strong>ترتفع وتيرة المخاوف من توتر في الوضع الأمني وتتزايد الشكوك في حيادية قوى الأمن، ولا تحدد القوانين اللبنانية بشكل واضح الجهاز الرئيسي المسؤول عن حفظ الأمن، بل يبدو أن النظام اللبناني يترك هذه المسألة الحساسة والدقيقة رهناً بالتوافقيُكلّف الجيش مسؤولية حفظ الأمن في البلاد بناءً على مرسوم يصدر عن مجلس الوزراء لتصبح كل القوى الأمنية الرسمية خاضعة لإمرة قائد الجيش. وينصّ القانون على أن تكليف الجيش ينبغي أن يكون محدّداً زمنياً ومناطقياً.
ورغم أن الدستور اللبناني ينصّ على أن إعلان حالة الطوارئ بحاجة إلى قرار عن مجلس الوزراء يؤخذ بأكثرية الثلثين، يبقى وضع كل القوى المسلحة بإمرة قائد الجيش لا تحتاج لإعلان حالة الطوارئ. فبعد انتهاء الأعمال المسلحة في الحرب الأهلية، استعمل مجلس الوزراء حق تكليف الجيش بحفظ الأمن والنظام مرة واحدة فقط، وذلك بإعلان البقاع منطقة عسكرية إثر الأحداث التي جرت بين الجيش ومناصري الشيخ صبحي الطفيلي في منطقة عين بورضاي في مدينة بعلبك عام 1997، ويجري تمديد العمل بهذا المرسوم بشكل دوري. ولم يصدر عن مجلس الوزراء أي مرسوم يكلّف الجيش حفظ الأمن والنظام على كل الأراضي اللبنانية. فتكليف الجيش بحفظ الأمن والنظام يحصل إذا تعرضت الدولة في منطقة أو عدة مناطق لأعمال ضارة بسلامتها أو مصالحها.

صلاحيات الجيش

منذ بداية الأسبوع انتشرت ألوية وأفواج الجيش في كل المناطق اللبنانية بشكل واسع، مع تعزيز للانتشار في منطقتي جبل لبنان وبيروت. ومع هذا الانتشار الذي واكبته قوى الأمن الداخلي برفع للجهوزية وتشكيل فصائل للتدخل لمنع أي إخلال بالنظام العام. ومع هذا الانتشار يطرح السؤال بين المواطنين: لمن المسؤولية الأولى في حفظ الأمن؟
مصدر مسؤول في قيادة الجيش أكّد لـ«الأخبار» أن الجيش مكلف بحفظ الأمن من قبل مجلس الوزراء منذ التسعينات، وهو انتشر في البقاع والجنوب خلال السنين الفائتة بموجب مراسيم صادرة عن مجلس الوزراء. ومسؤولية الجيش الأساسية هي حماية الوطن، وهو يستمر بدوره الأمني وذلك عبر أخذ إجراءات لحماية مؤسسات الدولة ومنع التعدي على الممتلكات الخاصة والعامة. أما بما يخص قوى الأمن فقد أكّدت مديرية التوجيه أن هناك مسؤولية «تنسيقية وتكاملية». وقال المرجع المسؤول «نحن ندعم قوى الأمن في مهماتها القانونية». وأضاف أن لدى الجيش غرف عمليات، وفي كل غرفة عمليات ضابطاً من كل جهاز أمني. وأشار المصدر إلى أن الجيش جمع معلومات أمنية مفصلة وموثقة بدقة عن كل المناطق والمجموعات. كما أكّد أن الجيش سيتدخّل في أي إشكال أمني يخرج عن سيطرة قوى الأمن. لكن المصدر لم يشأ الإجابة عن سؤال: من المسؤول الأساسي عن حماية أمن المواطنين، الجيش أم قوى الأمن؟ إذ اعتبر المرجع أن هذا السؤال سياسي، وهو لا يريد أن يدخل الجيش في نقاشات وسجالات سياسية.
أما قانونياً، فيبدو أن هناك رأيين: الأول يعتبر أن الجيش يؤازر قوى الأمن في تطبيق مهماتها ولا يتدخّل في الشؤون الأمنية العادية. أما الرأي الثاني فيعتبر أن مجلس الوزراء كان قد أصدر مراسيم في التسعينيات تكلّف الجيش بحفظ الأمن، وبالتالي ينبغي أن تخضع القوى المسلّحة، بما فيها قوى الأمن الداخلي، لسلطة قائد الجيش.

القانون 17

من جهة أخرى، ينص قانون تنظيم قوى الأمن الداخلي، (القانون رقم 17 صادر في 6/9/1990) على أن قوى الأمن الداخلي هي «قوى عامة مسلحة تشمل صلاحياتها جميع الأراضي اللبنانية والمياه والأجواء الإقليمية التابعة لها». أما مهماتها، فيحددها القانون بـ«حفظ النظام وتوطيد الأمن، وتأمين الراحة العامة، وحماية الأشخاص والممتلكات، وحماية الحريات في إطار القانون، والسهر على تطبيق القوانين والأنظمة المنوطة بها». أما في مجال الضابطة العدلية فتحدّد مهمات قوى الأمن بالقيام بـ«تنفيذ التكاليف والإنابات القضائية وتنفيذ الأحكام والمذكرات العدلية». لكن المادة الثانية من القانون نفسه تنصّ على أن قوى الأمن تخضع لسلطة وزير الداخلية وتطبق في شأنها أحكام القوانين والأنظمة العسكرية «ما عدا الاستثناءات المحددة بموجب قوانين وأنظمة أخرى». والمقصود هنا هو أن قوى الأمن قد تخضع لإمرة قائد الجيش بمعاونة المجلس العسكري وبإشراف المجلس الأعلى للدفاع في حال تكليفه المحافظة على الأمن بموجب مرسوم يصدر عن مجلس الوزراء وذلك بحسب قانون الدفاع الوطني.

قانون الدفاع الوطني

صدر المرسوم الاشتراعي رقم 102 في 16/9/1983 وتنص المادة 2 منه: «إذا تعرض الوطن أو جزء من أراضيه أو قطاع من قطاعاته العامة أو مجموعة من السكان للخطر يمكن إعلان حالة التأهب الكلي أو الجزئي للحد من تعرض السكان والمنشآت الحيوية للخطر، ولتأمين عمليات التعبئة واستخدام القوى المسلحة، أو حالة التعبئة العامة أو الجزئية لتنفيذ جميع أو بعض الخطط المقررة». ويمنح القانون صلاحيات استثنائية واسعة للجيش. إذ يمكن أن تتضمن المراسيم أحكاماً خاصة تهدف إلى فرض الرقابة على مصادر الطاقة وتنظيم توزيعها، أو فرض الرقابة على المواد الأولية والإنتاج الصناعي والمواد التموينية وتنظيم استيرادها وخزنها وتصديرها وتوزيعها، أو تنظيم ومراقبة النقل والانتقال والمواصلات والاتصالات، أو حتى مصادرة الأشخاص والأموال وفرض الخدمات.
ولا تشترط المادة الرابعة من قانون الدفاع الوطني فرض حالة الطوارئ لمنح الجيش صلاحيات استثنائية بل تنصّ حرفياً: «اذا تعرضت الدولة في منطقة أو عدة مناطق لأعمال ضارة بسلامتها أو مصالحها يكلف الجيش بالمحافظة على الأمن في هذه المنطقة أو المناطق». لكن القانون يقتضي تكليف الجيش بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء بناءً على اقتراح وزير الداخلية ووزير الدفاع الوطني، «ويكون لمدة محددة تمدد عند الاقتضاء بالطريقة ذاتها». وفور صدور المرسوم توضع جميع القوى المسلحة تحت امرة قائد الجيش بمعاونة المجلس العسكري وبإشراف المجلس الأعلى للدفاع. ويحدّد القانون أن المقصود بالقوى المسلحة هم «الجيش وقوى الأمن الداخلي والأمن العام، وسائر العاملين في القطاع العام الذين يحملون السلاح بحكم وظيفتهم». ولقائد الجيش بحسب القانون صلاحية مراقبة دخول الأجانب الى لبنان والخروج منه ومنع الاجتماعات العامة غير المرخص بها أو ذات طابع عسكري ومراقبة الموانئ والسفن في المياه الإقليمية وتفتيش الأبنية وسائر الأمكنة في أي وقت كان بعد موافقة النيابة العامة المختصة. إضافة إلى ملاحقة المخلين بالأمن وإحالتهم على القضاء خلال خمسة أيام من تاريخ توقيفهم.
(الأخبار)