إبراهيم الأمين
يصعب على قادة المعارضة الإجابة الصريحة والسريعة عمّا حصل خلال الأسبوع الفائت. الرئيس إميل لحود كان قد رفض فكرة تأليف حكومة ثانية في اللحظة الأخيرة، وأبلغ المعارضين أنه سبق أن طرح عليهم الأمر قبل مدة غير وجيزة وهم ترددوا، ثم عاود الكرة قبل أربعة شهور ورفضوا أيضاً، ولم يساعدوه المساعدة الكافية في إقناع قائد الجيش العماد ميشال سليمان بقبول مهمة ترؤس حكومة عسكرية انتقالية، وأصروا عليه لكي ينتظر حتى اللحظة التي يعتقدون بأنها مناسبة.
كانت المعارضة في حالة تنسيق غير منظم مع الرئيس لحود. وحده حزب الله كان يحرص في الشكل والمضمون على التواصل مع الرئيس السابق. ومع ذلك، فإن الأخير كان يأمل أن ينتظره حشد من أنصار المقاومة أو المعارضة عند بوابة القصر مودّعين، لا أن يُترك المشهد لصبية من فريق 14 آذار ومسلّحيها يطلقون النار ابتهاجاً في بيروت وصيدا والبقاع وطرابلس والجبل.
وبخلاف حزب الله، كان الرئيس نبيه بري يتصرف مع لحود على أساس أنه خارج اللعبة. كانت تصرفات رئيس المجلس مطابقة لحركة قوى الأكثرية. رفض طوال الوقت زيارته في القصر الجمهوري، وقلّما أوفد معاونه علي حسن خليل ليقول كلاماً لا يقنع لحود بشيء. حتى العماد ميشال عون لم يقم بخطوة خاصة تجاه لحود. كان عون يترك الأمر لحزب الله من جهة، ولحليفه الوزير سليمان فرنجية من جهة ثانية. رمى الأخير خلف ظهره كل خلافاته وملاحظاته على أداء رئيس الجمهورية، وظل يتواصل معه بانتظام، وقد تناول طعام الغداء إلى مائدته قبل أسبوع من مغادرة لحود القصر، وظل فاتحاً باب التشاور معه في الكبيرة والصغيرة. وكان فرنجية يتفهم احتجاج لحود على موقفي بري وعون.
وحتى ما قبل مناشدة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله رئيس الجمهورية اتخاذ مبادرة إنقاذية، كانت الرسائل الآتية من بعبدا تشير إلى أن الرجل لن يتورط في ألعاب من النوع الكبير، وظل على حرصه الشديد على علاقات جيدة مع السوريين. وقبل مدة غير بعيدة، أوفد مَن يمثّله إلى دمشق لنقل رسالة تؤكد توجّهه نحو خطوة محصورة في إجراء لا يثبّت شرعية حكومة فؤاد السنيورة، لكنه يترك الأمر غامضاً، تماماً كما حصل، علماً بأن لحود لم يكن بعيداً عن موقف قيادة الجيش الفعلي، وهو الموقف الذي يقوم على قاعدة الخروج من دائرة التجاذب، ما يعني أن الجيش لن يكون في انتظار قرار من رئيس الجمهورية، كما لن ينتظر قراراً من حكومة السنيورة.
وبناءً عليه، كان الاستنفار الأخير لقوى المعارضة قائماً على فكرة أنه لا يجوز ربط المسائل بعضها ببعض دون توفير القواعد العملية لإنتاج واقع سياسي مختلف. ووجدت المعارضة أن فريق 14 آذار يودّ الذهاب بعيداً في التحدي، وأن الأميركيين أقنعوا قادة هذا الفريق بضرورة اللجوء إلى الانتخاب وفق نصاب النصف الزائد واحداً. فكان على المعارضة أن تعدّ رسالة واضحة وقاسية، وهو ما حصل خلال الأيام التي سبقت آخر جولة حوارية بين الرئيس بري والنائب سعد الحريري، الأمر الذي انتهى بالوسيط الفرنسي إلى فهم أن المعارضة لا تنتظر إجراء الرئيس لحود، لكنها تفكر في خطوة من جانبها. فكان التدخل مع الجانبين الأميركي والسعودي لأجل حسم إلغاء خيار الانتخاب الأحادي لرئيس الجمهورية، الأمر الذي أثار حفيظة الشخصيات المسيحية في فريق 14 آذار، علماً بأن بري يؤكد أن الحريري تخلى عن هذا الموقف منذ استنئاف التواصل السياسي بين الطرفين، وبري كان مقتنعاً بأن النائب وليد جنبلاط لا يريد اللجوء إلى هذا الخيار، وأن كل ما يغضبه هو موقف التجاهل الذي يتخذه منه حزب الله وسوريا.
ومع ذلك، فإن المعارضة تعتقد بأنها حققت هدفها المركزي بمنع فريق 14 آذار من انتخاب رئيس من طرف واحد، وأنها عطلت المشروع الأميركي الهادف إلى إيصال رئيس يعمل وفق قواعد تعيد لبنان إلى المناخ الذي سبق اجتياح إسرائيل الكبير عام 1982. وأكثر من ذلك، فإن القوى النافذة في المعارضة تتوقف عن الكلام عند اقتراب النقاش من حقيقة الخطط التي كانت موضوعة قبل يوم الجمعة الماضي بقليل.
أما موقف سوريا من تحرك المعارضة، فإنه سيكون أقرب إلى المنطق الذي اتّبعه السوريون مع المراجع الفلسطينية المعارضة لسلطة الرئيس محمود عباس. فبينما كانت هذه الفصائل تعدّ العدة لعقد مؤتمر وطني فلسطيني في دمشق يكون معارضاً لاجتماع أنابوليس، ومحذراً من نتائجه ومن التورط فيه، كانت القيادة السورية تدرس الأمر من زاوية ماهية المطلوب في هذه المرحلة. وبينما لا يشك أحد في تيار المقاومة في مواقف قيادة سوريا وجيشها حيث الدعم المفتوح واللامحدود للمقاومين في لبنان وفلسطين، فإن نظام الاعتبارات السورية الخاصة هو الذي أوجب إلغاء المؤتمر الفلسطيني أو تأجيله إلى ما بعد أنابوليس. الحال نفسها مع قوى نافذة في المعارضة اللبنانية، حيث كانت النتيجة تأجيل المعارضة برنامجاً للتحرك النوعي مقابل «انتصار» عنوانه منع فريق 14 آذار من انتخاب رئيس من طرف واحد.
صحيح أن إحباطاً يسود أوساط 14 آذار، ولا سيما المراجع المسيحية منها، التي وجدت بعد نحو عامين من «النضال» تحت خيمة القائدين وليد جنبلاط وسمير جعجع أن الجميع في مركب عائم على بحر هائج، لكن ذلك لا يعني أن المعارضة في حال أفضل. وحتى قيام مَن يجب من قادة المعارضة بشرح ما حصل وخطة المرحلة المقبلة، فإن الفراغ سوف يجد من يجترح له حلاً سريعاً، وسوف نكون على موعد مع موجة جديدة وكبيرة من الدعم الخارجي للرئيس السنيورة وحكومته، وذلك كأول الغيث لاجتماعات أنابوليس السيئة الذكر!