strong>محمد مصطفى علوش
• الانفجار سيبدأ من الشمال إذا استفزّت المعارضةُ السلطة

في الشمال لا يزال العديد من القوى الإسلامية، موالية ومعارضة، يعاني ــ قواعد وكادرات ــ جراء حرب المئة وستة أيام في نهر البارد. وهي تتنابذ حد التناحر، ورغم توقيعها وثيقة مشتركة، فاحتمال نقضها وارد كل لحظة

يكثر الحديث عما إذا كان الوضع الأمني سينفجر بعد تسلم رئيس الحكومة صلاحيات الرئاسة الأولى. لكن السؤال هو أين سينفجر، وعلى يد مَن؟ ربما لم يخطر لأحد أن الجواب قد يكون من الشمال، وعلى يد الإسلاميين أولاً، رغم توقيع الإسلاميين في الشمال وثيقة تشكل سقفاً يمنع أي اقتتال إسلامي ـــــ إسلامي، وأي اعتداء من الإسلاميين على الأطراف اللبنانيين الآخرين (راجع «الأخبار» عدد الخميس 22 تشرين الثاني).
وقد نشطت «لجنة المساعي الحميدة» التي يترأسها أمين دار الفتوى في الشمال الشيخ محمد إمام بالاتصالات والمساعي بين القوى الإسلامية من 8 ومن 14 آذار، فضلاً عن زيارة الشخصيات السياسية الأخرى، وتوّجت تحركاتها بإعداد وثيقة عنوانها «درء الفتنة» ضبطاً للشارع الإسلامي الذي بدأت إشارات عدم انضباطه تظهر على خلفية الحوادث الأخيرة التي طالت الشمال من قتل وتهديدات لشخصيات معارضة، فضلاً عن إطلاق النار على أحد مسؤولي جبهة العمل الإسلامي في بلدة المنية، الشيخ مصطفى ملص.
الوثيقة وقّع عليها كل من الجماعة الإسلامية، حزب التحرير ـــــ ولاية لبنان، جبهة العمل الإسلامي، التيار السلفي، اللقاء الإسلامي المستقل، الدكتور فتحي يكن، الشيخ زكريا المصري، الشيخ داعي الإسلام الشهال، النائب السابق خالد ضاهر، الشيخ كنعان ناجي، الشيخ هاشم منقارة، الشيخ بلال سعيد شعبان، الدكتور حسن الشهال، الشيخ فواز حسين آغا، الدكتور الشيخ سالم الرافعي، الشيخ بلال بارودي، الشيخ محمد بكار زكريا، الشيخ صفوان الزعبيليس اللافت في الوثيقة دوران نقاطها جميعاً حول تحريم التقاتل الإسلامي ـــــ الإسلامي فحسب، بل قول الناطق باسم «لجنة المساعي» المهندسة للوثيقة الشيخ الدكتور حسام سباط: «هذه الوثيقة خاصة بالأفرقاء المحسوبين على الساحة الإسلامية، وقد وقعت عليها معظم الشخصيات والحركات الإسلامية، وتعاهدت على حرمة دم المسلم وأن لا يحدث أي إخلال بالأمن في المدينة، وأن يرفع الغطاء عن كل مندسّ قد يسهم في أعمال شغب أو أعمال لا ترضي الله عز وجل».
و«لجنة المساعي»، كما هو معلوم، نشأت عقب حرب تموز 2006، على خلفية انعكاس تفاقم الأزمة السياسية وتزايد الخطابات الطائفية والمذهبية وتعبئة الشارع بين السنّة والشيعة، وتصاعد لهجة التخوين التي راح يتقاذفها إسلاميو 8 و14 آذار، وظهرت آثارها في منشورات مجهولة المصدر وزعت بأعداد كبيرة تهدد فتحي يكن بسبب مواقفه المؤيدة لحزب الله والمناهضة لتيار المستقبل، متهمة إياه بالعمالة لسوريا وإيران. وآخر الحوادث في هذا السياق إطلاق النار على منزل الشيخ مصطفى ملص في المنية، بعد منعه من إلقاء محاضرات في منطقته، وكان سبقها أيضاً تعرض للشيخ بلال شعبان في طرابلس.
ولم تخفِ اللجنة اللصيقة بالحركات الإسلامية الشمالية قلقها، فقال سباط: «نأمل أن تمر الأزمة العصيبة على خير، وأن يبقى الوضع الأمني مضبوطاً في المدينة». ويضيف سباط: «وجدنا تجاوباً تاماً من جميع الأطراف التي قمنا بزيارتها، ووعد الجميع بأن يتعاونوا على ضبط الساحة الطرابلسية وأن يتبرأ كل الأطراف من أي عنصر مدسوس قد يتطاول على أمن المواطنين».
هل الوضع خطير لهذه الدرجة؟ يُجيب مصدر إسلامي مطلع بالإيجاب، «فالأمور متأزمة جداً، وإذا قامت المعارضة بأية خطوة سياسية موجّهة إلى حكومة السنيورة، فإن الانفجار سيبدأ في الشمال، وتحديداً في طرابلس حيث الثقل السني، بعدما حسم حزب الله الوضع في كل من البقاع وبيروت لمصلحته. ولتعزيز هذا السيناريو جرى تدريب مجموعات عديدة، منها أفواج طرابلس التي كان لها مخيم تدريب قبل نحو شهر في بلدة برقايل في عكار».
ويتابع المصدر: «لكن حتى الآن فإن هذه القوة، أي أفواج طرابلس، مشكوك بقدرتها القتالية، فقد فر نحو 70 فرداً منها عائدين إلى بلداتهم في الشمال متخلين عن مهمتهم في بيروت، حيث طلب منهم حماية مؤسسات محددة».
وبعد هذا الفرار من نعيم بيروت، لم يبقَ أمام من جنّد هؤلاء سوى الإسلاميين ممّن قد يؤيدون خطهم السياسي لتنفيذ خططهم الميدانية، لهذا وجدت «لجنة المساعي» أن الأمر قد يخرج عن السيطرة، فبادرت إلى إخراج هذه الوثيقة.
وفي شأن خرق الوثيقة قال المصدر: «نعم قد يخرق الوثيقة كنعان ناجي المتهم بقربه من تيار نافذ، وذلك للأسباب الآتية: أولاً وجود التزامات بينه وبين جهات فاعلة، وثانياً لوضع نفسه على الخريطة السياسية بشكل أكبر مما هو عليه، وثالثاً لاعتقاده أن مجد حركة التوحيد التي أسهم في بنائها، آل إلى نجل الشيخ سعيد شعبان بدلاً منه، ورابعاً تركيبة الشيخ كنعان نفسه، فهو شخصية أمنية لا سياسية».
ويضيف المصدر: «أما سائر الأطراف الموقعين على الوثيقة فليس في استطاعتهم خرقها، فالجماعة الإسلامية بعيدة عن هذه الأجواء، وجبهة العمل الإسلامي حركة سياسية أكثر منها أمنية، وهدفها العدو الخارجي، أما ما بقي من جهات فهي أعجز من إمكان إدارة الأزمة وحدها، وخاصة أن الجو السلفي مشتّت بعد تداعيات أحداث فتح الإسلام عليه».



النقاط الست

تضمنت وثيقة «درء الفتنة» النقاط الآتية: ¶ تقديم المعاني القرآنية والنبوية الكريمة على كل الحسابات السياسية. ¶ التأكيد على حرمة الاقتتال بين المسلمين وحرمة الاعتداء على غير المسلمين، لأن من المحرمات قطعاً في دين الله قتل أي مسلم أو جرحه أو ضربه، أو حتى توجيه السلاح إليه، وينطبق ذلك على غير المسلمين. ¶ اجتناب الخطاب التخويني والتحريضي على المسلمين، لأن من المحرمات قطعاً في دين الله غِيبة المسلم واتهامه، والواجب الشرعي هو نصحه بإخلاص وشفقة عليه. ¶ الضبط الصارم للصفوف في أي جماعة أو حركة أو فرقة والتبرؤ علانية من كل من يخالف أو يحاول جر المسلمين إلى فتنة والأخذ على يد الفاعل. ¶ التنادي للحوار عند أي بادرة خلاف، والسعي لإيجاد صيغة للتعاون والتنسيق. ¶ التعاون الصادق على البر والتقوى لما فيه مصلحة البلاد والعباد.