فداء عيتاني
لم ينته الجدل في ما تنوي المعارضة تنفيذه من خطوات بعدما أخذت الحكومة السلطات وذهبت لتطلب رضى البطريرك الماروني نصر الله صفير، وتقنعه بأن المحاصصة المذهبية وموقع الموارنة مصانان. تتعامل الطائفة السنية بقيادتها الوحيدة وكأنها الرابح الأكبر من حالة الفراغ في البلاد، وتنسى أن المعارضة تتهددها بالويل والثبور وعظائم الأمور، أو كما يصف أحد القادة في المعارضة بأن المرحلة الحالية هي مرحلة هدوء ما قبل العاصفة لا أكثر.
وترصد أقطاب معارضة تحولات وليد جنبلاط، التي حتى اللحظة ليست أكثر من عودة إلى المنطق والدعوة إلى تفاهمات محلية مع سقف خطابة منخفض، وتدارك للاشتباكات الميدانية لا غير، إلا أن المصادر هذه تبدي قناعتها بأن جنبلاط سيتجه بهدوء نحو تحالف الموارنة والشيعة في نهاية المطاف، أي نحو تحالف ميشال عون وحزب الله وحركة أمل، فيما سيبقى السنّة خارج معادلة تقاسم السلطة في لبنان.
أوساط في المعارضة وتحت وقع ضغط الأسئلة تقوم بنقد حقيقي لممارستها السياسية في المرحلة الماضية قبل الدخول في وصف الآتي: ضعف الاتصال والتنسيق بين قوى المعارضة أدى دوره في فشلها بتحقيق مجموعة من الأهداف التي طرحتها، كرحيل الحكومة والإتيان بحكومة وحدة وطنية، وغيرها من شعارات كانت واجهة لحالة من الفوضى الداخلية بين هذه القوى والأطراف، وفي النهاية سجّل كل طرف في المعارضة لائحة أولويات مختلفة جذرياً عن الطرف الآخر.
وفي النتيجة كانت الخيارات لدى المعارضة بين السيئ، أي بقاء الحكومة، والخطير، أي وقوع الحرب الأهلية، فهربت المعارضة من الدم نحو الخسارة السياسية، كما ينقل أحد القادة في المعارضة عن زعيمها الأول.
إلا أن القيادي نفسه يقول إن المعارضة سارت خطواتها إلى الوراء خلال الأعوام القليلة الماضية، وهي ما زالت تشتم رائحة الحرب الأهلية إلى اللحظة، لكنها وضعت خصمها في موقع المكبّل، وغير القادر على الحراك، رافعة الهراوة فوق رأسه طوال الوقت، والحكومة تعلم أن محاذير المعارضة هي محاذيرها نفسها، أي ملف سلاح المقاومة وانتخابات رئاسية بالنصف زائداً
واحداً.
الواقع الراهن يطرح ما هو أبعد من تحولات وخسائر تكتيكية بسيطة أو متوسطة، فـ«الطائفة السنية تتجه نحو استعادة دورها التاريخي الذي اكتسبته منذ عام 1975»، كما يقول أحد القادة السنّة في المعارضة، هذا الدور هو ببساطة «مكسر العصا» لكل الصراعات والطائفة الكبيرة والهامشية في آن.
وتذهب الحكومة الحالية إلى حفلة الشواء في أنابوليس، ولكنها لا تعلم أنها ربما ستعود كالأيتام إلى مأدبة اللئام، وخاصة أن المؤتمر نفسه لا يحمل أي وعود جدية، وإن كان المأخذ على سنّة المعارضة هو محاولة تغييرهم للواقع الراهن عبر انتظار خطوات حلفائهم الأقوياء، من دون مدّ جذور قواعدهم عميقاً بين أبناء طينتهم في بلاد مقسّمة مذهبياً، وبالتالي انتظار تغيير من دون القيام به، فإن قوى الموالاة السنية تستنزف تجمعاً عاطفياً، وعصبية مذهبية، إما تنفجر بين يديها وبوجه أخصامها، واما تبهت مع مرور الوقت وتذوب وسط واقع تقاسم جديد للسلطة.
يشكو العديد من المعارضين السنّة من واقعهم، حيث يذهب التحالف بين الأقوياء في النهاية، وبحسب القوانين السياسية، إلى فرض تسوية ترضي القوي ولا تلحظ مصالح الهامشيين. ويشكو هؤلاء من أن القادة السنّة يتكاسلون في تأدية دور فاعل، وأن تيار المستقبل لا يبحث جدياً في دور السنّة في لبنان، وأن خدراً لذيذاً يُغرق المؤسسة الدينية الممثلة لهم، التي تكتفي بدعوة النواب إلى الذهاب إلى المجلس النيابي يوم الانتخاب.
ويشكو السنّة من أن الأقطاب السنّة المعارضين نسوا أن المملكة العربية السعودية، شاؤوا أو أبوا، هي ممثلة مصالحهم في لبنان، وراعيتها، وأن دورهم يتحدد عبر علاقة تفاوضية ومسار تفاعلي مع السعودية، بينما ينأى المعارضون السنّة بأنفسهم عن السفارة والمملكة خشية اتهامهم بـ«العمالة»، في الوقت الذي لا تخشى فيه الطوائف الأخرى من إشهار تحالفات تمتد من دمشق وطهران، فالرياض، وباريس، وصولاً إلى واشنطن. ويستفيد الكل من واقع التمثيل المحلي المدعوم من قوى خارجية، عدا السنة المعارضين الذين، بحسب مصدر معارض، آن أوان تفكيرهم بجدية في مستقبلهم ما دام تيار المستقبل يركض سعيداً نحو واشنطن، وقياداتهم التاريخية تعرضت لضربات قاصمة، ومعارضتهم تنتظر تفاهم الأقوياء.