الخارجية بتحركاتهم.
مصادر في الأكثرية النيابية عبرت عن استيائها من حركة السفراء الناشطة بالقول: لا نستطيع كسر العادات التي درجت في لبنان. السفراء الأجانب يرسلون البرقيات إلى الرؤساء الثلاثة، ويزورونهم. وحتى السفير المغادر يزور الثلاثة، وكل ضيف يزور الثلاثة، وهذا غير موجود في العالم. إنها عادات درج عليها اللبنانيون منذ 80 سنة وأكثر، وهي عادات غير سليمة.
وكان وزير الخارجية والمغتربين فوزي صلوخ قد أكّد في تعميم صدر عن الوزارة أن عمل السفراء والمبعوثين الأجانب تنظمه أصول ومعاهدات دولية، وخصوصاً معاهدة فيينا للعلاقات الدبلوماسية. وانتقدت دوائر أوروبية حركة بعض السفراء الغربيين التي تتجاوز معاهدة فيينا. ولفتت إلى موقف السفير الروسي سيرغي بوكين وابتعاده عن الأضواء الإعلامية وتجنبه أي لقاء مع طرف لبناني قد يضعه في وجه الطرف الآخر، غامزة من قناة حركة بعض السفراء التي تتعارض مع الأعراف الدبلوماسية.
وعبّر دبلوماسيون في السفارات اللبنانية عن استيائهم من الزيارات التي يقوم بها عدد كبير من المسؤولين اللبنانيين، ومنهم رئيس الوزراء ورئيس مجلس النواب ووزراء ونواب، إلى البلاد التي فيها سفارات وقنصليات لبنانية دون إبلاغ السفارات. وقالوا إنهم قد يعرفون بالزيارة من خلال وسائل الإعلام، وأحياناً بعد انتهاء الزيارة، مشيرين إلى حجم الضرر المعنوي والمادي المترتب على هذه الممارسات. ويذكّر هؤلاء الدبلوماسيون بالأصول التي تتبعها السفارات والقنصليات اللبنانية مع الدول المضيفة للعلاقات الدبلوماسية. فالعلاقة محصورة بمديرية الشرق الأوسط أو الشرق الأدنى التي يندرج تحت إطارها المكتب المختص بلبنان وعبره يطلب الطرف اللبناني اللقاءات أو الاتصالات والاستفسارات ويحدد المواعيد، وتنحصر كل اللقاءات بالقنوات الرسمية. ويحظى السفير اللبناني عادة بمقابلة وزير الخارجية أو رئيس الدولة في البلد المضيف، في حالات نادرة منها تسليمه رسالة من رئيس الدولة الموفدة وفق موعد يحدد عبر القنوات الرسمية وقد يطول انتظاره.

معاهدة فيينا للعلاقات الدبلوماسية

معاهدة فيينا للعلاقات الدبلوماسية الموقّعة عام1963 تضع في اعتبارها مبادئ ميثاق الأمم المتحدة في شأن المساواة بين الدول في السيادة، وصون السلم والأمن الدوليين، وتعزيز العلاقات الودية. وتنوّه بأن الغرض من الامتيازات والحصانات ليس لمنفعة الأفراد بل لضمان كفاءة أداء وظائف البعثات الدبلوماسية باعتبارها تمثّل الدول.
وتشمل مهام البعثة:
ـــــ تمثيل الدولة المعتمدة في الدولة المعتمد لديها، وحماية مصالح الدولة المعتمدة ومصالح رعاياها في الدولة المعتمد لديها ضمن حدود القانون الدولي.
ـــــ استطلاع الأحوال والتطورات في الدولة المستقبلة بجميع الوسائل المشروعة، وتقديم التقارير اللازمة عنها إلى حكومة الدولة المعتمدة.
ـــــ التفاوض مع حكومة الدولة المستقبلة.
ـــــ تعزيز العلاقات الودية بين الدولة المرسِلة والدولة المستقِبلة.
واجب الأشخاص الذين يتمتعون بالامتيازات والحصانات احترام قوانين الدولة المستقبلة وأنظمتها، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، كما يجب التعامل مع الدولة المعتمد لديها في شأن الأعمال الرسمية التي تسندها الدولة المعتمدة إلى البعثة، وأن يجري مع وزارة خارجية الدولة المعتمد لديها أو عن طريقها أو مع أي وزارة أخرى قد يتفق عليها.