strong>أنطون الخوري حرب
يقود الرئيس (السابق اليوم) إميل لحود «الأخبار» لتكون شاهدة على تقويم هذه المرحلة في الجناح الرئيسي للقصر الجمهوري قبل ساعات من رحيله عنه بعد إقامة استمرّت تسع سنوات، اختصرت كل التحولات التي غيّرت وجه الصراع في لبنان. يشعرك دفاع لحود عن موقعه وموقع طائفته، في وجه الهجمة الجنبلاطية والحريرية، بالارتياح، ويحملك على شكر مَن كنت تعتبره لزمن طويل عدوّاً لقضايا رئيسية.
يستقبل الرئيس إميل لحود في قصر بعبدا آخر زوّاره، وهو يهمّ بمغادرة مقر الرئاسة الذي أمضى فيه تسعة أعوام كاملة، وفي لقاءاته يراجع ما مرّ به وبالبلاد، ويتحدث عن منعطفات ومواقف قد لا تتّفق معه عليها. وقد لا يكون لجيل الحرب الأهلية الذي صمد في وجه الميليشيات ومن ثم الاحتلال أن يشهد على كل مراحل الأزمة وآخرها عهد لحود.
صفحة تطوى من فصل رئاسي مسيحي نترك لفترة ما قبل تمديده أن يقوّمها التاريخ، وبحث تناقضاتها بعد ذلك التمديد الذي جاء شؤماً على رفيق الحريري وانقلاباً في سياسة وليد جنبلاط، كما مثّل هاجساً كبيراً لحسن نصر الله ومزيجاً من الفرصة والارتياح والقلق لميشال عون.
بعد اغتيال الحريري وجّهت الاتهامات والحملات إلى الرئيس لحود وجرى الإيحاء بأن تقرير ميليس يتّهمه، وقُبض على قادة الأجهزة الأمنية وطولب بتحييد لواء الحرس الجمهوري وحُدّدت تواريخ لطرد الرئيس شعبياً من القصر.
وألغت الحكومة الأعراف الدبلوماسية الخاصة بالرئاسة وحرّضت السفراء على مقاطعة الرئيس وتجاوزت توقيع الرئيس الدستوري على إنشاء المحكمة ذات الطابع الدولي ونصّبت نفسها في وجهه هو والمعارضة بعد انفراط شرعيتها الدستورية والميثاقية. هوّل الخارج على الرئاسة وقاطعها في المحافل الدولية كما سيقت الشائعات «الحكومية» عن سمعة الرئيس وسمعة أولاده. وحين دقّت ساعة الاستحقاق فضّل البريستوليون مشاركته تأليف حكومة السنيورة على مشاركة كتلة العماد عون النيابية فيها، وتبيّن أن سبب الصراع مع الرئيس إرادة الأكثريين الهيمنة على موقع الرئاسة.
في المقابل، فإن المعارضة كانت مستعدة للمساومة على بقاء لحود في الرئاسة. وإضافةً إلى المقاطعة الحكومية لبعبدا قاطعها أيضاً رئيس المجلس النيابي الذي كان يعقد اجتماعاً مع الرئيس لحود كل يوم أربعاء. وكان نواب الكتل المعارضة يقاطعونه في العلن ويلتقونه بعيداً عن الأنظار. ونادراً ما كانت تزوره كتلة الوفاء للمقاومة والكتلة الشعبية.
وحين فشل الاعتصام الشعبي الذي لم يرف جفن السنيورة له دعا لحود منذ شهر أيار المعارضة إلى تأليف حكومة جديدة لكي يتمكن من مساعدتها وشرعنتها والتعامل الدستوري معها في وجه حكومة السنيورة خلال المدة الباقية من ولايته، لكنّ دعوته لم تلق تجاوباً، وهو لن يكرر تصرّف الرئيس أمين الجميل في نهاية عهده رغم أن الدستور كان يجيز ذلك قبل الطائف.
حدث كل هذا فيما لحود وحده يواجه من دون صلاحيات ولا إمكانات ولا نفوذ، ولو سقط لسقطت معه المعارضة بأجمعها وانتهى الوجود السياسي والاجتماعي المسيحي المتكافئ في النظام اللبناني. فصموده دون التمكّن من خلعه وفرض رئيس مسيحي ضعيف مكانه مثّل صمام أمان توازن المعارضة مع الحكومة. ولم تكن سوريا موجودة كالسابق لتُسكت أخصام الرئيس. ولو لم يكن يملك الصلابة اللازمة لكان لحق بالرئيس عمر كرامي.
يعدّ الرئيس إميل لحود قائداً تاريخياً لدى جمهور حزب الله والطائفة الشيعية بالإجمال، ويعتبره التيار الوطني الحر خصماً عنيداً ومدافعاً شرساً عن الرئاسة، كما يرى مسيحيو المعارضة أنّه ضامن للتوازن مع التحالف السنّي ـــــ الدرزي. أمّا مسيحيو السلطة، فقد وجدوا فيه سدّاً أمام محاولاتهم فرض رئيس محلّه من التحالف المذكور.
وأمّا وليد جنبلاط، فيجد فيه «استحالة مارونية جديدة» بعد «الاستحالات» التي واجهت المرحوم والده. ولعلّ سعد الحريري يشاركه هذا «الاكتشاف».