وفاء عواد
• تصريحات كثيرة والطرفان يعتمدان على مفاجآت اللحظة الأخيرةstrong>«أبغض الحلال»، «الخيار الأخير»، «خيار دستوري»،.. وتكرّ سبحة التعابير لترسو على «حتمية» اللجوء الى نصاب النصف زائداًً واحداً، كخيار لا بديل منه إذا أقفل الأفق على الحلول واستحال موضوع التوافق الى مجرد «طبخة بحص»

فيما الكلّ يتهيّأ لأسوأ السيناريوهات وأخطرها، أعاد نائب رئيس المجلس النيابي فريد مكاري الى الأذهان فكرة كانت قد سحبت من التداول مرات عدّة لمصلحة الحوار والتوافق، ليعلن بالفم الملآن استعداده لترؤّس جلسة انتخاب الرئيس العتيد وفق نصاب النصف زائداً واحداً، قائلاً: «إذا كان ثمة قرار من قبل الأكثرية، سأدعو من دون تردّد».. وإذ أشار الى «تأكيدات دولية» للاعتراف برئيس ينتخب وفق هذا النصاب، غمز مكاري من قناة المعارضة ملمّحاً الى «مفاجأة» ما قد تثير «الاستغراب» حيال إعادة خلط بعض الأوراق لمصلحة توفير هذا النصاب.
وبصرف النظر عن مناخ الجدل الصاخب التصعيدي حول النصاب وسائر مشتقاته في قائمة التهويل والتخويف من الأعظم.. وبصرف النظر عن أحقية قاعدة الثلثين وثباتها دستورياً وقانونياً أو عدم أحقيتها نصاباً ثابتاً وشمولياً لا يتغير.. فإن النصف زائداً واحداً احتمال جدّي، ويحظى بمن يؤيّده داخلياً وخارجياً لـ«تحاشي» الفراغ.. ولكن طرحه يستوجب الإجابة عن سؤالين: هل تستطيع الموالاة توفير نصاب النصف زائداً واحداً، في ظل المواقف المعلنة أو «الضبابية» لعدد من نوّابها والرافضة اعتماد هذا الخيار؟ أم الاتكال سيكون على إحداث «خروقات ما» في صفوف نواب المعارضة، ولا سيما في كتلتي «التغيير والإصلاح» و«الكتلة الشعبية»، كما أُشيع وأُذيع في الآونة الأخيرة؟..
وقبل الخوض في التفاصيل، لا بدّ من التذكير بأن خريطة التوزيع السياسي والحزبي للنواب الـ127 تظهر أن الاصطفاف المبدئي هو بين معسكرين: 68 نائباً للغالبية، و57 نائباً للمعارضة.. فيما يقف كل من الرئيس حسين الحسيني والنائب بيار دكّاش على الحياد عن كل السجال المرتبط بالشأن الرئاسي، مع تمسّكهما والتزامهما بنصاب الثلثين.
وفي هذا الصدد، انتقد الرئيس الحسيني «الجدل العقيم» الدائر حول تفسير المادة 49 من الدستور، موضحاً لـ«الأخبار» أن تمسّكه بنصاب الثلثين عائد الى عام 1976، وهذا النصاب «أمر ثابت، منذ عام 1926، وهو غير قابل للتغيير».
وبعيداً من «التنظير»، ذكّر الحسيني بأن قاعدة الثلثين جرى اعتمادها، قولاً وممارسةً، من قبله والرئيسين كامل الأسعد ونبيه برّي، لافتاً الى أن «المجلس النيابي هو من يفسّر الدستور، وبأكثرية الثلثين أيضاً».
وإذا كانت مصادر الموالاة تبدي اطمئناناً تاماً الى أن نسبة النصف زائداً واحداً (65 نائباً) مضمونة و«ليس هناك أي قلق حيال إمكانية توفيرها»، كما أوضح النائب نقولا فتوش لـ«الأخبار»، فإن عملية حسابية بسيطة تبيّن أن الموالاة لا تستطيع، مبدئياً، أن توفر نصاب النصف زائداً واحداً من صفوفها، وذلك بالاستناد الى مواقف بعض نواب الموالاة الذين اتخذوا هامشاً عن قوة فريقهم.
وفي هذا الشأن، لا بدّ من استعراض بعض المواقف، بناءً على اتصالات أجرتها «الأخبار» بعدد من النواب، وفق ما يلي:
ـــــ موقف «التكتّل الطرابلسي»: إصرار الوزير محمد الصفدي على التزام النصّ الدستوري القاضي بحضور «ثلثي أعضاء مجلس النواب» جلسة انتخاب الرئيس، وإعلانه عدم المشاركة، شخصياً، في أي جلسة لا تكون بدعوة من الرئيس برّي وحضوره، وذلك بعيداً عن مدى استطاعته أن «يمون» على باقي أعضاء التكتّل «المتردّدين» ويقنعهم بأن النصف زائداً واحداً «خيار انتحاري مدمّر للبنان»، استناداً الى مقارنته بين «الحفاظ على لبنان موحّداً، والذهاب به في اتجاه الحرب الأهلية مجدّداً».
وفي مقابل الموقف «الثابت» للصفدي، يفضّل النائب قاسم عبد العزيز عدم الحديث في هذا الموضوع و«اللي عندو كلمة حلوة يقولها.. وبسّ»، موضحاً أن موقفه الأخير رهن باجتماع سيعقده التكتّل خلال الساعات المقبلة.
أما النائب محمد كبّارة فقد لخّص موقفه الشخصي من موضوع النصاب بالقول: «أنا مع التوافق.. ولكن إذا أراد رئيس الجمهورية أن يخالف الدستور بتأليف حكومة ثانية، فلن يكون لدينا خيار إلا النصف زائداً واحداً».
ـــــ موقف المرشح الرئاسي «الوفاقي» النائب روبير غانم «ثابت»، كما نقلت عنه مصادره، وهو الذي كان أكّد مراراً عدم مشاركته في جلسة لا يدعو إليها الرئيس برّي، ولن يكون مرشّحاً أو يصوّت وفقاً لنصاب النصف زائداً واحداً، علماً أن هيئة تحديث القوانين التي يترأسها قد حسمت موضوع نصاب الثلثين.
ـــــ موقف النائب بهيج طبّارة المؤكّد ضرورة توافر نصاب الثلثين في جلسة الانتخاب، شرط أن تكون الدعوة موجّهة من رئيس المجلس نبيه برّي، وإلا «فلن أدلي بصوتي».
ـــــ موقف عضو «كتلة تيار المستقبل» النائب عبد الله حنّا الذي رأى أن «لا مكان للحديث عن موضوع النصف زائداً واحداً»، الى حدّ رفضه مبدأ الافتراض، قائلاً: «بالمطلق، أنا ضد هذا الخيار الذي هو ذرّ للرماد في العيون، وأحبّذ لو لم يكن له وجود.. أما إذا كانت له أسبابه الموجبة، فلكل حادث حديث»، واصفاً الفراغ والنصف زائداً واحداً بـ«الشرّين».
وإضافة الى موقفي النائبين بطرس حرب وغسان التويني اللذين أبلغا الرئيس برّي رفضهما التئام جلسة انتخاب رئيس الجمهورية إلا على أساس نصاب الثلثين، لا بدّ من الإشارة الى موقف الرئيس أمين الجميّل الذي نطق أخيراً، أول من أمس، بنصاب الثلثين مستنداً الى «الأصول الدستورية»، ما يدعو الى التساؤل عما سيكون عليه موقف النائبة صولانج الجميّل من هذا الأمر.
وبانتظار ما ستفصح عنه ساعة الصفر، إن التزاماً بقرار لا عودة عنه وإن تبديلاً تقتضيه أصول اللعبة السياسية، يكون قد قرّر 6 نواب من فريق 14 آذار، من دون احتساب نواب «التكتل الطرابلسي» الثلاثة، عدم المشاركة بجلسة انتخابية على أساس النصف زائداً واحداً.
في المقابل، لا يقلّل نائب معارض من إمكانية توفير الموالاة لنصاب النصف زائداً واحداً، إذ إن «الأمر متعلّق بمن تعهّدوا عدم المشاركة في جلسة لا يتوافر فيها نصاب الثلثين»، وذلك ربطاً بـ«الموقف الأميركي الذي يحبّذ اعتماد هذا الخيار».
وفي إطار الشائعات التي طاولت بعضهم، لافتة الى إمكانية مخالفتهم قرارات كتلهم النيابية ومشاركتهم النواب الموالين جلسة انتخاب الرئيس بمعزل عن ضمان شرط الثلثين مسبقاً، وجّه عضو «تكتل التغيير والإصلاح» النائب فريد الخازن نصيحة الى من يُردّد اسمه في هذا الإطار وتقضي بـ«أن يتسلّى بشيء آخر.. شبعنا طقّ حنك»، مؤكّداً استحالة مشاركته في جلسة هي بمثابة «مشروع مشكلة في البلد».
ورداً على القائلين إن بكركي ستضغط على بعض النواب الموارنة من أجل توفير نصاب النصف زائداً واحداً، نفى عضو «تكتل التغيير والإصلاح» النائب إبراهيم كنعان صحة هذه الفرضية لأن «بكركي لن تضغط لتوفير نصاب هي ضدّه، وتعتبره خياراً انقلابياً سيواجه بانقلاب آخر»، واضعاً ما يشاع في خانة «الهلوسة».
ومعتبراً أن «التفرّد بقرار النصف زائداً واحداً لتعطيل الاستحقاق الرئاسي يوازي التخلّف عن حضور جلسة الانتخاب»، أكّد أن موقف نواب الكتلة الـ22 «محسوم» في رفض «التهويل» بهذا النصاب، و«توقعاتنا تشير الى أن آخرين سينضمّون إلينا».
وإذ طمأن رئيس «الكتلة الشعبية» النائب إيلي سكاف الى أن «شباب التكتل صامدون» في مواجهة «الخيار الانقلابي»، لخّص عضو الكتلة النائب عاصم عراجي، الذي طالته الشائعات، قراره «النهائي» بعبارة «لن أشارك في جلسة النصف زائداً واحداًً»، مرفقة بشرط «إذا بدّلت الكتلة رأيها».
بدوره، رفض نائب بعلبك ــــــ الهرمل نادر سكّر الخوض في تفاصيل موضوع «الانقلاب وليس الانتخاب» هذا، مكتفياً بوصف خيار النصف زائداً واحداً بـ«عملية جنون حقيقية»، وبـ«الوجه الآخر الأسوأ للفراغ».
وبين طروحات الموالين والمعارضين، يصرّ النائب الحيادي بيار دكاش على تسجيل موقفه المعارض للنصف زائداً واحداً باعتباره «سيؤدّي، حتماً، الى صراع داخلي لا تحمد عقباه»، مضيفاً «لن أساهم في تقسيم لبنان». واستناداً الى قراءته للمجريات الحاصلة والى سنوات خبرته في العمل السياسي التي تجاوزت 35 عاماً، يجزم دكاش بأنه «لم يعد بالإمكان توفير النصف زائداً واحداً»، خاتماً بالقول «لن أشارك في جلسة لا يتوافر فيها نصاب الثلثين».
إذاً ستمضي ستة أيام حتى موعد الاستحقاق الرئاسي في لبنان.. فهل يطوي توافق «سحري» ما معضلة النصاب والسجال «العقيم» بشأنه؟ أم يُفاجأ الموالون والمعارضون بـ«قطب مخفيّة» تؤدّي الى الطلاق «أبغض الحلال» أو تلغيه؟.