إبراهيم الأمين
ثمّة مفارقة عجيبة غريبة في مقاربة الجهات الغربية لموقف حزب الله من القضايا اللبنانية ومن القضايا الإقليمية. وما قاله العماد ميشال عون أمس كان الأكثر وضوحاً بإشارته الى حكاية الامتحان الذي أجراه السفير الأميركي جيفري فيلتمان مع أحد المرشحين وسؤاله إياه عمّا سيفعله من أجل نزع سلاح المقاومة.
الكل في لبنان وخارجه يعرفون هذا الأمر. كل أقطاب فريق 14 آذار سمعوا هذه التعليمات منذ ما قبل حرب تموز، وبعد العدوان الفاشل زاد الإلحاح على هؤلاء من الجانب الأميركي بضرورة القيام بعمل ما لمواجهة سلاح المقاومة بعدما أظهرت الحرب ضرورته وفاعليته. والمشكلة في الحوارات القائمة الآن، أن الكل يتحدث عن بناء الدولة ويتجاهل حقيقة أن مطلب نزع سلاح المقاومة هو خراب هذه الدولة بعينه. وهو الكلام الذي كان الجميع يعرفونه قبل زمن، وتأكدوا منه أيضاً بعد حرب تموز. ورغم أن فريق 14 آذار يتكلم بواقعية شديدة عندما يقول إن تحالفه مع الأميركيين واستعداده للتسوية عائدان الى قوة أميركا وضعف قدراته، ورغم أن هذا الفريق يدعو إلى تحرير مزارع شبعا بالوسائل الدبلوماسية لأن إسرائيل قوية، فإنه يصبح فريقاً ثورياً عندما يبدأ الحديث عن سلاح المقاومة أو حتى عن سوريا. ولا أحد يعرف حتى الآن نوع المنطق الذي يعتمل في رأس هؤلاء وقد شاهدوا فشل إسرائيل المدعومة من كل العالم في انتزاع بندقية واحدة من بنادق المقاومة، على ما قال عون. ثم إن هؤلاء الذين يمسكون بالأمن في لبنان وأدواته الرسمية وحشد ميلشياوي كبير، ومع دعم متنوع، لا يقدرون على تأمين انتقال نواب من منزل أو فندق إلى مقر المجلس النيابي، ويريدون في الوقت نفسه إسقاط النظام في سوريا وإيران وتغيير وجه العالم.
ومع ذلك، فإن النقاش مع الغرب يظل قائماً بالوساطة، علماً بأن الجانب الفرنسي يحاول التقدم على الآخرين من خلال إدارة تواصل مباشر مع حزب الله. ومع أن الثقة بين الطرفين ليست كبيرة إلى هذا الحد، إلّا أن كلاً منهما يتصرف بواقعية عملية مع الطرف الآخر. وهو أمر يسهّل المناقشات وخصوصاً النوعية منها. وربما كان الاجتماع الأخير بين وفد قيادي من الحزب والموفد الفرنسي جان كلود كوسران خير معبّر عن طبيعة المشكلة القائمة.
وبحسب المعطيات، فإن كوسران جاء عارضاً مسألة التوافق على رئيس للجمهورية، وقال إن بلاده معنيّة برأي الجميع ولا سيما حزب الله، واصفاً دور الحزب بأنه «شريك في الحل وشريك في المعادلة»، مما سمح لوفد الحزب بأن يردّ عليه بالقول: «أنتم تقولون هذا والولايات المتحدة التي تقولون إنها فوّضت إليكم القيام بهذه المهمة تقول إنه يجب عزلنا وضربنا، وتطلب من كل مرشّح أن يضع نصب عينيه مهمة نزع سلاحنا، وهي تريد رئيساً للتصادم والحرب، لا رئيساً للوفاق والبناء، ولذلك نحن نرى أن الأمر لا يتعلق بانتخابات رئاسية فقط، بل بمسار عام هو الذي قصده الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله في خطابه الأخير. وبالتالي، فإن السؤال هو عن شكل الحكم المقبل للبنان، وعن شكل الحكومة ومهمتها، ونحن نعلم أن الأميركيين يخطّطون لبناء أجهزة أمنية في لبنان تعمل على ضربنا فقط، ويريدون تغيير الجيش لجعله في مواجهة مع المقاومة، وهذا ما سوف يأخذ البلاد نحو الخراب لا نحو أي شيء آخر. ومن هذه الزاوية نحن نرى أن الرئاسة، وإن كانت شأناً مسيحياً في الأصل، مسألة تخص جميع اللبنانيين ونحن منهم».
ومع أن كوسران ردّ بأن فرنسا والآخرين يرون في حزب الله شريكاًَ حقيقياً في أي حلّ وفي أيّ معادلة تقوم، لم يكن لديه تعليق على استيضاح إضافي من جانب الحزب لآلية العمل لتحقيق هذه المشاركة والضمانات بعدم أخذ البلاد نحو المواجهة. وعندئذ قال كوسران: «لنتصرف على أساس أننا في طور بناء حل، ولنأخذ الانتخابات الرئاسية كأول خطوة ونعتبرها حجر الزاوية في هذا البناء». فرد عليه وفد حزب الله: «إن أي بناء يحتاج الى مخطط وإلى تصميم مسبّق، وإن حجر الزاوية يجب أن يكون في موضعه وأن يكون متيناً لئلّا يسقط أي بناء من فوقه، وبالتالي، فإن المسألة لا تتوقف عند انتخاب رئيس».
وحاول كوسران نقل الحديث مباشرة الى الملف الرئاسي، وخاصة أن وفد الحزب بدأ الاجتماع بالإشارة إلى تصريحات وزير الخارجية برنار كوشنير التي «لا تعكس متابعة دقيقة للخطاب من الجهات المساعدة له إلا إذا كان هو يستمع إلى من يريد أن يقول له الأمور بطريقة مختلفة، لأن السيد نصر الله لم يعارض المبادرة الفرنسية في خطابه ولم يرفض التوافق بل حذّر من مرحلة ليس فيها توافق، وبالتالي، فإن موقف كوشنير مستنكر وهو يمثّل تدخلاً فاضحاً في الشؤون الداخلية». عندئذ حاول كوسران التخفيف من الأمر بقوله: «إن كوشنير لم يكن يقصد مضمون الخطاب، وموقفه هو اعتراض على نبرة السيد نصر الله العالية، التي تأخذ بعداً تصعيدياً»، فرد عليه وفد الحزب: «لكنكم تعرفون كيف يتحدث السيد». إلا أن كوسران كان مهتماً بالانتقال الى الملف الرئاسي مباشرة. وسأل وفد الحزب عن موقفه مما يجري حالياً فرد عليه: «نحن نعرف أن الاستحقاق يمثّل اهتماماً مسيحياًَ في الأساس لكنه يمثّل أيضاً اهتماماً وطنياً، والتوافق يجب أن يأخذ في الاعتبار الوضع التمثيلي للأطراف المعنيين، وإذا كان فريق 14 آذار يستند إلى نتائج الانتخابات النيابية للحديث عن أغلبية وعن أقلية، فعليه احترام نتائج هذه الانتخابات. ومثلما يحق للغالبية السنية اختيار رئيس الحكومة وللغالبية الشيعية اختيار رئيس المجلس النيابي، فإنه يحق للغالبية المسيحية اختيار رئيس الجمهورية، وأرقام الانتخابات تقول إن العماد ميشال عون هو الذي يمثل الغالبية المسيحية، وبالتالي، فإنه يجب التوقف عند هذه النقطة، فلماذا يتم تجاهل الحقيقة؟».
وأضاف وفد الحزب: «وفقاً لهذه الحسابات ووفقاً لاقتناعات أكثر عمقاً، نرى في العماد عون المرشح الأفضل لرئاسة الجمهورية، وهو يعبّر أوّلاً عن إرادة الغالبية المسيحية، وهو رجل ثقة يفي بالتزاماته ويقدر على بناء دولة قوية بما في ذلك إقامة منظومة دفاعية في مواجهة التهديدات الإسرائيلية».
عندها حاول كوسران نقل النقاش الى مبدأ التوافق لأجل تجاوز موقف الحزب الداعم لترشيح عون فقال: «نحن نتحدث الآن عن توافق»، فقيل له: «الشخص الذي يملك القدرة على بت الصورة التوافقية هو العماد عون، ونحن ندعمه بقوة، وله أن يقرر ما إذا كان غيره يمثل التوافق، ولكنه الأساس في أيّ خطوة من هذا القبيل».