صور ــ آمال خليل
وصف تقرير منظمة هيومان رايتس ووتش حالة الخادمات السيريلانكيات في لبنان بأنها عبودية. لكن يبدو أن خادمات المنازل الأجنبيات يعشن الظروف ذاتها، التي دفعت فتاة إثيوبية إلى محاولة الانتحار بعد سبعة أشهر من وصولها إلى لبنان


لا تزال الفتاة الإثيوبية رملة أمينو (22 عاماً) طريحة الفراش في مستشفى نجم بصور، بعد أكثر من أسبوعين على محاولتها الانتحار، من خلال رمي نفسها من الطبقة الرابعة للمبنى الذي تعمل فيه، في منطقة الحوش ـــــ صور.
وبعد غيبوبة دامت تسعة أيام، أبقاها خلالها جهاز التنفس الاصطناعي على قيد الحياة، استفاقت رملة لتروي لعناصر الدرك ما دفعها إلى الانتحار. قالت لرجال الأمن إن مخدومها وأفراد أسرته ضربوها أكثر من مرة، وخاصة عندما كانت تطالبهم بالسماح لها بالعودة إلى بلادها. قالت إنها كررت رجاءها لصاحب المنزل كي يصرفها من الخدمة، وأن يعيد إليها جواز سفرها الذي صادره منها. أضافت إنه كان في كل مرة يلجأ إلى مكتب الاستخدام الذي يلقّنها «دروساً حتى تسمع الكلام».
وكانت رملة قبل أيام من رميها بنفسها قد بدأت إضراباً عن الطعام في منزل مخدومها احتجاجاً على تعرّضها لسوء المعاملة، إلى أن قررت أن الوسيلة الوحيدة للخلاص، هي الموت.
حاولت «الأخبار» زيارتها في المستشفى لمعرفة تفاصيل الحادث وأسبابه ومصيرها بعد تماثلها للشفاء، إلّا أن صاحب المنزل الذي كانت رملة تعمل فيه، منع مندوبة «الأخبار» من ذلك، وطردها بعدما كال لها الشتائم ووجّه إليها سيلاً من الإهانات والألفاظ النابية، مدّعياً، مع شقيقه، أنه قام تجاهها بكامل واجباته من رعاية وتحمّل لنفقات العلاج منذ اللحظة الأولى. علماً بأن «الأخبار» كانت قد زارتها خلال غيبوبتها، فلم تجد أحداً في صالة الاستقبال ينتظر للاطمئنان إلى صحتها.
ومنذ وصول الفتاة إلى المستشفى، بدأت «الأخبار» بمتابعة قضيتها مع الإدارة والطبيب المشرف على العناية المركّزة حسين نجم، الذي يرعى حالة رملة الصحية. وكان نجم قد ذكر لـ«الأخبار» أن صاحب المنزل عماد ب. رفض زيارة رملة في المستشفى خلال غيبوبتها أو تحمّل تكاليف علاجها، مثلما فعلت شركة التأمين، وذلك بانتظار انتهاء التحقيقات الرسمية حول أسباب الحادث. وهو ما حدا بإدارة مستشفى نجم إلى التقدم بدعوى قضائية أمام النيابة العامة الاستئنافية ضد عماد لإلزامه تحمّل مسؤوليته المادية والإنسانية تجاه رملة، وخاصة بعدما أصبح كفيلها بعد مرور ثلاثة أشهر على عملها لديه.
وفي ظل غياب عماد وعائلته عن المستشفى خلال غيبوبتها، لم يطمئن على رملة سوى مواطنيها من الجنود الإثيوبيين العاملين في المقر العام لليونيفيل، وبعض العاملات اللواتي سمعن عن الحادث وجئن إليها متضامنات. ومع شيوع خبر «اعتصام» رملة، زار القنصل العام في السفارة الإثيوبية المستشفى للاطمئنان إلى حالها.
وتجدر هنا الإشارة إلى أن وجود عماد في المستشفى عند زيارة «الأخبار» الأخيرة جاء نتيجة تهديد القنصل العام له بملاحقته قانونياً بتهمة التسبّب بقتل رملة إذا لم يتحمّل مسؤولياته تجاهها. وبعد تعهّده دفع نفقات العلاج، أسقطت إدارة المستشفى دعواها. فيما أكد طبيبها حسين نجم أنها لا تزال بحاجة إلى عناية بسبب إصابتها بكسر في الجمجمة، إضافة إلى الدعم النفسي والاجتماعي الذي تحتاج إليه بعد إقدامها على الانتحار.
وإذ إن رملة ستمكث أياماً في المستشفى، يبقى غير واضح المصير الذي ستؤول إليه بعد خروجها من المستشفى. فهل سيعيدها المعنيون إلى الجحيم الذي فضّلت الموت عليه، أم سيُخضعونها إلى برنامج تأهيل ودعم نفسي أم «سيمنحونها الحياة من جديد ويردونها إلى بلادها مهما كلّفها الأمر» كما تتمنى؟.
تجدر الإشارة إلى أن عقد العمل الذي كانت قد وقّعته ينص على عملها مدة سنتين في لبنان.