strong>فدإ عيتاني
•سَوق حزب الله إلى الفتنة المذهبيّة كحلّ أخير

لا أحد يرغب في مواجهة ما يحصل في مخيم برج البراجنة، أو في ترك الأمور تتجه نحو الأسوأ، لا حركة «أمل» التي عانت طويلاً من تأثيرات حرب المخيمات الشهيرة (الأعوام 1985ــ 1988) ولا حزب الله الذي يجمعه بالأطراف الفلسطينية أكثر من الشعارات والتبني المتبادل لقضايا المقاومة

ما من قوة فلسطينية ترغب في اضطرابات. حركة «فتح» التي تحاول، بحسب قيادتها الجديدة، تأسيس تجربة مختلفة في لبنان أكثر انفتاحاً تتجنب أي احتكاك، والممثلية الفلسطينية تؤكد أنها لا تسعى إلى أكثر من إيجاد المخارج لأزمات الرعايا الفلسطينيين المزمنة في لبنان، أو اللاجئين، كما تصفهم بطاقاتهم الشخصية اليوم. و«حماس» التي تصر وتكرر في كل لحظة في أكثر اللقاءات خصوصية أنها لا تملك حتى بنية ميليشيا في مخيمات لبنان.
إلا أن ما حصل في برج البراجنة منذ منتصف رمضان، وبشكل متكرر ومتواتر، لم يخرج إلى العلن إلا عبر وسائل إعلام الموالاة، وفي تصريحات النائب وليد جنبلاط. «منذ بدايات شهر رمضان والمنطقة المحيطة بمخيم برج البراجنة تشهد خلافات فردية، وصولاً إلى أيام قبل عيد الفطر حين نشب خلاف كبير شهد تحطيماً لواجهات محالّ تجارية من شبان فلسطينيين في مناطق متفرقة محيطة بالمخيم» كما يقول مصدر علمائي. إلا أن كل الأطراف المعنية بالمنطقة اتفقت ضمناً على عدم إعلان ما حصل.
يجول محقق «الأخبار» غسان سعود في مخيم برج البراجنة، ليكتشف أنه لا جهة، لا يميناً ولا يساراً ولا إسلامياً أو علمانياً، تعيش استنفاراً في المخيم (راجع «الأخبار» عدد الأربعاء في 7 تشرين الثاني الجاري) بعد تصريحات لجنبلاط عممت شائعات لا تنتهي، وقبل خلاف (في 16 تشرين الحالي) أعطاه الإعلام أكثر من حجمه وكأنه كان يتوقع أن تتحقق تنبؤات جنبلاط. وأثارت الحوادث التي حصلت موجة اتصالات بين الأطراف في المنطقة لمّا تنقطع إلى اليوم.
الممثلية الفلسطينية في لبنان أفادت مَن راجعها بأنها ممثلية رسمية، وأن ما يحصل من مشكلات هو خارج إطار صلاحياتها مع تأكيدها على موقفها الإيجابي من العلاقات اللبنانية الفلسطينية، وضرورة تجنب المشكلات. حركة «فتح» أفادت بأن عناصرها لم يشاركوا أو يسهموا في أي تحرك، واتهمت جهات فردية فيها بالعبث بالأمن. الجهات المتهمة هذه أكدت أن ما حصل تم بأمر من أحد قادة «فتح» الحاليين المعروفين، وحركة «حماس» لم تتدخل من ناحيتها ولا بشكل، رغم اتهام جنبلاط لها بأنها تسعى إلى تكرار سيناريو غزة. بينما العديد من القوى الفلسطينية كانت تحاول ضبط الفوضى أطلق خلالها أحد المواطنين النار من سلاح مرخص لحماية نفسه بعد تعرضه للشتائم والضرب.
انتهى الخلاف على خير. وحده النائب جنبلاط بشّر اللبنانيين بالأسوأ على شكل تساؤل: «هل نحن على مشارف تكرار تجربة نهر البارد في مخيم برج البراجنة، ما سيضع الجيش مرة جديدة أمام تجربة صعبة تلحق به خسائر كبيرة من الممكن تفاديها؟ وما صحة المعلومات عن محاولات حثيثة تجري لإشعال مخيم برج البراجنة وتصفية الوجود الفتحاوي والقرار الفلسطيني المستقل؟» كما يقول جنبلاط في مقابلته مع جريدة «الأنباء» في السادس من تشرين الثاني الجاريما حصل دفع بعلماء دين على صلة يومية بالحياة السياسية في المناطق المعنية، للبدء بالقول إن مخيم البرج هو التالي على خريطة من يريد تدمير مخيمات لبنان وتصفية الوجود الفلسطيني الضاغط على الولايات المتحدة وإسرائيل، «تمهيداً للقاء أنابوليس للسلام في الشرق الأوسط»، وإن ضرب أحد أكبر مخيمات لبنان عبر عملية نهر البارد سيتواصل كما يبدو ليطال مخيم برج البراجنة، وبعده مخيم عين الحلوة.
ويضيف العلماء، الذين اختصوا بالعلاقات بين السنة والشيعة وخاصة في الأعوام الثلاثة الأخيرة التي ارتفعت فيها نسبة التوتر المذهبي، قائلين: «لعين الحلوة خصوصية تمنع ضربه اليوم، أما برج البراجنة فلضربه أكثر من فائدة إذا تم توريطه في نزاع شبيه بما حصل في نهر البارد، فأولاً ضرب مخيم كبير في حجم البرج يعني نهاية القرار 194 المتعلق بعودة اللاجئين الفلسطينيين، وعندها سيترك أهالي البرج كما ترك أهالي البارد ليتدبروا أمورهم بأسهل السبل، والرحيل عن لبنان لمن استطاع، وثانياً سيشكل إدخال الشيعة في مواجهة مع الفلسطينيين إثارة إضافية للنعرات المذهبية التي لم تخمد أصلاً، كما سيعطي شرعية إضافية لما جرى في مخيم البارد، فها هم الشيعة (بعد السنة) يقاتلون الفلسطينيين».
ويستطرد العلماء: «ثالثاً إن أي تورط للشيعة في نزاع مسلح أو شبه عسكري سيعيد طرح النقاش حول سلاح المقاومة، والأهم هي النقطة الرابعة التي ستجبر حزب الله إذا اندلع النزاع في البرج، على تقديم تنازلات سياسية وخاصة في ملف الرئاسة، حيث يرى الفريق الأكثري أن الخاصرة الرخوة لحزب الله هي الفتنة المذهبية، وبالتالي لا بد من ضربه على هذه الخاصرة لانتزاع تنازلات منه».
وما لا يقوله العلماء يهمس به مطلعون على مسار الأمور، الذين يقولون إن الخيارات ما زالت متاحة أمام حزب الله للتخلص من شبح أي مواجهة مذهبية، ورغم أن المسؤولين الرسميين في حزب الله ينكرون بشدة أية نيات مشابهة لما سيرد، إلا أن المطلعين يقولون إن «من يعتقد أن قوات الطوارئ الدولية ستدعمه محلياً عليه أن يراقب ما كان من أمر هذه القوات خلال المناورات التي قام بها حزب الله، ومن لا يعلم فليعرف أن المشاركين في المناورات من القوات الخاصة كانوا يعتقدون إلى اللحظة الأخيرة أن ما يدور هو مواجهة فعلية، وأن لحظات قليلة ستمر قبل أن تطلب منهم قيادتهم فتح النار فعلياً، وأظهرت المناورات جهوزيتهم الكاملة». كما أن من يعرض بيروت للنزاعات المذهبية عليه أن يجيب الطبقات الوسطى من تجار وسواهم بما سيحققه في نزاعات كهذه تمثيلاً لمصالحهم الفعلية في العمل والإنتاج، وعليه أن يفكر ملياً قبل دفع حزب الله إلى الهرب من نزاع طائفي نحو نزاع أكثر أهمية ومبدئية في نظر الحزب».

أرقام
وتواريخ

■ شهد مخيم برج البراجنة معارك طاحنة ضد حركة «أمل» في أعوام حرب المخيمات، وحوصر خلال تلك الأعوام.
■ يضم المخيم العديد من القوى الفلسطينية، ويعد أكبر مخيم في بيروت، وثاني مخيم عددياً بعد عين الحلوة.
■ بدأت المجموعات الإسلامية بالانتشار في برج البراجنة، ولجأت مجموعات من «فتح الإسلام» إليه قبل انتقالها إلى مخيم نهر البارد في نهاية عام 2006.
■ إجمالي اللاجئين المسجلين بحسب أرقام وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا» لعام 2005: 404170
■ اللاجئون المسجلون في المخيمات : 213349.
■ عدد المخيمات: 12.
■ المدارس الابتدائية والإعدادية: 87.
■ المدارس الثانوية: 5.
■ عدد التلامذة المنتظمين (2006/2005): 39290.
■ اللاجئون المسجلون كحالات عسر شديدة: 45965.
■ عدد موظفي الأونروا المحليين: 3110