عمر نشابة
«إن الحكومة اللبنانية برئاسة فؤاد السنيورة تقوم منذ 17 شهراً بتحويل قوى الأمن الداخلي إلى قوة مسلحة يصل عددها إلى نحو 24 ألف عنصر بدعم من دول غربية وخليجية عربية، بغرض حماية قوى 14 آذار، والإبقاء على سيطرتها السياسية في لبنان، في أي مجابهة محتملة مع قوى المعارضة» قال وزير الشباب والرياضة وزير الداخلية بالوكالة أحمد فتفت في تصريح أدلى به في كانون الأول 2006 إلى صحيفتي «غلوب آند ميل» الكندية و«لوس أنجلس تايمز» الأميركية (يمكن مراجعة أرشيف الصحيفتين). ونقل الإعلاميان مارك ماكينون وميغان شتاك عن فتفت بعدما التقياه في السرايا الحكومية قوله «إن العمل على تفعيل قوى الأمن الداخلي بدأ بعيد نجاح ثورة الأرز التي انتهت بتأليف حكومة السنيورة». وقال فتفت للصحيفة إن دولة الإمارات «ودولاً عربية أخرى تنظر بقلق إلى زيادة النفوذ الإيراني في المنطقة من بينها السعودية ومصر والكويت، قدّمت إلى قوى الأمن الداخلي مساعدات استخبارية».
ينفي المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي هذا الكلام عبر تشديده في كلّ مرّة تلتقيه فيها «الأخبار» على حيادية قوى الأمن والتزامها القانون والدستور وذلك لجهة عدم التمييز بين المواطنين. كما يؤكّد المدير العام بالوكالة وقائد وحدة الشرطة القضائية العميد أنور يحيى أن قوى الأمن في خدمة المواطنين بعيداً عن السياسة والسياسيين. لكن رغم أن ريفي ويحيى معروفان بصدقيّتهما ومناقبيتهما، يبدو أن المؤسسة تعاني مشاكل عديدة تهدّد تماسكها واستمرارها بالعمل في خدمة جميع اللبنانيين.

الإشارات السلبية

إن استسهال الحديث عن تفكّك مؤسسة ليس أمراً مهنياً وخصوصاً عندما تكون المؤسسة المعنية مكلّفة بحماية الناس وأرزاقهم وتطبيق القانون، لكن خلال السنتين الماضيتين تعدّد ظهور إشارات مقلقة تدلّ على تراجع في تماسك مؤسسة قوى الأمن، وإشارات أخرى تدلّ على تسييس وانحياز في عمل بعض الضباط والعناصر. ولعلّ إحدى أبرز الإشارات ارتفاع أصوات عدد كبير من العمداء والعقداء في مختلف الوحدات في وجه منح ضابط برتبة مقدّم صلاحيات استثنائية من خارج القانون. ولم يحتجّ أي من هؤلاء الضباط على طائفة ذلك الضابط أو مذهبه فأكثرهم من المذهب نفسه، بل رأوا أن خبرة المقدّم ومعرفته العلمية بالشؤون الأمنية ليست كافية لتولّيه مسؤوليات كبيرة والدليل على ذلك، بحسب هؤلاء الضباط، هو الفشل الأمني والمعلوماتي الذريع في وقف عمليات الاغتيال التي طالت نواب ووزراء وإعلاميين وسياسيين ومواطنين آمنين خلال السنتين المنصرمتين. لكن رغم ذلك، حضر المقدّم جلسات مجلس الوزراء برئاسة فؤاد السنيورة بوجود المدير العام للمؤسسة التي يعمل فيها. ما طرح تساؤلات عن مدى معرفة اللواء المدير بكلّ ما بحوزة المقدّم. فإذا كان المدير مطّلعاً على كلّ شيء، فما هي فائدة حضور ضابط برتبة مقدّم مجلس الوزراء؟

التغيّب عن مجلس القيادة

يلتقي مجلس قيادة قوى الأمن الداخلي بشكل دوري ويحضره المدير العام وقائد الدرك وقادة الوحدات ومدير المعهد والمفتّش العام. لكن منذ سبعة أشهر يغيب عن هذه الاجتماعات قائد جهاز أمن السفارات العميد عدنان اللقيس ورئيس الإدارة المركزية العميد محمد قاسم وذلك احتجاجاً على التمييز القسري الذي يعانيه ضباط قوى الأمن وعدم احترام التراتبية العسكرية. كما يستغرب العميدان اللقيس وقاسم التمييز الطائفي في تطويع عناصر جديدة في قوى الأمن. وعلمت «الأخبار» أن قائد الدرك العميد أنطوان شكّور تغيّب عن الاجتماعين الأخيرين لمجلس القيادة مستنكراً إصدار المدير العام قراراً بفصل 37 ضابط في 29-9-2007 (مذكرة خدمة رقم 88644) من دون علمه رغم أن عدداً من هؤلاء الضباط يشغل مراكز تخضع لإمرته. كما يعترض شكّور على التمييز المذهبي داخل المؤسسة وعلى عدم احترام القانون بشكل دقيق. يذكر أن عدد العناصر الذين يخضعون لإمرة شكور واللقيس وقاسم يصل الى نصف عديد قوى الأمن تقريباً.

وزيران يفقدان الصدقية

مرّت أشهر بعد كلام وزير الداخلية بالوكالة أحمد فتفت للصحافة الأجنبية عن تسييس قوى الأمن لمصلحة قوى 14 آذار ولـ«مجابهة محتملة مع قوى المعارضة» وإذا بوزير الداخلية الأصيل حسن السبع يظهر على شاشات التلفزة بعد انعقاد مجلس الوزراء ليعلن أن قوى الأمن الداخلي تمكّنت من كشف جريمة عين علق وذلك قبل صدور القرار الظني القضائي وليتباهى بهذا الإنجاز الكبير. لم يتوقّف السبع عند صلاحياته القانونية والدستورية وحدود مهمّته ومهمّة مؤسسة قوى الأمن بل تخطّاها ليحاكم ويدين بشكل مباشر جهازاً أمنياً تابعاً لدولة عربية مجاورة بارتكاب جريمة عين علق الإرهابية وذلك قبل صدور قرار قضائي بهذا الخصوص. ربما نسي السبع أن لا سلطة لديه ولا لمجلس الوزراء لإدانة أي شخص بل إنّ ذلك من صلاحيات السلطة القضائية المستقلّة. وربما تناسى السبع أن الأنظمة القمعية التي يتّهمها السبع بجريمة عين علق هي التي تتيح للقوى الأمنية الإدانة واستباق قرارات المحكمة عبر التظاهر بكشف الجرائم. لكن لعلّ أسوأ ما أدى إليه كلام السبع هو إضعاف صدقية قوى الأمن وتماسكها. وبدا ذلك جلياً إثر إعلان قيادة الجيش اللبناني ومديرية المخابرات في 4 أيلول 2007 أن لا دليل على علاقة تجمع بين مرتكبي جريمة عين علق وجهاز المخابرات في دولة عربية مجاورة، كما تحدّثت قيادة الجيش التي تحظى بصدقية وشعبية كبيرة عن خطر تنظيم «القاعدة» الإرهابي في لبنان، بينما كان اللواء ريفي قد أعلن سابقاً أن لا وجود لـ«القاعدة» في لبنان بل لـ«قاعدة مزوّرة»، وذلك استناداً الى كلام السبع في 13 آذار 2007.

محطات سوداء

رغم التفاؤل الذي رافق تولّي اللواء أشرف ريفي إدارة قوى الأمن عام 2005 وخصوصاً عبر الخطاب الذي ألقاه والذي وعد فيه باحترام حقوق الناس والتزام القانون وتطوير قدرات قوى الأمن وتحسينها لخدمة جميع المواطنين دون تمييز سياسي أو مذهبي أو مناطقي، تعاني المؤسسة اليوم تراجعاً لافتاً في صدقيتها وخصوصاً في محافظات الجنوب والبقاع وجزء كبير من محافظة جبل لبنان. ويحاول ريفي إبعاد المؤسسة عن التسييس والتمييز عبر انفتاحه على الجميع والتجاوب مع حاجات كل المواطنين لكن يبدو أن هناك ضباطاً داخل المؤسسة مرتبطين بقوى سياسية تسمح لهم بتخطي توجيهات المدير العام. نعرض ثلاث محطات أساسية أثّرت بشكل سلبي في صورة قوى الأمن وفي صدقيتها لا بل في احترام المواطنين لها.

المحطة الأولى مرجعيون

لا شكّ أن الصور التي نقلتها وسائل الإعلام بُعيد العدوان الإسرائيلي على لبنان في تمّوز 2006 لعناصر بلباس قوى الأمن يستقبلون جيش الاحتلال الإسرائيلي في ثكنة مرجعيون ويضيّفونهم القهوة والشاي، أدت الى تدهور صدقية قوى الأمن الداخلي،

المحطة الثانية الرمل العالي

ولا شكّ أن إطلاق عناصر قوى الأمن النار على أطفال في منطقة الرمل العالي في 6 تشرين الأول 2006 أساء الى سمعة وصدقية قوى الأمن. وكان وزير الداخلية بالوكالة أحمد فتفت قد أنكر أن قوى الأمن أطلقت النار على الأطفال بينما ادّعت النيابة العامة العسكرية أخيراً على عناصر من قوى الأمن لإقدامهم على التسبّب بمقتل طفلين وجرح ثالث.

المحطة الثالثة طرابلس

أمّا إطلاق عناصر من قوى الأمن الداخلي النار في 23 أيار 2007 على الشاب بلال المحمود المعروف بـ«أبو جندل»، فكان له أثر سلبي في سمعة قوى الأمن في الشمال. وختم التحقيق في هذه القضية معتبراً أن «أبو جندل» هو الذي بادر بإطلاق النار على دورية قوى الأمن ما دفعهم الى قتله. لكن والد الضحية وأقرباءه وشهوداً عياناً قالوا إن المحمود لم يكن مسلّحاً.

من ينقذ المؤسسة؟

قوى الأمن تتفكّك وعدد كبير من المواطنين يرى أنها منحازة سياسياً الى فريق على حساب آخر وقد يكون السبيل الوحيد لإنقاذها الالتزام بالقانون التزاماً كاملاً واحترام التراتبية العسكرية والابتعاد عن السياسة ومنع الضباط من حضور اجتماعات في قريطم أو الضاحية أو معراب أو الرابية أو في أي مكان آخر.