إبراهيم الأمين
ماذا يفعل وليد جنبلاط؟ ماذا يريد وليد جنبلاط؟ ماذا أريد لوليد جنبلاط؟
الأسئلة كثيرة في بيروت وضواحيها، لكن لا أحد سيتورط في لعبة الإجابات. السبب بات معروفاً لدى الفريق الذي تسنّى له الاطلاع على قسم من «الاتصالات الأخيرة». لا يريد الكلام. إما لأن المجالس بالأمانات، وإما منعاً لتأويل أو تفسير في غير محلّه. أما من هم خارج النص، فإنهم يتلمسون ما يجري بالجسّ والتكهّن. لا يكثرون الكلام خشية أن يكون الرجل قد تورط في أمور أخرى أكبر وأشد قسوة. وهذا ما يسود أجواء الفريق المقرّب منه وزارياً ونيابياً. لكن المشكلة الكبرى موجودة لدى الحلفاء في تيار «المستقبل» وفي «القوات اللبنانية» وأيتام «قرنة شهوان».
حقيقة الأمر ليست محلية المنشأ في الأساس. جنبلاط الذي زار الولايات المتحدة قبل مدة، كان يريد أن يعرف أموراً كثيرة: هل هناك حرب قريبة على إيران؟ هل هناك حرب إسرائيلية قريبة على سوريا أو على حزب الله في لبنان؟ ما هو حجم التفويض المعطى أميركياً لأوروبا في إدارة الحوار مع سوريا حول أمور كثيرة بينها لبنان؟ ما حقيقة الموقف الأميركي من احتمال حصول انقلاب بين القوى الحليفة لسوريا في لبنان؟ وهل يكون الموقف على شاكلة مجموعة مواقف داعمة إعلامياً وسياسياً دون أي نوع من التدخل المباشر؟
حظي جنبلاط بحفاوة معقولة. التقى من كان يودّ أن يلتقيهم. وسمع كلاماً عاماً: نحن معكم ولا تخشوا الآخرين، سوف نكون إلى جانبكم، ومجلس الأمن حاضر لاتخاذ القرارات المطلوبة لحماية تجربتكم.
قبل ذهابه إلى الولايات المتحدة كان جنبلاط يعبّر عن غضبه من الموقف الخارجي: يقولون إنهم معنا، وإنهم يريدون تنفيذ القرار 1701، ومنذ توقف الحرب والحدود مفتوحة بين سوريا ولبنان، وحزب الله عزز قدراته بأكثر مما يتوقع الكثيرون، وليس عند الغربيين سوى بيانات التنديد. القتل يستمرّ ضدّنا ولا أحد يتدخّل ليقمع سوريا. وعندما سأله أحد الحضور في ندوته في مركز واشنطن عن المطلوب لمنع سوريا من التدخل في لبنان قال جنبلاط: أرسلوا إليها السيارات المفخخة. ثم عاد وقال إنه يمزح لكنه يعبّر بطريقة ما عمّا يجب فعله ضد سوريا.
عاد جنبلاط أكثر إحباطاً. وما ان وصل إلى بيروت حتى كانت الأخبار عن التواصل بين الأميركيين وسوريا عبر الأوروبيين تتعاظم. ليس هناك رغبة أميركية في صفقة مع سوريا. وفرنسا تقول كلاماً عالياً: إننا نتحدث بلهجة حاسمة مع سوريا، لقد أبلغنا دمشق موقفاً متشدّداً، حذّرناها من التدخل. لكن في حقيقة الأمر، كان جنبلاط يطلع تدريجياً على تفاصيل التواصل الأميركي ـــــ الأوروبي ـــــ السوري. وكان أن سمع العبارة الفرنسية السحرية: لا مجال لتجاوز سوريا في الملف اللبناني.
داخلياً، كان جنبلاط يشعر بالخناق يضيق عليه. راهن كثيراً على التعبئة المفتوحة في الشارع السنّي ضد حزب الله وضد المقاومة، وقدّر أن أي تحرك عنيف من جانب حزب الله يعني دفعه الى فتنة سنية ـــــ شيعية وفتنة تضرب عصَب المقاومة في لبنان وفي فلسطين. وكان يقلّل من أهمية ما يجري على صعيد قوى المعارضة في الجبل وإقليم الخروب. لكنّ تقارير أنصاره وتقارير فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي كانت تتحدث عن تطورات ميدانية لافتة. لقد بات في مقدور وئام وهاب وزاهر الخطيب والقوميين في الجبل والإقليم وعاليه مواجهة أنصاره بالسياسة وبالسلاح. درّب حزب الله المئات من أنصار هؤلاء. وتمّ تسليحهم علناً. وفي بيروت أجرى جنبلاط مراجعة «الأرض» فأظهرت له أن المواجهة إذا حصلت فستكون منحصرة في الجبل، وتحديداً في قلب البيت الدرزي، ولن يكون هناك استعداد عملي من جانب تيار «المستقبل» لخوض معركة عنه. هذه المرّة شعر جنبلاط بأنه ليس في لبنان من يقاتل عنه كما جرت العادة.
وعليه، كان على جنبلاط أن يختار سريعاً وجْهة السير. الأزمة الداخلية تصل إلى الحدود القصوى، والقدرة على انتخاب رئيس بالنصف + 1، ممكنة، لكن حماية هذا الإجراء غير مضمونة، وليس هناك من يضمن أن يصل الرئيس الجديد إلى القصر الجمهوري، وما نقله إليه النائب سعد الحريري عن مناخ التفاوض بينه وبين الرئيس نبيه بري، وما يجري عندنا وما يجري من حولنا، كل هذا كان كافياً لأن يبادر جنبلاط إلى خطوة لم يقم بها منذ زمن بعيد: أقفل باب غرفته على نفسه، دعا من يثق به تمام الثقة، وأعدّ مجموعة قرارات، تبدأ بإبلاغ جميع كوادر الحزب وفي كل المناطق بالانسحاب من الشوارع والبقاء في المنازل وتفادي أي نوع من المواجهات الكلامية أو غير الكلامية مع الآخرين، ثم كانت التعليمات الإضافية التي تقول إن على مسؤولي الحزب التواصل مع الآخرين في معزل عن الخلاف السياسي معهم. وفي بيروت، كان جنبلاط قاسياً مع مجموعة من أنصاره في وطى المصيطبة: من يحرق منكم دولاباً فسوف يعتقله الجيش ولن نسأل عنه!.
وبينما كانت التعليمات تصل تباعاً إلى الأنصار، كان جنبلاط يعدّ رسالة إلى من يفترض بحسب قاموسه السياسي أنهم قتَلَتُه، وفيها كلام كثير، أما موجزها فهو كلمتان: سامحونا وارحمونا!.