جان عزيز
هل تصدق الصورة الإيجابية التي ظهرت أمس، ويأخذ الاستحقاق الرئاسي طريقاً سهلاً ممهداً له من جانب غالبية الأطراف العاملة في الداخل والخارج، ويتوّج باختيار رئيس جديد يوم 21 الجاري؟ أم تتعثر المساعي ويُلجأ إلى الخيار الانتقالي البديل في اللحظة الأخيرة، قبل الوصول إلى المجهول؟
جدلية السؤالين السابقين طرحها الموقف المفاجئ للقائم بالأعمال الفرنسي أندريه باران، يوم أمس، من أمام الصرح البطريركي.
نعم لقد سلّم البطريرك الماروني لائحة بأسماء مرشحين رئاسيين إلى كل من نبيه بري وسعد الدين الحريري.
أحد المطّلعين على أجواء الصرح والمباحثات القائمة بينه وبين أصحاب المبادرات، كما بينه وبين أطراف الصراع الداخلي، يؤكد أن الموقف الفرنسي لم يكن مفاجئاً. ويكشف السياسي المطّلع الآتي:
1 ـــــ من المؤكد أن صاحب الغبطة كان قد تداول مع وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير في زيارته الأخيرة إلى بكركي، وبطريقة شفوية، بمجموعة من الأسماء الرئاسية، على سبيل «مسوّدة» للائحة البطريركية، واتفق مع كوشنير على أن يجري جس نبض الأطراف الأخرى حيالها.
2 ـــــ بعد رد إيجابي من عين التينة وقريطم، كلّف كوشنير مساعده جان كلود كوسران بالذهاب مع بكركي خطوة أبعد، أي تحويل المسوّدة الأولية إلى لائحة رسمية استناداً إلى التجاوب المرصود والمنقول. وهنا اشترط سيد الصرح أموراً ثلاثة: أولاً، السرية الكاملة للخطوة ومضمونها، وعدم تسريب الأسماء تحت طائلة التراجع عنها. ثانياً، تقديم الضمانات اللازمة بأن يكون الاختيار الرئاسي من الأسماء التي ترد في اللائحة حصراً، من دون أي تحايل عليها.
وثالثاً، أن تقدم الضمانات الكاملة بأن يكون الالتزام نهائياً بالنصاب الدستوري على قاعدة الثلثين، وأن يكون انتخاب الاسم المختار بالأكثرية نفسها أو أكثر، تدليلاً على قاعدة اختيار رئيس يوافق عليه أكبر قدر من القوى النيابية.
3 ـــــ نقل كوسران الشروط البطريركية إلى الجهتين المعنيتين بها أساساً، أي قريطم وعين التينة، وعاد بالموافقة عليها من دون تحفّظ، وفي ظل التعهد الفرنسي بكفالة الموافقتين.
4 ـــــ عندها، ومع عودة كوسران إلى بكركي بالموافقتين المطلوبتين، مقرونتين بالكفالة الفرنسية، إضافة إلى الشرح الفرنسي المفصّل لسلسلة الاتصالات الإقليمية والدولية المساعدة، أقدم البطريرك على الخطوة المطلوبة منه، وأكد لكوسران أن الأسماء التي جرى التداول بها معه ومع كوشنير تؤلّف اللائحة المقبولة منه.
5 ـــــ نقل كوسران الأسماء إلى بري والحريري، قبل 48 ساعة، واعتبر اليومين الماضيين فترة تجربة لتبيان مدى الالتزام بالسرية المشترطة، كما لجمع الموافقة اللازمة من الحلفاء لدى كل من الطرفين، على شرط الالتزام بالأسماء، والالتزام بنصاب الثلثين، والانتخاب بأكثرية مماثلة.
6 ـــــ عند هذا الحد، تبلّغ الفرنسيون من بعض الأطراف المعنية، أنه في غياب أي مستند خطي أو رسمي يؤكد أن الأسماء المنقولة هي اللائحة البطريركية، ثمة من يطلب ضمانة علنية لها. وهذا ما نقله باران إلى الصرح يوم أمس، وتباحث فيه مع البطريرك، لينتهي إلى صيغة لحله على قاعدة أن يأذن صاحب الغبطة للدبلوماسي الفرنسي، بأن يعلن تصريحه الخطي بشأن بنوّة اللائحة وأبوّتها، وهكذا حصل.
ويضيف السياسي المطّلع نفسه أن المسألة الرئاسية اكتسبت بعد حدث الأمس دفعاً كبيراً، وخصوصاً أن معالجات كثيرة كانت قد سبقت وواكبت وستلي لإتمام المهمة. فالاتصال الهاتفي بين بري ووليد جنبلاط يوم أمس، كان تمهيداً أساسياً للدفع نحو التسوية، والموقف الجنبلاطي في اجتماع قوى الموالاة يوم الأحد الماضي، حسم الموقف لجهة رفض خيارات الصقور المسيحيين في السلطة، بعد سجال متوتر قيل إنه حصل بين جنبلاط وسمير جعجع.
أما خارجياً، فتردد أن التسهيل السوري للمعالجة بات شبه مضمون، بعد سلسلة الاتصالات الفرنسية من اسطنبول إلى دمشق.
كما أن الموقف الإيراني بات مشجّعاً، وهو ما نقله سفير إيران إلى عين التينة وبكركي في اليومين الماضيين.
بعد كل هذه التذليلات، باتت الكرة عالقة بين بري والحريري، علماً بأن المطّلعين على أجواء الرجلين لا يتوقعون أي خلاف بينهما، وخصوصاً أن لائحة البطريرك تتضمن بالتأكيد اسماً واحداً أو أكثر، من الأسماء التي يتقاطع عليها الرجلان، لا بل كانا قد تداولا بها سابقاً.
وهو ما يترك القضية معلّقة على سؤالين اثنين: أولاً، ماذا سيكون الموقف الأميركي من التسوية المغايرة نظرياً لما كانت قد حسمته رايس وولش وعدد من صقور الإدارة الأميركية؟
وثانياً، ماذا سيكون موقف حلفاء بري والحريري، إذا لم تنجح محاولات الإقناع داخل كل من الطرفين. وفي هذا السياق، يلاحظ في شكل أساسي أن أي اتفاق رئاسي يحتاج إلى تغطية مسيحية، لا يمكن لموقف بكركي وحده أن يؤمّنها.
الجوابان على السؤالين المذكورين، منتظران في الساعات القليلة المقبلة، علماً بأن البعض يتحدث عن «خطة ب» إذا تعثّرت خريطة طريق اللائحة البطريركية، وهي العودة إلى نظرية الرئيس الانتقالي لسنتين، تنتهيان مع الانتخابات النيابية المقبلة سنة 2009، ولمهمة محصورة بوضع قانون لهذه الانتخابات وإجرائها، وتجنّب كل الملفات الخلافية الأخرى.
وفي كل الأحوال، يبقى الثابت أن مطلع الأسبوع المقبل سيحمل كل الأجوبة، حتى ما لم يطرح بعد، مثل لغز الاسم المختار والصفقة الشاملة لما بعد اختياره.