جبيل ــ جوانّا عازار
صحيح أنّه صاحب مطاعم وفنادق وصانع مجوهرات ومغامر وبحّار، إلا أنّه «سلعة لبنانيّة» أسهمت في تطوير السياحة في لبنان واستقطاب آلاف المشاهير وصنّاع القرار اللّبنانييّن والعالمييّن إليه. إنّه جوزيف جرجي عبد المعروف بـ«بيبيه عبد» الذي ذاع صيته في لبنان ودول العالم.
عبد من مواليد سنة 1911 من بلدة رميل، لكنّه قضى معظم حياته في مكسيكو حيث عمل مع ابن عمّه. عاد إلى لبنان سنة 1948 بعد 35 سنة من السفر، فعشقه وقال عنه: «إذا كان لي أن أختار العيش في جنّة، أختار لبنان». كتب عنه الاقتصاديّون أنّه أسهم في تنشيط السياحة في لبنان، إذ كان يغني المنطقة التي يقيم مشروعاً فيها كما شرح ابنه روجيه.
ما الذي يجعله معروفاً إلى هذه الدرجة؟ يقول ابنه روجيه عبد القنصل الفخري للمكسيك في لبنان إنّ «بيبيه عبد لم يهتمّ يوماً للمال، فقد كان همّه الأساسي أن يحبّه الناس وأن يجمع أكبر قدر من الأصدقاء والمحبّين، وقد كان همّه ثقافيّاً، حضاريّاً، وقد قابل العديد من المشاهير حتّى قيل فيه إنّه قابل تقريباً كلّ المشاهير في العالم».
هو الذي عمل في صناعة المجوهرات، وكان له محلّ في سوق الطويلة، وكان مبدعاً ومميّزاً في تصاميمه، وكان أوّل نجاحاته عقد صممه للأمير طلال بن عبد العزيز، وتوالت نجاحاته إلى حين سرقة محلّه عام 1952، فانطلق عندها في مشواره السياحي، وعاد إلى حبّه الأوّل، البحر. في منطقة الجناح كان له منتجع بحري على امتداد 20 ألف متر، استطاع أن يجذب إليه آلاف السياح والروّاد، إلى أن وجد نفسه مأخوذاً بميناء جبيل، فلم يتمكّن من مقاومته بعد رؤيته له عام 1960، فوقع بحبّ جبيل، مكملاً رحلته البحريّة، وأقام مطعماً للمأكولات البحريّة له في مبنى مهجور عمره 800 سنة، ما استدعى وصفه بالجنون من البعض، فيما ناداه البعض بـ«قرصان لبنان»، إذ كان يسبح صيفاً وشتاءً، ويأكل السمك يوميّاً، وكان يقول باختصار إنّ البحر حياته. كما أنّه كان يجمع العملات القديمة من البحر ويصنع منها المجوهرات التي استحوذت على الاهتمام، وخاصّة أنّ عمر القطع مئات السنين، وقد عرضت في معارض في فرنسا لمرّتين. ورغم خسارته لمعظم ممتلكاته والمطاعم والفنادق التي أنشأها في صور، الجناح، برمّانا، الحمرا، عمشيت... بداية الحرب اللّبنانيّة، إلا أنّه أكمل الطريق، حتّى استطاع حفظ كلّ ما جمعه في متحف حمل اسمه في جبيل، حيث تخطّى مطعمه المعروف عن المطاعم ليصبح ملتقى ثقافيّاً حضاريّاً، تزيّن جدرانه صور المشاهير الذين زاروه، بدءاً برؤساء وزعماء لبنانيين أمثال الرئيس كميل شمعون، الرئيس شارل حلو، الرئيس بشير الجميّل، الرئيس أمين الجميّل، الرئيس إلياس سركيس، كمال جنبلاط وغيرهم، وصولاً إلى مشاهير عالميين مثل بريجيت باردو، مارلون براندو الذي طالبه مرّة بأن يعطيه مطعمه مقابل جزيرة يملكها براندو.
يحتوي متحف بيبيه عبد قطعاً أثريّة جمعها أثناء غطسه في أعماق البحر، منها مثلاً فخاريّات قديمة، تماثيل آلهة، مجموعة من المراسي البحريّة الرومانيّة، قطعة رومانيّة عمرها 2000 سنة وجدها في شاطئ صور على عمق عشرة أمتار، كلّها تمتدّ على مسافة نحو 1500 متر مربّع مختصرة حقبات من التاريخ. وكلّ القطع نادرة تعرض منذ سنة 1997 في متحف بيبه عبد قرب مطعمه على ميناء جبيل في قبوين قديمين من الفترة الصليبيّة. وهذا المتحف قدّمه عبد إلى الدولة اللّبنانيّة رسميّاً عام 1997، وأدرج عام 1998 في لائحة التراث العالمي للأونيسكو.
إلى جانب هواياته المتعدّدة، كانت لبيبيه عبد تجربة سينمائيّة، إذ مثّل عام 1966 في فيلم سينمائي للمخرج جورج لانتنر حمل اسم «La grande sauterelle»، مثّل بعدها في فيلم آخر عام 1968 للمخرج الإيطالي نينو زانكيني. كرّمته دولة المكسيك وحاز أيضاً تكريماً من الأونيسكو لإسهامه في حفظ الآثار اللبنانيّة. كما سمّت بلديّة جبيل شارعاً في مدينة جبيل على اسمه «بيبيه عبد»، تخليداً له بعد رحيله في 13 كانون الأوّل من عام 2006.
أولاده الثلاثة هم جيلبير، كارمن وروجيه، أمّا حفيده الذي يحمل اسمه فيقيم اليوم في المكسيك، وربّما أعاد التاريخ نفسه وعاد بيبيه الحفيد إلى لبنان.