ثائر غندور
يكرّر نائب بعبدا ـ عاليه الدكتور بيار دكّاش مقولة البروسي مترنيخ عن لبنان في أواخر أيام السلطنة العثمانية، أي قبل الحرب العالميّة الأولى: إن الأمن والاستقرار في هذه الولاية الصغيرة (لبنان) لا يؤمّنان الأمن والاستقرار فيها وحدها بل حتماً فيها وفي الجوار والشرق الأوسط وربما العالم؛ والعكس صحيح.
يرى دكّاش أن لبنان كان منذ أوائل السبعينيات عرضة للتجاذبات السياسيّة والاضطرابات العسكرية في المنطقة. أمّا اليوم، فإن وضع لبنان ينعكس على أمن الشرق الأوسط واستقراره. يسأل دكّاش: هل يظن أحد أنه في حال حصول صراع سنّي ـــــ شيعي في لبنان ستبقى السعوديّة أو غيرها من الدول في منأى عنه؟ في رأيه أن المشكلة الحاليّة تهدّد الكيان اللبناني، كما أن كلّ فريق أصبح مضطراًً لمجاراة جمهوره بعدما ألهب جمهوره بالمواقف التصعيديّة. من هنا هو يدعوهما إلى التنازل حتى لا يُصبح لبنان «حقل تجارب للشرق الأوسط الجديد».
رغم المواقف المتشنّجة والصعاب التي تواجه انتخاب رئيس الجمهورية، وإمكان وصول لبنان إلى الفراغ أو الفوضى، يعطي دكّاش انطباعاً تفاؤلياً إذ يقول: «عندما يصل اللبنانيون إلى الخط الأحمر ويدركون أنهم أمام خطر يهدّد وطنهم في نظامه وكيانه ووجوده، تعود القوى السياسيّة، وإلى أي فريق انتمت، إلى قيمها وتراثها وتقاليدها فتجتمع في محاولة لإنقاذ هذا الوطن المعذب والمعذِّب». لا يحبّذ استخدام كلمة توافق، لأنّها «تعني حلاً سطحياً بينما المطلوب حلّ لجوهر الأزمة، أي وفاق». يشبّه الواقع اللبناني بـ«السيبة» التي فقد رأسها (رئيس الجمهورية) فأخذ كل فريق سلّماً واستخدمه للوصول إلى محور أجنبي. لا يضع نفسه ولا في واحد من هذين المحورين، «ليس تنصلاً من الجواب، بل لإيماني بأن لبنان هو مهد الحضارات ومركز التلاقي والحوار الناجح الإسلامي ـــــ المسيحي».
يجول بيار دكّاش على «الزعيمين الأساسيّين» في الأزمة: النائبين سعد الحريري وميشال عون. يلتقي أيضاً حلفاءهما. لا يُحبّذ الدخول في تفاصيل هذه الاجتماعات، للحفاظ على التواصل مع الجميع، وهو الذي وصل إلى الندوة البرلمانيّة بالتزكية في عزّ الصراع. ويلفت إلى إمكان حصول خرق إيجابي جدي، وخصوصاً أنه وجد النائب الحريري متجاوباً، ويعتقد دكّاش أن عقدة الموالاة في مكان آخر.
لكن دكّاش يلفت إلى استمراره في تقديم مبادرته القائمة على انتخاب رئيس توافقي لا يتمسّك بالكرسي، يؤلف حكومة تجمع مختلف الأطراف وتضع أمامها الأولويات الآتية: إعادة إمرار قرار إنشاء المحكمة الدوليّة عبر الآليّات الدستوريّة اللبنانية وإخضاعه للتعديلات التي تضمن سيادة الدولة اللبنانيّة؛ إعادة تفعيل المجلس الدستوري؛ إقرار قانون انتخابات حديث يضمن تمثيل جميع الأطراف ويُضعف دور المال السياسي في العمليّة الانتخابيّة. وبعد إجراء الانتخابات النيابيّة يستقيل رئيس الجمهوريّة لأنه انتخب من «مجلس قانوني، ولكن غير شرعي باعتبار أن ثمة أحد عشر نائباً مطعوناً في نيابتهم».
يرفض دكّاش القول إن باب الوفاق مُقفل. لكنّه لا يطرح نفسه مرشحاً، "خصوصاً أن سيدنا البطرك لم يضم «اسمي إلى اللائحة». لكن بعض الأوساط يشير إلى استمرار طرح اسمه مرشّحاً توافقياً» وبقوة في هذه الفترة». لا يريد دكّاش التعليق على هذا الكلام. يقول إن الفئات السياسيّة اللبنانيّة والدوليّة حمّلت البطريرك الماروني مسؤولية ما يُمكن أن يحصل في حال عدم انتخاب رئيس جمهوريّة و«لذلك اضطر إلى أن يسمي»، ما يدفعه إلى التساؤل عمّا بقي من النظام الديموقراطي البرلماني الوفاقي في لبنان.
يقول دكّاش إن الحديث عن مفاجآت نيابيّة مرتبطة بانتقال بعض النوّاب من المعارضة إلى الأكثريّة ليس هو ما يؤمّن نصاب الثلين للفريق الحاكم، ويؤكّد أنه لن ينتخب إلّا إذا تحقّق نصاب الثلثين، ويجري حساباته الخاصّة التي تؤكّد فرضيته.
يؤكّد بعض الأوساط السياسيّة طرح اسم دكّاش مرشحاً توافقياً، فهل يكون هذا الطبيب الهادئ والمتزن والمتمسّك بالتفاؤل رئيس لبنان الجديد؟