strong>في ظل الانقسام السياسي الذي تعيشه البلاد حول انتخاب رئيس جديد للجمهورية، تحدّث مسؤولون سياسيون عن إمكان انقسام قوى الأمن الداخلي والأمن العام، لكن أحداً لم يذكر إمكان انقسام الجسم القضائي، مع ما يشكله ذلك من خطورة على المواطنين ومصالحهم
قبل ثمانية أيام من انتهاء ولاية رئيس الجمهورية العماد إميل لحود، ومن دون التوصل إلى التوافق المرتجى بين الموالاة والمعارضة على انتخاب رئيس جديد، ومع تأكيد رئيس الجمهورية على عدم تسليمه السلطة للحكومة التي يرأسها فؤاد السنيورة لأنه يراها فاقدة للشرعية الدستورية والميثاقية، يبقى السؤال مطروحاً عن إمكان تأليف حكومة انتقالية أو حكومة ثانية، مع بقاء حكومة الرئيس فؤاد السنيورة كحكومة تصريف أعمال.
هذه الخطوة، في حال حصولها، ستترك آثاراً سلبية على أكثر الإدارات والمؤسسات، وبينها الجسم القضائي.
فلوزير العدل أن يشير بتحريك الادعاء العام في قضايا معينة، ويمكنه أن يرسم السياسة الجنائية للسلطة، طالباً من النيابة العامة التمييزية التشدد في ملاحقة مرتكبي جرائم محددة.
ويعطي القانون اللبناني لوزير العدل صلاحيات واسعة، منها:
ـــــ اقتراح اسم رئيس مجلس القضاء الأعلى وخمسة من الأعضاء على مجلس الوزراء لتعيينهم.
ـــــ اقتراح اسم المدعي العام التمييزي على مجلس الوزراء لتعيينه.
ـــــ اقتراح اسم رئيس هيئة التفتيش القضائي على مجلس الوزراء لتعيينه.
ـــــ الاشتراك مع وزير الدفاع في اقتراح اسم مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية لتعيينه.
ـــــ اقتراح تعيين المحققين العدليين بعد التشاور مع مجلس القضاء الأعلى.
ـــــ المشاركة في إحالة التشكيلات القضائية بعد إقرارها في مجلس القضاء الأعلى.
وأمام هذه الصلاحيات التي يمنحها القانون لوزير العدل، كيف يمكن الجسم القضائي أن يتعامل مع مدّعٍ عام ثانٍ تعيّنه الحكومة الثانية إذا ما أبصرت النور؟ ويشار في هذا الإطار إلى أن صلاحيات المدعي العام التمييزي المنصوص عليها في قانون أصول المحاكمات الجزائية واسعة، بحيث يمكن تسميته المحرك الأساسي للسلطة القضائية. فهو رئيس النيابات العامة التي تمثل الادعاء العام في المحاكمات، والتي تَجري التحقيقات لدى الضابطة العدلية بإشرافها، ويوقَف المشتبه فيهم بناءً على إشارتها، ولها إبداء الرأي في إخلاء سبيل الموقوفين، وتبدي مطالعتها قبل إصدار قضاة التحقيق للقرارات الظنية. وإن المدعي العام هو ممثل الادعاء العام في محكمة التمييز، ولديه تُميّز قرارات النواب العامين. إضافة إلى ذلك، يمثل جهة الادعاء العام في المجلس العدلي حين انعقاده، ويبدي رأيه في طلبات تخلية السبيل المقدَّمة لقضاة التحقيق العدلي.
وماذا عن تعاطي القضاة، وخاصة من هم أعضاء في مجلس القضاء الأعلى، إذا ما سمى وزير العدل رئيساً للمجلس؟ وماذا لو تطوّرت الأمور وقامت الحكومة بتعيين قضاة تحقيق عدلي في جرائم محالة على المجلس العدلي، وكانت الحكومة الحالية قد عيّنت قضاة تحقيق عدليين فيها؟ وعلى سبيل المثال، ماذا لو عيّنت الحكومة الثانية محققاً عدلياً جديداً في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وسط حديث قسم كبير من المعارضة عن أن الموقوفين الرئيسيين في القضية، أي الضباط الأربعة، هم معتقلون سياسيون؟ وكيف ستتصرّف الأجهزة الأمنية، وخاصة المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، إزاء إشارة محقق عدلي وافق عليها مدع عام تمييزي بإطلاق سراح الموقوفين أو أحدهم؟
من ناحية أخرى، تؤكد القوانين عدم وجود أي سلطة إدارية للمدعي العام التمييزي على رؤساء المحاكم وقضاة التحقيق، لكن تأثيره على التشكيلات القضائية يجعله بموقع يسمح له بتوجيه طلبات للقضاة الذين نادراً ما يخالفون ما يطلبه منهم المدعي العام التمييزي.
معضلة أخرى ستواجهها الأجهزة الأمنية التي هي، بصفتها ضابطة عدلية، مساعدة للنائب العام لدى محكمة التمييز، وتؤدي الدور الأساسي في التحقيقات، وتكمن هذه المعضلة في تحديد المدعي العام الذي ستلتزم بإشارته، وتخابره لتوقيف المشتبه فيهم.
وفي ظل غياب رئيس للجمهورية، من سيصدر التشكيلات القضائية ويسمح للدولة والمواطنين بالاستفادة من طاقات القضاة الشبان الذين وصل عددهم إلى مئة، والذين يتقاضون رواتبهم من دون تعيينهم في مراكزهم؟
مسألة ثانوية يمكن أن يواجهها القضاة في حال تكليف أحدهم بتمثيل وزير العدل في مؤتمرات دولية وغيرها، فأي وزير سيوالون؟
الأسئلة المطروحة أعلاه تتناقلها ألسن عدد من القضاة همساً، وبعضهم حدد موقفه، والبعض الآخر متريّث. وفي هذا الإطار، تمنى أحد كبار القضاة عدم الخوض مجدداً في التجربة التي عاشها وزملاءه أيام حكومتي الرئيس سليم الحص والعماد ميشال عون، عندما طلبت إحدى الحكومتين من القضاة التوقيع على تعهدات بتنفيذ قراراتها تحت طائلة الحرمان من دفع الرواتب.
الأسئلة تُطرح، ومن المفيد التنبه لها، وخاصة أن المواطنين لن يحتملوا انقسام من يحكمون «باسم الشعب اللبناني»؟.
(الأخبار)