القاهرة ــ الأخبار
ما بين الخطين الأبيض والأسود فى لبنان، يبقى الموقف المصري لافتاً على المستويين الرسمي والشعبي فى انتظار خروج الدخان الأبيض من مقر مجلس النواب اللبناني معلناً نهاية المخاض الصعب واختيار الرئيس التالي للجمهورية اللبنانية خلفاً لإميل لحود.
فى شوارع بيروت، وبين جدران مجلس النواب، وخلف المتاريس الأمنية التي تسمح باجتماعات متفرقة للفرقاء اللبنانيين، تبحث القاهرة عن دور ضائع واستعادة نفوذ كان يوماً حاضراً بقوة ليس فقط على الساحة اللبنانية، بل على الساحة العربية كلها.
لم يكن جديداً هذا الكلام الذي سمعه أخيراً سفير لبنان في القاهرة خالد زيادة من وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط، لكن الجديد، كما يقول العديد من الخبراء والمحللين، هو هذا الزخم المصري الفائق وغير المعتاد تجاه ملف بلاد الأرز.
بيد أن الربابة المصرية التي لم تعد تجد صدى في خريطة العالم العربي من المحيط إلى الخليج بفعل العديد من المتغيرات، باتت تجد من يطرب لسماعها فى بيروت هذه الأيام، هكذا قال ديبلوماسي غربي لـ«الأخبار» تعليقاً على ما وصفه بحالة «الولع السياسي المصري» بالشأن اللبناني.
يرى المفكر المصري طارق حجي أن الدور المصري تقلص لأن الرئيس حسني مبارك ما عاد راغباً في القيام به لعوامل كثيرة، منها ما هو عائد إلى انشغاله بملف التوريث والانكفاء على الداخل في مشاريع تنموية غير مكتملة.
لم يكن حجي وحده هو من يرى هذا التقلص، فأحدهم وضع كتاباً حديثاً عنوانه «مصر دولة ضعيفة ونظام قوي» في سخرية واضحة من تناقض المشهد.
الشأن اللبناني بالنسبة إلى المصريين هو ذكريات الأفلام السينمائية القديمة وليالي شارع الحمرا وأغاني فيروز والصبّوحة ووديع الصافي مع هامش عمل محدود لعمال محدودي المستوى يرغبون في تجربة حظهم بعدما أغلقت دول الخليج أبوابها وامتنعت دول الاتحاد الأوروبي عن فتحها.
لكن بالنسبة إلى صانع القرار في قصر الرئاسة الشهير بالاتحادية في ضاحية مصر الجديدة شرق القاهرة، ينقسم ملف لبنان جزءين أحدهما ذو طبيعة أمنية واستخبارية بحتة يتولاه مساعدو رئيس جهاز الاستخبارات المصرية اللواء عمر سليمان الذي يتردد أنه يتلقى يومياً تقريرين على الأقل في ما يخص الوضع فى لبنان، الجزء الثاني سياسي وديبلوماسي في عهدة وزير الخارجية أحمد أبو الغيط.
لكن القرار يبقى في النهاية في ذمة مبارك الذي يعتقد البعض أنه فى مرحلة لاحقة قد يصل إلى نصف المشوار الذي قطعه فى الخمسينيات سلفه الراحل جمال عبد الناصر في اتجاه بيروت.
في القاهرة ثمة من يرفعون شعار «لا بد من بيروت، وإن طال السفر»، هذه الأيام، فيما مصر تلقي بكل ثقلها لتحقيق مصالحة وطنية تتفق على إيجاد نهاية سعيدة لفيلم الختام اللبناني فى مرحلة الاستحقاق الرئاسي الذي لا يأتي بسهولة.
مصر رفعت يدها فى السبعينيات عن لبنان وتبنّت هذا الشعار الذي أطلقه الرئيس الراحل أنور السادات، فيما يعتقد الدكتور عماد جاد رئيس تحرير دورية «مختارات إسرائيلية» الصادرة عن مركز الأهرام الاستراتيجي أن مصر الآن ليست مستعدة لتأدية دور يشتاق إليه اللبنانيون كجزء من التراجع العام في الدور الإقليمي لمصر.
الموقف الرسمي هو أن مصر على مسافة واحدة من جميع الفرقاء، ولكن عملياً الموقف أقرب إلى قوى الأغلبية، كما يقول جاد لـ«الأخبار».
على المستوى الشعبي، المصريون لا يبالون عادة بما يجري في العواصم العربية إلا فى الأزمات، أما على مستوى النخبة فثمة إعجاب لا يخفى بالتجربة اللبنانية وبقدرة سياسيّي لبنان على التماهي أحياناً والتقاطع في أحيان أخرى مع مواقف الآخرين.
في ذهن البعض ما زالت صورة لبنان هي البلد الجميل التعددي، ولدى قطاع آخر هي صورة المقاومة وحسن نصر الله وحزب الله والقدرة على التصدي للآلة الحربية الإسرائيلية على النحو الذي جرى صيف العام الماضي.
ديبلوماسي مصري سابق قال لـ«الأخبار»: «إنهم (اللبنانيون) يمارسون السياسة كما يتنفّسون الهواء، نموذج صعب لا يمكن تكراره».
فى كل الأحوال الاهتمام الرسمي بلبنان لا يوازيه اهتمام شعبي سوى في النخبة المثقفة، بيد أن الجالس على عرش القاهرة يرى في بيروت مناخاً لاستعادة مجد الباشا القديم، ولكن تلك قصة أخرى!
يلاحظ جاد أنه لا انعكاس للوضع السياسي في لبنان على ما يجري فى مصر لأن الوضع معقد بحكم التركيبة اللبنانية المعقّدة أساساً. ووفقاً لوجهة نظره، الموقف الشعبي ملتبس، ولكن الرسمي غير ملتبس، فمصر تعرف معظم اللاعبين في الميدان اللبناني.
وأضاف «مسرحنا التقليدي في الأراضي الفلسطينية المحتلة والسودان. انظر إليه وستعرف كيف تراجع دور مصر، وقارن ذلك مع ما يراد على خشبة المسرح اللبناني»!.