149;ساركوزي يتّصل بالأسد وغيان يحمل إليه سلّة ضمانات
تكثّفت أمس المساعي الداخليّة والخارجيّة المدعومة عربياً ودولياً لحلّ أزمة الاستحقاق الرئاسي، ولم يفقد الوسطاء الأمل بالوصول إلى توافق خلال الفسحة الزمنية القصيرة الباقية من عمر ولاية رئيس الجمهورية إميل لحود

اصطدمت الجهود العربية والدولية بعقبات حالت دون التوافق على مرشّح للرئاسة، ما استدعى تأجيل جلسة الانتخاب التي كانت مقرّرة اليوم إلى بعد غد الجمعة. وبرز تطوّر لافت على خط الأزمة تمثّل في اتّصال هاتفي أجراه مساء أمس الرئيس نيكولا ساركوزي بالرئيس السوري بشّار الأسد، بحثا خلاله مستجدات الوضع في لبنان.
ونقل مراسل «الأخبار» في باريس بسام طيارة عن مصادر فرنسية ربطها بين هذه البادرة التي تعتبرها «تطوراً دبلوماسياً لافتاً وبين تأزّم الوضع في لبنان وبروز عقبات كبيرة في وجه وزير خارجية فرنسا برنار كوشنير الموجود في بيروت للمساعدة في إيجاد حل توافقي لانتخاب رئيس جديد للجمهورية».
وأعقب هذا الاتصـــــال سفر الأمين العام لقصر الإليزيه كلود غيان إلى دمشق.
وأوضحت المصادر أن زيارة غيان جاءت عقب تصريحات إيجابية صدرت عن وزير الخارجية السوري وليد المعلم في طهران، وذكر فيها «أن سوريا وفرنسا تسعيان لحل مشترك في لبنان، وأن ساركوزي الذي يرغب فعلياً بتجنيب لبنان الخراب، يريد تذليل كل العقبات التي يمكن أن تقف في وجه إحلال الوفاق توصلاً لانتخاب رئيس يحظى بأكبر قدر من الدعم والتأييد».
وأشارت المصادر إلى أن العقبة ليست كما بدا للفرنسيين متوقفة عند لائحة بثلاثة أسماء لا رابع فيها»، وإنما تقف أمام آلية الاختيار بين هذه الأسماء الثلاثة التي تحظى حسب باريس بموافقة كلا الفريقين اللبنانيين. فالتوافق على أسماء ثلاثة لا يعني توافقاً، ذلك أنّ فريق الأكثرية يطالب بأن يتم التصويت في مجلس النواب على الأسماء الثلاثة التي تضمها اللائحة، وهي: ميشال إده، روبير غانم وميشال الخوري.
وفي حين ترى هذه المصادر أن إدّه لا يواجه أي اعتراض من قبل المعارضة، اعتبرت أن الموافقة على المرشحين الآخرين تتطلب ضمانات كثيرة ستبرز غداة الانتخاب مباشرة، وفي مقدمها الحكومة الجديدة وتعيينات القيادات الأمنية.
وأضافت المصادر أن مكالمة ساركوزي هدفت إلى إيصال رسالة عبر دمشق لحلفائها تعطي «ضمانات فرنسية في هذه الملفات، وأن إرسال موفد رفيع بمستوى غيان إلى دمشق هو أفضل تأكيد على نيّة فرنسا تنفيذ الضمانات».
إلا أن مصادر دبلوماسية عربية في باريس تقول إن زيارة غيان التي عُززت باتصال ساركوزي هي تكملة للزيارة الأولى التي تناولت إلى جانب خريطة طريق للخروج بحل لملف انتخاب رئيس لبناني، «سلّة ملفّات تتعلق بسوريا بشكل خاص وتنفيذ الوعود المعطاة سابقاً، وسلة من الضمانات في ما يتعلق بجملة من الملفات الإقليمية».
وكان الوزير المعلّم قد أعلن عقب محادثات مع نظيره الإيراني منوشهر متكي في طهران أمس عن تعاون بين سوريا وفرنسا من أجل مساعدة الشعب اللبناني للتوصل إلى اتفاق لانتخاب رئيس للجمهورية وفقاً للدستور.
وأشار إلى أن الانتخابات في لبنان «شأن داخلي، وسوريا لن تتدخل في هذا الأمر. وعلى جميع الأطياف اللبنانية أن تتفق على انتخاب المرشح الذي يخدم مصلحة لبنان»، مؤكداً أن سوريا «لا تريد الدخول في لعبة الأسماء».
من جهته، حذّر متكي من أن لبنان يمر بمرحلة «دقيقة وحساسة»، مشيراً إلى أن سوريا وإيران تشددان على ضرورة إيجاد مخرج للأزمة.

الحريري يطلب مساعدة موسكووكان الحريري قد التقى في مقر الخارجية الروسية لافروف الذي أمل معالجة الأوضاع في لبنان قبل حلول عيد الاستقلال. وأوضح أن الهدف الرئيسي من زيارة نائبه ألكسندر سلطانوف إلى سوريا هو نفسه هدف المحادثات مع النائب الحريري.
وبعد انتهاء زيارته لموسكو، غادر الحريري روسيا متوجهاً إلى الرياض في زيارة خاصة قبل أن يعود إلى بيروت مساء.

العُقد في كلّ مكان

ووسط هذه الأجواء، أعلن رئيس المجلس النيابي نبيه بري للمرة الثالثة تأجيل جلسة انتخاب رئيس الجمهورية التي كانت مقررة اليوم الأربعاء إلى الساعة الواحدة من بعد ظهر بعد غد الجمعة.
وهنّأ بري في بيان صدر عن مكتبه مساء أمس، اللبنانيين «لمناسبة عيد الاستقلال. هذا الاستقلال الواجب التأكيد يوم الجمعة المقبل بإجراء الانتخابات الرئاسية، وبالتالي لا ضرورة للتوقف عند كل ما يشاع ويذاع من تشاؤم وسيناريوهات».
وكان بري قد تلقى اتصالاً هاتفياً من الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون تناول التطورات الراهنة في لبنان وموضوع الاستحقاق الرئاسي.
واللافت أن الوزير كوشنير أعلن تأجيل الجلسة من بكركي قبل صدور البيان الرسمي، وذلك «لكي يقوم المسؤولون في لبنان بتحديد مصير بلدهم الذي نأمل أن يكون سيداً وديموقراطياً وآمناً»، آملاً أن يتم اختيار أحد المرشحين من لائحة البطريرك نصر الله صفير.
وكان كوشنير قد التقى رئيس الحكومة فؤاد السنيورة في حضور السفير جان كلود كوسران والقائم بالأعمال الفرنسي أندريه باران. وانضم إلى اللقاء الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى الذي زار أيضاً رئيس الجمهورية إميل لحود، الرئيس بري، البطريرك صفير، رئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون، ورئيس الهيئة التنفيذية في «القوات اللبنانية» سمير جعجع، وهو كان قد التقى أول من أمس النائب ميشال المر في مقر إقامته في فندق فينيسيا.
وأكد لحود خلال استقباله موسى «أن لا بديل من الاتفاق بين القيادات اللبنانية على انتخاب رئيس وفاقي يسلمه الأمانة في 24 تشرين الثاني الجاري»، معتبراً أن «أي خطوة غير وفاقية يخشى أن تؤثر سلباً على وحدة لبنان أرضاً وشعباً ومؤسسات».
من جهته، أوضح موسى أنه جاء ليودع الرئيس لحود لمناسبة انتهاء فترة رئاسته، ناقلاً عنه أنه لن يقسم البلد ولن يتخذ أي قرار من شأنه أن يقسمه. وأعرب عن اعتقاده بأن الفرص لا تزال قائمة لحل الأزمة، مشيراً إلى أن العقدة في كل مكان، ونحاول المساعدة في حلها وعلى الجميع حلها».
وأكد موسى بعد لقائه عون، بحضور رئيس «الكتلة الشعبية» النائب الياس سكاف، «أن الأمل في انتخاب رئيس للجمهورية يزداد»، مشيراً إلى «أن اللقاء مع العماد عون أضاف إلى احتمالات الأمل عناصر جديدة».
وعن إمكان سحب عون ترشيحه بسبب ضغوط أوروبية أو فرنسية، أكد موسى «أن العماد عون لا يخضع لأي ضغط».
وكانت الرابية قد شهدت أمس حركة سفراء، فزارها سفير إسبانيا ميغيل بنزو بيريا، السفير الأميركي جيفري فيلتمان، الممثل الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة في لبنان غير بيدرسن الذي وصف لقاءه بالعماد عون بـ«الجيد». كما زار فيلتمان وبيدرسن وزير الدفاع الياس المر.

السنيورة يحتفل وسليمان يحذّر

في غضون ذلك، أعلن الرئيس السنيورة خلال احتفال في السرايا الكبيرة بإطلاق تقرير السنة الثانية حول ما أنجزته حكومته، أن الأخيرة عازمة على تسليم الأمانة إلى الرئيس الجديد المنتخب ونواب الأمة، لا الاستمرار ولا البقاء، وذكر بأن الحكومة عملت وتعمل وفق الأسس الدستورية وهي ستنهي مهمتها وفق هذه الأسس، «وهي ستعتبر حكماً مستقيلة فور بدء الولاية الدستورية للرئيس الجديد المنتخب».
وفي غمرة التعقيدات السياسية، بقي الهم الأمني ضاغطاً على البلاد، ما استدعى الجيش إلى اتخاذ إجراءات مشددة تحسباً لأي طارئ، فيما نبّه قائد الجيش العماد ميشال سليمان من أن الوطن على المحكّ، مخاطباً العسكريين بالقول «أنتم حماته، فلا تتهاونوا ولا تستكينوا». وشدد في أمر اليوم لمناسبة الذكرى 64 لعيد الاستقلال «على أن أي اعتداء على الأمن هو خيانة وطنية، وكل سلاح يوجّه إلى الداخل هو سلاح خائن».
(الأخبار، وطنية)