إبراهيم الأمين
لم يملك النائب سعد الحريري من جواب عن سؤال العماد ميشال عون له عن سبب رفضه ترشيحه لرئاسة الجمهورية سوى القول: «تعرف جنرال، أريد أن أقول لك شيئاً، المشكلة أن الناس عندنا لا يحبونك». كان على عون أن يبتسم ويعيد تذكير محاوره بأن الأمر يتصل بلحظة خاصة وبقرار استراتيجي وأن المسألة لا تتوقف عند تعليقات من هذا النوع، وإلّا وجب أن يشرح أحد للحريري مدى العشق الذي تكنّه له غالبية اللبنانيين هو وأبطال فريقه السياسي. ظل عون معتقداً أنه أمام رجل من قماشة رفيعة. أعاد على مسمعه الكلام عن تجربة الاستقلال. قال له إن لبنان يحتاج اليوم إلى بشارة خوري آخر وإلى رياض صلح آخر. ظن عون أنه بهذه الطريقة يغري الشاب الطامح لملء بعض ما شغر برحيل والده. ولكن لا حياة لمن تنادي.
مشكلة سعد الحريري في هذا المجال، أنه لا يعرف حكاية بشارة الخوري ورياض الصلح. والأخير يمثل بالنسبة إليه في هذه اللحظة الإرث المزعج. عندما يسمع الحريري الشاب بهذا الاسم يتبادر إلى ذهنه حشد من الخصوم من أبناء العائلات التي كانت الضحية الأبرز للحركة الانقلابية التي قادها الحريري الأب في الوسط السنّي، لكنه بدل أن يعيد صياغة الموقف على قاعدة الشراكة، كرّر أخطاء من سبقوه، فلجأ الى الأسلوب الإقصائي، حتى بات اليوم، وهو الذي يمثل الغالبية الشعبية بين السنّة، يحتاج إلى واحد فقط، لا أكثر، من الشخصيات السنيّة التي لها جذرها الحقيقي في السياسة والاجتماع اللبنانيين. وهو ينظر كل يوم حوله، فلا يجد إلا أشباه الأعمدة التي يقف عليها قصره المحدث على غير ما هي عليه المدينة.
ومشكلة الحريري الابن الثانية تكمن في تعلّمه السياسة المحلية من خلال تقارير المخبرين المحتشدين من حوله، يأتونه بأخبار بنات الجيران وأحوال البورصة. لم يقرأ الشاب كتاباً واحداً عن تاريخ هذا البلد. وثقافته السمعية لا تغني ولا تسمن من جوع. وحتى اللحظة، لا أحد في فريقه الإعلامي يعرف ماهية التغييرات التي أطلقها في تلفزيون «المستقبل»، على سبيل المثال. لقد أتى بشخص مهمّته تقليص النفقات. لا يعرف هذا الشخص شيئاً عن عالم الإعلام المرئي والمسموع، ولا هو أصلاً مكلّف تطوير المؤسسة على هذا الشكل، ما جعل النتيجة الأولى تطفيش كل من بقي من المهنيين في هذه المؤسسة التي لم تعد تمتّ الى المستقبل بصلة، وباتت من الماضي القاتم القائم على تعبئة مذهبية وحقد وأكاذيب، كما هي حال صحيفته التي تعاني اليوم أزمة ارتداد عقلها المحرّك وليد جنبلاط، نحو ركن التسوية وتقطيع الوقت. ويقبع جنبلاط في انتظار حجم التسوية التي ستقود إليها اجتماعات أنابوليس ومتفرعاتها. وإذا وجد أنها ماضية في خطوة تفرض تفاهماً، ولو على مضض، بين دمشق وواشنطن وأوروبا، فسوف يأخذ وقته قبل أن نجده مزنّراً خصره بحزام ناسف وراكضاً في شوارع بغداد يفتش عن بول وولفويتز لقتله.
لكن المشكلة تبقى في الوسط المسيحي حيث لا يشعر البطريرك الماروني نصر الله صفير بوجوب التخلي عن المهادنة والخيار الوسط الذي لا يمنع فتنة ولا يحول دون صدام. ويدرك صفير أن التمثيل المسيحي لا يقوم على قاعدة تجاهل الحقائق، وهو الذي جرّب حظه مع محاولة الولايات المتحدة الأميركية وسوريا والقوى اللبنانية الحليفة لهما إقصاء التيار الذي يمثله العماد عون في نهاية الثمانينيات، وأظهرت التطورات بعد 15 سنة أن عون أكثر رسوخاً مما اعتقد كثيرون. وإن من المستغرب أن يوافق صفير على لعبة التهميش الجديدة الجارية، وهو يدفع، درى أو لم يدرِ، الجمهور المسيحي نحو درك من اليأس أشدّ عمقاً.
وإذا كان صفير يعتقد أنه باستقباله الرئيس فؤاد السنيورة واستماعه الى نظريات الحريري الابن سوف يدفع بهما وبفريقهما الى التعجيل في اختيار رئيس توافقي، فهو يكون كمن لُدغ من جحر مرتين وأكثر. وهذه مسؤوليته، ولن يُعفيه بعد ذلك أن يقف حزيناً يبلغ أبناء رعيته بأنه حاول منع الانهيار ولكنه لم يجد من يعاونه في المهمة.
أما الطرف الآخر المعني فهو الغرب المسيحي الذي تخلّى عن مسيحيّي لبنان لمصلحة السنّة باعتبارهم الفريق القادر على مواجهة حالة المقاومة بعد تحويلها الى حالة شيعية تمثل فئة دون الآخرين، وإن هذا الغرب يبدو تائهاً في لبنان، وهذا ما عكسه سلوك كبير المهرّجين برنار كوشنير الذي كان لا يجد ما يقوله للعماد عون سوى: أنت الرجل الأقوى وأنت الأوعى وأنت الأكثر حرصاً على مصلحة المسيحيين، لذلك نطالبك بالتخلي عن ترشّحك والإفساح أمام آخر... آخر يعرف كوشنير كما يعرف الأوروبيون أنه سيكون دمية بيد سعد الحريري ووليد جنبلاط وأيّ سفير غربيّ.
وإذا كان الخارج يريد من الرئيس الجديد تولي مهمة محاصرة حزب الله بعد عزله، فإن موقف عون يمثل نقطة الارتكاز في مشروع مواجهة هذه اللعبة التي تعني في حال نجاحها دفع لبنان الى الجنون الذي يتجاوز بفظاعته الفوضى الأميركية «الخلّاقة»، لكن مسيحيّي فريق السلطة ينظرون بسطحيّة إلى ما يقوم به العماد عون ويفهمونه بسذاجة.
قبل أيام قليلة استقبل عون في منزله أحد أقطاب فريق 14 آذار، وبادر الأخير: «جنرال، هل تصدق حزب الله؟ إنهم لا يريدونك رئيساً. ماذا تفعل معهم؟». ابتسم عون ومضى مسايراً ضيفه في لعبته حتى النهاية، قائلاً له: «لا يا رجل، فهل تحسبني من دون تفكير؟ كل ما هناك أني لا أجد طريقاً للخروج من العلاقة معهم، ولكن لديّ فكرة. ما رأيك في أن تتخذوا في فريق 14 آذار قراراً بدعم ترشيحي للرئاسة، وعندها نكون قد حشرنا حزب الله وبري والآخرين. وإذا رفضوا دعمي، أتركهم ونذهب معاً ونختار رئيساً من 14 آذار وأوفّر أنا نصاب الثلثين».
لم يكن عون ينتظر جواب ضيفه، لكنه كان يريد إنهاء اللقاء بأقل قدر من الغباء.
سؤال: هل يعرف اللبنانيون ما هو رأي المرشح الرئاسي الفذّ نسيب لحود في ما يجري، أم هو مرشح سرّي؟