strong>سحر البشير
بات البحث عن شقة أو غرفة للإيجار في الطريق الجديدة أشبه بالبحث عن إبرة في كومة قش. فمحجة الطلاب من الجنوب والبقاع وطرابلس تغص بالنازحين مع بداية العام الدراسي. وفيما يبدو أن المالكين يميلون إلى تأجير الشقق للبنات، فالأخيرات لسن أقل معاناة لأنّهن يبحثن عمن يُشبههن

تستقطب الجامعة العربية قسماً لا يستهان به من طلاب المناطق، يحاولون عبثاً البحث عن سرير يوفر عليهم عناء الانتقال إلى قراهم، خصوصاً أن أزمة السكن في المنطقة باتت أكثر تعقيداً في السنتين الأخيرتين مع ارتفاع عدد الطلاب وتوتر الأوضاع السياسية.
علي، الطالب في جامعة بيروت العربية، يسكن في النبطية. أخفق بعد سعي حثيث في العثور على شقة أو غرفة تؤويه، لذا يضطر الى مغادرة منزله في الخامسة والنصف صباحاً ليلتحق بمحاضراته التي يستمر بعضها الى ما بعد الثامنة مساءً، وعندها يكون العثور على وسيلة تقلّه الى النبطية ضرباً من المستحيل، وهو يؤكد ان ما ينفقه على المواصلات شهرياً يفوق كلفة استئجار غرفة.
سعيد ومحمد، وهما طالبان في الجامعة نفسها، وصلا إلى حافة اليأس من إمكان العثور على غرفة للسكن، قبل أن يأتي الفرج بعد بدء العام الدراسي. يرى سعيد أنّ من يجد غرفة أو سريراً «إمّو داعيتلو»، وعليه أن يتشبث به بيديه وأسنانه، ولذلك يفكر بدفع إيجار شهر أو شهرين مقدماً لحجز الغرفة ـــــ «النعمة» في السنة الدراسية المقبلة. من جهته، يشير محمد، رفيق سعيد في السكن، إلى أنّ التنقل اليومي بين بيروت وطرابلس أكثر سهولة من البحث عن منزل، مشيراً إلى أنّ معظم الملّاك رفضوا تأجيرهم لأنهم ذكور ويفضلون تأجير الشقق للبنات.
لكن زنوبيا، الطالبة في الجامعة نفسها، تؤكد أنّ الشبان ليسوا وحدهم من يعاني صعوبة إيجاد سكن. إذ إنها، وصديقتها ميرا الطالبة في الجامعة اللبنانية، لا تزالان تبحثان عن غرفة مشتركة للسكن معاً. تسكن زنوبيا في الطريق الجديدة مع سيدة عجوز، بينما تقيم ميرا في الأشرفية مع خمس بنات، وتقول إنها تجد صعوبة في التأقلم مع أشخاص من غير طائفتها. وتسأل ميرا وزنوبيا لماذا لا تتيح الجامعات سكناً للطلاب بأسعار معقولة حتى لا يواجهوا هذه المشكلة كل عام.
لم يحالف الحظ أدهم وشقيقه في إيجاد غرفة بسرير واحد حتى، في الطريق الجديدة، فاضطرا إلى استئجار «ستديو» في الحمرا. إذ لما كان من الصعب عليهما، بل من المستحيل، التنقل بين شبعا وبيروت للوصول إلى الجامعة العربية، كان الحل الوحيد هو السكن في الحمرا على رغم ارتفاع بدل الايجار الذي يصل إلى 400 دولار شهرياً، اضافة إلى كلفة المواصلات.
وإذا كان هؤلاء الطلاب لم يسكنوا في الطريق الجديدة بسبب صعوبة ايجاد غرف للإيجار، فإن دينا، الطالبة في كلية الإعلام، انتقلت من شارع حمد إلى الأوزاعي بعدما تعرضت للمضايقات لكونها شيعية. وتتذكر دينا حين كان بعض الاشخاص يشيرون إليها بالأصبع ويقولون «هيدي الشيعية». وتؤكد أنها فضلت السكن هناك لمجرد الوجود في منطقة قريبة من الجامعة، لكنّها اضطرت إلى ترك البيت في منتصف العام الدراسي وبدء رحلة البحث عن سكن جديد. ولا تستبعد دينا العودة إلى الطريق الجديدة إذا انتهى الاحتقان السياسي والطائفي، «فالمناطق ليست حكراً على أحد».
من جهته، ترك أحمد الغازية جنوب صيدا وانتقل إلى الضاحية ليتعلم ويعمل في بيروت. ولا يفكر أبداً بالانتقال إلى الطريق الجديدة على الرغم من قربها من جامعته ومقر عمله.
ويؤكد السمسار في طريق الجديدة محيي الدين الحلاق، أنّ هناك أزمة سكن حقيقية تعانيها المنطقة، عازياً السبب إلى ازدياد عدد الطلاب المستأجرين في الفترة الأخيرة، خصوصاً من مناطق البقاع والجنوب وطرابلس، وهم بغالبيتهم من طلاب جامعة بيروت العربية والجامعة اللبنانية. كذلك يفضّل بعض المالكين تأجير الشقق للعائلات بعدما «قرفوا» من مشاكل الطلاب. ويلفت حلاق إلى أنّ الكثير من المالكين لا يؤجرون سوى فتيات حتى لو اضطروا الى اقفال شققهم، وهو ما يشكل عائقاً أمام الشباب ويجعل إيجاد غرف للإيجار شبه مستحيل، لافتاً إلى أن «الشباب يسببون الحرج لأصحاب البيت عندما يرفعون الموسيقى أو يستقبلون رفاقهم وخصوصاً البنات». وينفي الحلاق أن يكون من أصحاب الشقق من يشترط أن يكون الطلاب من مناطق معينة، مؤكداً أنّ 80 في المئة من الطلاب الذين أجّرهم هذه السنة هم من أبناء الجنوب والبقاع.