وفاء عواد
...وحصل ما كان في الحسبان: التزم 109 نوّاب الذهاب إلى ساحة النجمة، دخل 67 منهم إلى القاعة العامة، وبقي الـ42 الباقون خارجها، في نسخة مكرّرة لما كان عليه مشهد 25 أيلول الفائت، مع فارق «شكلي» بالأرقام. وما إن دقّت الساعة الواحدة والنصف، حتى أعلنت الأمانة العامة للمجلس قرار الرئيس نبيه برّي القاضي بتأجيل الجلسة إلى الثلاثين من الجاري «لمزيد من التشاور، توصّلاً إلى توافق على انتخاب رئيس للجمهورية»، مرفقاً بوعد: «إذا حصل التوافق قبل ذلك، نقرّب الجلسة».
كلهم حضروا في وداع الجمهورية الثالثة، وجعبهم خالية من امتلاكهم القدرة على صنع الحدث، فأمّنوا نصاب الثلثين تحت قبّة البرلمان، ونصاب النصف زائداً ثلاثة في القاعة العامة، وغابت صندوقة الاقتراع عن النظر ومطرقة سيّد البيت عن السمع، لتتركا الكلمة الفصل لفوضى عارمة عمّت أرجاء المكان، مبشّرة بما ستكون عليه الأيام السبعة المقبلة وما قد يليها.
وبعيداً عن المنبر الذي شهد «عجقة» خطباء تناوبوا الأدوار، كانت الأنظار متجهة إلى مكتب رئيس المجلس الذي عقد خلوتين متتاليتين: الأولى مع رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط، والتي أسفرت عن اتفاق يقضي بالتزام قواعد التهدئة، والثانية مع رئيس «كتلة المستقبل» النائب سعد الحريري الذي غادر بعدها إلى بكركي، بعد أن سمع من برّي النصيحة: «روحوا اصنعوا حلّ، ونحنا ناطرينكن»، حسب ما أشارت المصادر إلى «الأخبار».
الحضور الكثيف لمندوبي وسائل الإعلام الذين توافدوا من لبنان ومن كل أقطار العالم، ساهم إلى حدّ كبير في إحداث فوضى لافتة، واكتمل المشهد بتبادل النواب المعارضين والموالين أطراف الحديث المطعّم بالمزاح، مرفقاً بالقبل المتبادلة.
ولم يشذّ عن هذا المشهد سوى نوّاب «اللقاء الديموقراطي» الذين دخلوا وخرجوا بصمت، إلى حدّ رفضهم الردّ على سؤال أي صحافي، التزاماً منهم بـ«تعليمات ما»، تاركين الأمر للنائب جنبلاط الذي كشف السرّ ببيانه تماشياً مع قاعدة «مجبر أخاك لا بطلا»، فاتحاً المجال واسعاً أمام الحديث، قولاً أو تلميحاً، بأن «القوات اللبنانية» هي «الخاسرة الوحيدة» في مفاوضات برّي ـــــ الحريري ـــــ جنبلاط، وفق قراءات بعض النوّاب المعارضين.
وإذا كان الأسبوع المقبل ضجّ مسبقاً بالتسميات المختلفة التي أطلقها النوّاب، بدءاً من «أسبوع التفاؤل والحلّ»، مروراً بـ«أسبوع الانتظار»، وصولاً إلى «الوقت الضائع» و«الأسبوع اللادستوري»، فإن لبنان شهد ولادة جمهوريته الرابعة من دون «فخامة الرئيس».. وبات تنظيم الفراغ، مع ما قد يستجلبه من مخاوف ومخاطر، الهمّ الأوحد للبنانيين المتأرجحين من أقصى التفاؤل إلى آخر التشاؤم.
أما خيار اللجوء إلى النصف زائداً واحداً، فقد بقي «مؤجّلاً»، إكراماً للبطريرك نصر الله صفير والأوروبيين، و«ليعلنوا من هو المسؤول عن التعطيل»، على حدّ تعبير النائب الياس عطا الله الذي شدّد على أن «الفراغ غير موجود»، و«التجنّي على الحكومة مردود»، لافتاً إلى إمكان «اجتماع نواب الموالاة من دون دعوة الرئيس برّي».
وإذ استشرفت الوزيرة نائلة معوّض، والتي أخرجت نفسها من دائرة المرشحين للرئاسة، استمرار «الهرطقة الدستورية»، وضعت الأيام المقبلة في خانة «الفترة الانتقالية التي ستتحمّل فيها الحكومة مسؤولياتها الدستورية، بكل فخر، لملء الفراغ»، لافتة إلى أن وجود الموالين في المجلس «تعبير عن دعمهم للمبادرة الفرنسية واللائحة البطريركية»، مع إصرارها على رفض رئيس لسنتين.
وفي ظل الضبابية التي أحاطت أجواء نواب المعارضة حيال الآتي، مع تمسّكهم بضرورة التوافق، نفى النائب علي حسن خليل وجود أي علاقة لتأجيل الجلسة بمؤتمر «أنابوليس»، كما أشيع في أرجاء المجلس، مستنداً إلى أن «الرئيس برّي سأل مازحاً: متى سيعقد المؤتمر؟».
لكن النائب نبيل نقولا قرأ التأجيل على طريقته: «هم ينتظرون نتائج المؤتمر، لكي يفرضوا على لبنان أموراً لا علاقة له بها»، مستشرفاً «قبول الحكومة بكل مقرّرات المؤتمر، وإلزام الرئيس العتيد بها»، مرفقاً كلامه بالتحذير من «التطبيع
فالتوطين».
إذاً، انتهت اللاجلسة من حيث بدأت، ومدّد التأجيل عمر الأزمة سبعة أيام قد تكون قابلة للتجديد، تاركة في بال اللبنانيين سؤالاً أدمنوا طرحه أثناء متابعتهم مسرحية من دون نصّ: ماذا بعد؟.. وبانتظار استحقاق الاستحقاق، فإن الجواب عند نوّاب الشعب لا يتعدّى الأدعية والأمنيات والصلوات.