لبايا ــ عساف أبو رحال
يستكمل الصيادون جهوزيّتهم هذه الأيام ويعلنون حال الاستنفار الشامل على كل المحاور، موزعين طلقات نيران أسلحتهم ومستهدفين كل أنواع الطيور، من دون تمييز بين مقيم ومهاجر، مدعومين بأجهزة ومعدات حديثة لتضليل الطيور وخداعها من خلال الأصوات التي تطلقها آلات التسجيل ذات الأسطوانات المتعددة الألحان


تمثّل منطقة وادي التيم معبراً رئيساً للطيور المهاجرة التي تعبر أجواءها قادمة من أوروبا في اتجاه إفريقيا بعد تمضية فصل الصيف، لتعود مجدداً مع أوائل الربيع سالكة المعبر عينه، وبذلك يمتد نشاط الصيادين بضعة أشهر ويتكثف نشاطهم مع فصل الخريف وبدء هطول المطر، وتتحول المنطقة الى ملتقى لصيادين قدموا من مناطق بعيدة وبعضهم اتخذ مسكناً له ولعائلته على مدار السنة بهدف ممارسة هذه الهواية وسط مساحات واسعة مغروسة بالأشجار.
هذه المقومات جعلت منطقة وادي التيم محط أنظار المهتمين والهواة الذين يتخذون لهم مواقع تسمى «مرابط» تفصل بينها مسافات يتفق عليها مسبقاً، لتتكوّن جبهة نارية تمتد مسافة طويلة وتلتقي بجبهة ثانية وثالثة، وهكذا تنشأ جبهة طولها بضعة كيلومترات من بلدة لبّايا غرباً حتى سفوح حرمون شرقاً، يضاف إليها عشرات الصيادين الجوّالين في البساتين الذين تفتك طلقات بنادقهم بالزيتون والتين والكرمة.
ويقول أنطوان خوري رئيس بلدية كوكبا ــــ قضاء حاصبيا وأحد الناشطين البيئيين، إن لبنان يستضيف نحو 250 نوعاً من أنواع الطيور المهاجرة، بعضها تسهل مشاهدته كأسراب اللقلق الأبيض التي تعبر أجواءنا بأعداد تزيد على 500 ألف طائر خلال فصل الربيع، فيما تصعب مشاهدة العصافير الصغيرة الحجم. وهذه الطيور تحتل جزءاً مهماً من بيئتنا وطبيعتنا وأريافنا فمجرد وجودها ورؤيتها يعتبر مؤشراً إيجابياً لِما تقوم به من المهمات الحيوية للحفاظ على صحة بيئتنا وسلامتها.
وقال إن ما يزيد على مليون طائر يمر بانتظام من خلال الممر الرئيسي منذ ملايين السنين معتمدة على التيارات الهوائية الناشئة فوق الأودية، ما يجعل هذا الممر في لبنان واحداً من أهم الممرات لهجرة الطيور في العالم، ومن هنا تأتي الأهمية العالمية لمنطقة وادي التيم والحاصباني ووادي الليطاني التي هي إحدى بوابات العبور، بل أهمها، بين أوروبا وإفريقيا.
وفي بلدة إبل السقي أصدرت البلدية سابقاً قراراً يقضي بمنع صيد الطيور في كل الأراضي التابعة للبلدة تحت طائلة المسؤولية والملاحقة القانونية، وترافق صدور القرار مع إطلاق المحمية، وهي من المشاريع المهمة التي شهدتها البلدة لأنها محطة رئيسة للطيور المهاجرة خلال ترحالها، وهو ما من شأنه تشجيع السياحة البيئية في المنطقة.

جبهات الصيد

حال الفلتان البيئي في منطقة وادي التيم والقطاع الشرقي من جنوب لبنان امتدت لتطال الطيور على أنواعها في خطوة تزعج الكثير من المزارعين الذين رأوا أن كل طلقة تطلق على شجرة تتلف عشرات حبات الزيتون، إضافة الى الخطر الذي ينجم من الصيد العشوائي.
فمنطقة وادي التيم، محطة الطيور، باتت أيضاً مقصداً للصيادين من مناطق لبنانية مختلفة يأتون إليها مجهّزين بسيارات محمّلة بالذخائر والزاد وكل ما يلزم، ومعدّة لتسلق الأماكن الصعبة، وكل ذلك من أجل محاربة الطيور العابرة أجواءنا متخطّين بذلك كل القوانين التي من شأنها الحفاظ على بيئة مميزة.
ويقول أحد أصحاب المحال التجارية التي تبيع الذخائر، إن الأسعار زادت هذه السنة ما نسبته خمسون في المئة، لكن ذلك لم يؤثر في نسبة المبيعات التي تراجعت قليلاً، مع العلم أننا في بداية الموسم الذي يمتد حتى مطلع السنة الجديدة، والصيادون فئات، فمنهم من يصطاد العصافير الصغيرة لفترة تمتد نحو شهر، وآخرون يصطادون طيور السمان والشحرور والمطوق بالتزامن مع فصل قطاف الزيتون، وهناك شريحة أخرى من الصيادين أكثر خطراً على البيئة تهوى صيد طيور الحجل المهددة بالانقراض.
ويقول رئيس بلدية حاصبيا كامل أبوغيدا «إن البلدية أصدرت منذ سنتين قراراً يمنع الصيد بكل الوسائل في منطقة معينة ومحددة، وتطبيق مثل هذا القرار مئة في المئة شائك وصعب لعدم مواكبة القوى الأمنية له وتقديم مساعداتها. هناك مجموعات من الشبان والفتية يمارسون هواية الصيد غير آبهين، متخطين كل القوانين والقواعد في وقت يمنع فيه نقل السلاح وحمله بترخيص أو من دون ترخيص، والبلدية عاجزة عن محاسبة هؤلاء وعاجزة عن تطبيق القرار».

الصيادون
ورأت مجموعة من الصيادين رفضت الكشف عن أسماء أفرادها، أن الصيد بات هواية في المناطق الجبلية القصد منه تمضية الوقت، علماً أنه بات مكلفاً بسبب ارتفاع أسعار الخرطوش من كل العيارات. ويقول أحدهم إن الصيد يقتصر على الطيور المهاجرة دون سواها، وينحسر في شهر أيلول. نحن نصطاد العصافير الصغيرة مثل عصفور التين الذي يأتينا مرة واحدة في السنة، أما البلابل والحساسين وغيرها من الطيور المقيمة فنحجم عن صيدها، لكن هناك أخطاء يقع الصياد فيها أحياناً.
ويقول آخر «نتمنى على الدولة إصدار قرار يسمح بالصيد في فترات محددة. نحن الصيادين في هذه المنطقة نواجه مشكلة تتمثل بقدوم عشرات الصيادين من مناطق لبنانية مختلفة، وخصوصاً منطقة الشوف حيث يمنع الصيد هناك، وفي حال منع الصيد يجب تطبيق القرار على الوافدين قبل المقيمين.
وقدّر صياد ثالث كمية العصافير التي يصطادها خلال شهر بنحو ألف عصفور، تحتاج الى ما بين 1500 و2000 طلقة من عيار 12 ميلّيمتراً بتكلفة نحو نصف مليون ليرة، تضاف إليها مصاريف أخرى من بطاريات والتنقلات.
واعتبر صياد رابع أن نسبة العصافير هذه السنة متدنية قياساً بالسنوات الماضية، لأسباب قد تعود الى رشّ المبيدات في البلدان الأوروبية، وخصوصاً تركيا، وقال إنه لولا وجود آلات النداء التي تحوي أكثر من 500 صوت لتعذّر اصطياد الطيور. وقال «أنا أمارس الصيد بواسطة القنص ولا أعتمد طريقة «الربط»، وهذا الأمر مكلف لارتفاع نسبة ما يطلق من الذخيرة».
وسط حال الفلتان المخيّمة، يبقى صوت المزارع الوحيد المدوّي خلف التلال مطالباً بضرورة وقف هذه الهواية التي يراها البعض رياضة مسلية، ويقول المزارع راجي واكيم في هذا المجال إن طلقة واحدة على شجرة مثمرة من شأنها أن تفسد جزءاً من المحصول، والصياد في هذه الأيام لا يراعي أبسط القواعد ولا يلتزم قانوناً، فينتهك حرمات الطير والبساتين والزراعات، علماً أن غالبية البنادق المستخدمة غير مرخّصة.
وفي كل الأحوال يبقى الصيد البري ممنوعاً بقرار سابق من مجلس الوزراء، بانتظار إصدار قرار جديد ينظم هذه الرياضة، لكن ما يبقى ساري المفعول هو قرار القتل العشوائي للطير لا قرار المنع. وتكمن المشكلة الحقيقية في أن غالبية الصيادين لا تعرف أنواع الطير التي يمكن صيدها ولا أوقات هذا الصيد، فضلاً عن الأنواع التي باتت مهددة بالانقراض ولا يجوز تالياً صيدها. أما القناص المتنقل فقد يكون مدركاً وقد لا يكون، وهو في جميع الأحوال مشكلة متنقلة بين البساتين تحمل خطراً حقيقياً على الطير والمزروعات والبيئة والمزارع وعلى الصياد نفسه.