strong>كامل جابر
كان يفترض أن تترافق الاحتفالات بعيد الاستقلال هذا العام مع افتتاح جناح الاستقلال في قلعة راشيا، وخصوصاً بعدما أعادت مؤسسة الوليد بن طلال ترميمها تمهيداً لتحويلها إلى معلم سياحي ينبض الحياة. لكن الافتتاح تاجل حتى الربيع المقبل

عام 1943 كانت راشيا الوادي معتقلاً لرجال الاستقلال الذين احتُجزوا في أحد أجنحة قلعتها الصليبية. إلا أن «مجد» هذه القلعة غرق في سبات النسيان خلال العقود الستة الماضية، إلى أن قررت مؤسسة الوليد بن طلال إعادتها إلى الحياة عبر ترميمها وتأهيلها لتحويلها إلى معلم سياحي ينبض بالحي.
بدأت أعمال الترميم في جناح الاستقلال الذي كان يفترض أن يفتتح اليوم، بعد تأهيله وإزالة الردم والإضافات الطارئة تمهيداً لتحويله إلى معرض دائم لصور رجالات الاستقلال ومقتنياتهم. والجناح هو المكان الذي حلّ فيه، وفي غرف منفردة، مدة 11 يوماً كلّ من رئيس الجمهورية بشارة الخوري، ورئيس الحكومة رياض الصلح، ووزير الخارجية والأشغال العامة سليم تقلا، ووزير التموين والتجارة والصناعة عادل عسيران، ووزير الداخلية كميل شمعون، ونائب لبنان الشمالي عبد الحميد كرامي، معتقلين من السلطات الفرنسية.
انطلقت عملية الترميم قبل نحو سنتين، وتخللتها محطات توقف، منها ما كان لإعادة النظر في خطة الترميم ونوعيته التي لم توافق عليها ابنة الرئيس الراحل رياض الصلح السيدة ليلى الصلح، ثم بسبب عدوان تموز 2006. إلا أن الأعمال استكملت نوعاً ما أخيراً لتدشين الجناح في ذكرى الاستقلال. ويلفت رئيس المجلس البلدي زياد العريان إلى أن «أعمال التأهيل والترميم جرت تحت إشراف البلدية التي ناقشت مختلف الأمور المتعلقة بأعمال التنفيذ من أجل تعزيزها وتصويبها. وقد كشفت هذه الأعمال عن القناطر الحجرية التي كانت مغطاة بالكامل، فجرى تنظيفها وإزالة حمولة 55 شاحنة من الردم؛ وقد أظهرتها الحلة الجديدة جميلة ورائعة. أما الجناح فغدا من 11 غرفة كبيرة عدا الممرات والمراحيض وصالات كبيرة مع قبو حجري معقود على مساحة البناء كلهقبل التأهيل، لم تكن القلعة بحالة جيدة بعد سيادة التشوهات على جميع أقسامها، وخصوصاً الإسمنت الذي دخل عليها بشكل عشوائي والردم الذي غطى الآبار الصليبية، والأبنية التي أضيفت لاحقاً، منذ الفرنسيين وبعدهم. ولم تُجرَ أي دراسة للدولة اللبنانية، أو وزارة السياحة منذ ذلك الحين، تضع في الحسبان ترميمها وتحسينها. وظلّ الاهتمام فقط، بأجنحة محدودة. ويذكر العريان أنه «في الستينيات من القرن الماضي سُيِّجَت القلعة بشجر كثيف من الشربين، فغطت الأشجار المبنى وأخفته، وقد قامت البلدية أخيراً بتشذيبها في محاولة لإظهار المبنى الأثري وأهميته».
ويؤكد زياد العريان أن «جناح الاستقلال سيكون بعهدة بلدية راشيا، وسيتضمن المبنى متحفاً (ينشأ في مرحلة لاحقة) يضم صور رجالات الاستقلال وبعضاً من أغراضهم الشخصية. كما سيتضمن شرحاً مصوّراً لكلّ الحقبات التاريخية التي مرت بها القلعة. وقد جرى الإعداد لفيلم مصور عن المشروع وسيُعرَض بشكل دائم أمام الزوار».
ويكشف العريان أن القلعة ستشهد في السنوات المقبلة «مراحل من التأهيل والترميم لتأخذ حقها ضمن المواقع السياحية والرمزية في لبنان، وخصوصاً أن أحد أقدم أجنحة القلعة الرئيسية، شُوِّه البناء فيه بعد استخدامه مطبخاً لفيلق الجيش اللبناني، لكن هذا الأخير وعدنا بإخلائه وسيعمل على ترميمه لتحويله إلى فندق ومطعم واستراحة. وهناك خطة لتنمية السياحة في راشيا الوادي من خلال القلعة التي تُعَدُّ جزءاً أساسياً من شهرة بلدة راشيا الوادي».
ويعود تاريخ القلعة التي تعرف باسم «قلعة الاستقلال» أو «حصن 22 تشرين الثاني» إلى القرن الحادي عشر الميلادي. ففي تلك الفترة كانت المنطقة محتلة من الصليبيين، فبنوا في راشيا الوادي برجاً لحماية قوافل التجار ومواكب الحجاج والمسافرين عبر منطقة وادي التيم، من دمشق إلى القدس. وترتفع القلعة نحو 1210 أمتار عن سطح البحر، وتسيطر على أحد أكثر المواقع استراتيجية في المنطقة، كما أنها مصوّنة طبيعياً، اذ تحوطها ثلاثة منحدرات من ثلاث جهات، وتواجه الجهة الرابعة قمة جبل حرمون.
لم يَبق من آثار المبنى الصليبي إلا الآبار المنحوتة في الصخر، وقد ردمت مع تواتر الأيام، باستثناء بئر واحدة ما زالت صالحة للاستخدام. وفي القلعة أيضاً أبنية وآثار «شهابية» تعود إلى عام 1370، عندما تولى الأمير أبو بكر الشهابي ولاية حاصبيا، وكان يأتي برفقة زوجته وابنته إلى راشيا للصيد والقنص، فبنى له منزلاً داخل القلعة. كذلك بنى الشهابيون مدخل القلعة والسور والقناطر من الجهة الجنوبية الغربية. ومن بعدها، غرقت القلعة في النسيان حتى عام 1837 حينما استخدمتها جيوش إبراهيم باشا مركزاً لها، وحاولت فرض التجنيد الإجباري على سكان البلدة وتجريدهم من سلاحهم، فثار الأهالي وتمكنوا من دخول القلعة وطرد المصريين منها.
ومع بداية القرن العشرين وصل الجيش الفرنسي إلى وادي التيم وتمركز في قلعة راشيا. وفي سنة 1920 بنى الجنود الفرنسيون السور الشرقي للقلعة، مستخدمين حجارة المنازل المحيطة بها، بعد هدمها. ولا تزال أسماء أصحاب المنازل موجودة على مدخل القسم الشمالي من القلعة، وكذلك معالم كنيسة كانت ضمن حرمها.
بعدها عمد الفرنسيون إلى «ترميم» القلعة وتأهيلها، فعملوا على تلييس جدرانها بالإسمنت، ما أخفى معالمها عن الأنظار. لكن لم يكن الوجود الفرنسي محبذاً في القلعة في تلك الفترة، ما أوصل الوضع إلى معركة 22 تشرين الثاني 1925م، حينما اقتحم المقاتلون في «الثورة السورية الكبرى» بقيادة سلطان باشا الأطرش أسوار القلعة لتحريرها من الحامية الفرنسية، وقد سقط أكثر من 105 شهداء من أبناء راشيا والجوار في تلك المعركة. ورداً على ذلك قام الجيش الفرنسي بحرق بيوت راشيا، فعانت نكبةً كبيرة، وقتل العديد من أهاليها وشرّد القسم الأكبر باتجاه فلسطين. وفي الساحة العامة للقلعة تنتصب اليوم لوحتان، تحمل إحداهما أسماء شهداء منطقة راشيا، والثانية أسماء القتلى الفرنسيين.
بعد جلاء القوات الفرنسية عن لبنان عام 1946م، تمركزت في القلعة فرق من الدرك اللبناني وبعض الإدارات الرسمية. ثم تسلمها الجيش اللبناني بتاريخ 1 أيلول سنة 1964؛ ولا تزال في عهدته حتى اليوم. وقد أدرجت القلعة أخيراً على لائحة الأماكن السياحية في لبنان؛ وأمنت وزارة السياحة إنارة لها، ويؤمها السياح من مختلف المناطق اللبنانية.

راشيا
الوادي

راشيا الوادي من أجمل قرى البقاع الغربي، وهي تتميز بأبنيتها التي يغطي سقفها القرميد الأحمر. وتزيد السوق القديمة من جمال هذه البلدة، وخصوصاً بعد ترميمه في الآونة الاخيرة وغطيت أرصفته وطرقاته بالحجر.
وتميّز هذه السوق صناعة الذهب والفضة التقليدية. فالمتاجر التي تتعامل بصناعة هذه المعادن تكثر، ما يجعل منها مركزاً لاستقطاب الزبائن. وللسلطات الفرنسية «أثر» في السوق أيضاً، لا في القلعة التي تطلّ عليه فقط، التي باتت الآن ظاهرة للعيان بعدما أزيلت الأشجار التي كانت تغطيها. ويشير سكان المنطقة دائماًَ إلى بيت قديم داخل السوق، مؤكدين أن الجنرال الفرنسي غورو سكنه خلال إقامته في راشيا.