طاريا ـ رامح حمية
لم يشفع قرار وزارة الدفاع تجميد رخص الأسلحة في لجم غزو جحافل الصيادين سهل البقاع، وخصوصاً في سهول بعلبك ـــــ الهرمل الشاسعة، قادمين من مختلف المناطق اللبنانية، لا يحدّ من رغبتهم في الصيد أي رادع بيئي أو أمني، ولا حتى ارتفاع سعر الخرطوش.
إنه موسم «المطوق» و«الزرازير» و«الدرّس» و«السمّن»، وهو الموسم الذي تضج فيه سهول اللبوة وإيعات وبوداي وطاريا بمئات الصيادين الوافدين من بيروت والجبل والجنوب، مشعلين «جبهات قتالية» ضد هذه الطيور «العابرة» والمهاجرة من أوروبا وتركيا باتجاه أفريقيا (مصر)، متخذة من البقاع ممراً دافئاً، لغناه خلال هذه الفترة بالغذاء الوفير نتيجة جني المحاصيل الزراعية.
ويجد الصيادون في هوايتهم المفضلة «أمراً يستحق التخطيط والمغامرة والعناء»، كما يقول «أبو جورج» (55 عاماً) الذي كان متربصاً برفوف المطوق في سهل بلدة طاريا، وقد بدت غلّته كبيرة، 170 مطوقة وزرزور واحد. وتابع قائلاً: «الصيد بالنسبة إلي هوس، وليس هواية أو رياضة. فأنا أقصد أماكن الصيد، وإذا كانت القوى الأمنية تنفّذ يوماً أمنياً أعمد إلى إرسال عدة الصيد قبل يوم أو يومين إلى المنطقة المقصودة خلال فترات النهار، ومن ثم أنتقل ليلاً أو فجراً دون أن يكون بحوزتي أي غرض يدل على أنني صياد».
وعن تطبيق قرار منع الصيد يقول: «الدولة غير مهتمة بالبيئة، ويظهر ذلك من خلال تساهل القوى الأمنية في تنفيذ قرار المنع». وتساءل: «لماذا لا تمنح رخص للصيادين يجري بموجبها السماح بالصيد في فترات محددة، ولأنواع معينة من الطيور فقط؟ ولماذا لم تعمد الدولة إلى تنفيذ مشاريع الصرف الصحي ومعالجة جبال النفايات والتلوث الحاصل في العديد من المناطق اللبنانية؟ المسألة لا تتوقف على صيد المطوق فقط».
ربيع أ. صياد من جبيل، اختار سهل إيعات لعائلته ولأصدقائه، وقد امتزجت أصوات الأولاد «وقعت وقعت.. لمّها» مع أصوات الطلقات النارية المتواصلة وآلات النداء التي تطلق صوت «المطوق»، في محاولة تضليلية خادعة للطير بهدف جذبه وقنصه. ويرى ربيع «أن الصيد رياضة من جهة ورحلة استجمام عائلية من جهة أخرى، القصد منها الترفيه عن النفس في ظل الأوضاع الضاغطة في البلد وعلى جميع الصعد».
وأضاف قائلاًَ: «هناك عوائق تواجه الصيادين، في مقدّمها القوى الأمنية. والعائق الآخر هو سعر صندوق الخرطوش الذي بلغ 120،000 ليرة لبنانية، وكل رحلة صيد «مطوق» تتطلب كحد أدنى نصف مليون ليرة، لكونه صيد «قنص» وليس صيد «ربط»، ويحتاج إلى استهلاك كميات كبيرة من الخرطوش».
بدوره عبّر أحد الصيادين عن المصاعب التي يواجهونها بقوله: «نحن نغامر في رحلة الصيد. ففي بعض الأيام «نهرب من خروم الشبك»، ونصبح فارّين من وجه العدالة». وننتقل أحياناً أخرى بسهولة دون أن يكون هناك أي رادع أمني». ورجّح «أن يكون السبب انشغال القوى الأمنية بالاستحقاق الرئاسي».
مصدر أمني في المنطقة أوضح لـ «الأخبار» أن القوى الأمنية خلال هذه الفترة، وبالنظر إلى الظروف السياسية، خصوصاً الرئاسية التي يمر بها البلد، لم تعمل على قمع حركة الصيادين، وبالتالي تطبيق قرار منع الصيد». ولفت المصدر الأمني إلى أنه ومنذ فترة وجيزة، نفذت القوى الأمنية بعض التوقيفات بحق صيادين وفانات تعمل على المازوت، إلا أنه، وفي وقت لاحق، صدرت أوامر بإطلاق سراحهم».
وإذا كانت قرارات منع الصيد لم تحدّ من حركة الصيادين، فإن الأزمة الاقتصادية والمعيشية كانت رادعاً وإن كان بسيطاً. يتحسر علي ز. على هواية الصيد التي باتت حكراً على الطبقة الثرية القادرة على شراء الخرطوش، ذلك أن الصياد المحدود الدخل، وفي ظل الأوضاع الاقتصادية والمعيشية المتردية، يجد صعوبة في تأمين مستلزمات رحلة الصيد. فهو لا ينفك يفكر في تأمين لقمة عيش عائلته، بعيداً عن أمور الترفيه وممارسة الهوايات المفضلة».
وبانتظار تنظيم أمور الصيد، تبقى بيئة البقاع الخاسر الأكبر، ولعلّ الاستحقاق الرئاسي ينتهي ويتوقف عن دعم الصيادين.