أنطوان سعد
تراوح مواقف القيادات المسيحية الرئيسية من مبادرة البطريرك الماروني مار نصر الله بطرس صفير، باستثناء الوزير السابق سليمان فرنجية، بين التشفّي وتحميله بعض المسؤولية في الوصول إلى الحائط المسدود. طبعاً، لا أحد غير السياسيين المسيحيين المعنيين مباشرة بالاستحقاق أو لهم مصلحة خاصة فيه، ينحو باللائمة على سيد بكركي، لا رجال السياسة غير المسيحيين، من موالاة ومعارضة، ولا المراجع الدولية.
وبأية حال، وبحسب معلومات أكدتها شخصيات سياسية ونقابية مسيحية رفيعة، لم تكن المشاورات التي يجريها رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون في الرابية مع القيادات والفاعليات المسيحية، لتبدو هزيلة بعض الشيء لو لم يشنّ الجنرال هجوماً على سيد بكركي وينصّب نفسه «بطريركاً سياسياً» إزاء، إن لم يكن في مواجهة، البطريرك الروحي. فحتى الذين زاروه يوم الاثنين، حرص معظمهم على أن ينأى بنفسه عن الظهور بمظهر المبايع لعون بالبطريركية: الوزير السابق مخايل الضاهر أوضح أن موعده مع الجنرال محدد قبل الدعوة إلى المشاورات، الرابطة المارونية أيضاً طلبت الموعد قبلها، وهي تقوم بجولة على مختلف القيادات، والنائب السابق جبران طوق شدد على ضرورة أن تشمل القيادات المسيحية المنضوية في قوى الرابع عشر من آذار.
بعد مرور خمسة أيام على الشغور في منصب رئاسة الجمهورية، يتضح أن استراتيجية القوى المسيحية تتوزع على ثلاثة خطوط:
ـــــ الخط الأول هو خط العماد ميشال عون الذي يبدو أنه يحضّر لتصعيد كبير. وعلمت الأخبار من مصادر موثوقة أن التيار الوطني الحر يحثّ حزب الله على تنظيم تحرك احتجاجي كبير اعتراضاً على خلوّ موقع الرئاسة، وإمعاناً في إحراج الوزراء المسيحيين في الحكومة، واتهامهم بعدم تمثيل المسيحيين، وتذكيراً بغياب التمثيل الشيعي الكامل.
ـــــ الخط الثاني هو خط مسيحيّي قوى الرابع عشر من آذار الذي يحاول التقليل من شأن خطر الفراغ في سدة الرئاسة الأولى على حاضر الدور المسيحي في لبنان ومستقبله، خشية أن تنجح محاولات عون التعبوية. وهو مستمر أيضاً في تغطية الحكومة، على رغم كل محاولات الإحراج التي يعدّ لها التيار الوطني الحر وحلفاؤه. وكما بقيت صامدة في السنة الأولى على استقالة الوزراء الشيعة، ستبقى صامدة حتى موعد إجراء الانتخابات النيابية في ربيع سنة 2009. وبذلك يكون الطرف المسيحي في قوى الرابع عشر من آذار قد حرم العماد عون طوال أربع سنوات من استثمار فوزه في الانتخابات النيابية الأخيرة.
ـــــ الخط الثالث هو خط البطريرك الماروني الذي يحاول تهدئة اللعبة السياسية والنفوس والخواطر، على ما ظهر في عظة الأحد الأول بعد الفراغ الرئاسي، بانتظار توافر رياح ملائمة لسفن الانتخاب الرئاسي. فهو يدرك تمام الإدراك مخاطر شغور سدة الرئاسة على الدور المسيحي، حاضراً ومستقبلاً، لكنه يعلم أيضاً مخاطر التعبئة الشعبوية فيما الأفق السياسي مسدود، والأوضاع على حالها في الصف المسيحي بين طامح جامح نحو الرئاسة وطامح لقطع الطريق على الطامح للرئاسة. ولا يبقى أمام سيد بكركي في هذا المجال سوى تمسكه بلائحة المرشحين التي قدّمها لرئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس كتلة نواب تيار المستقبل سعد الدين الحريري.
وبما أن الوضع مقفل حتى إشعار آخر، وبانتظار أن يستأنف بري والحريري تشاورهما حول لائحة البطريرك، أو يهبط من السماء حل سحري لم يخطر بعد على بال أحد من المسؤولين المحليين والدوليين، لا يزال المخرج الوحيد المتاح هو انعقاد الاجتماع المطوّل الثالث بين الوزير السابق ميشال إده والحريري، ونجاح التفاهم بينهما. فرئيس المؤسسة المارونية للانتشار والرئيس السابق للرابطة المارونية، بتاريخه وحاضره، وما يمثله وما يختزنه، وما قيل إنه وعد به عون، من شأن التفاهم عليه أن يريح البلاد ويقيها شر الخضات ولو إلى حين إجراء الانتخابات النيابية.
يبقى أن الأوساط القريبة من بكركي يهمها أن توضح النقاط التالية:
ـــــ قدّم البطريرك لائحته بعد 51 يوماً على بدء المهلة الدستورية، وقبل 9 أيام على انقضائها، وبعد مناشدات ووعود وضمانات قد تكشف في الوقت القريب. ولو لم يتقدم بها لكان التساؤل اليوم، ترى لو أنه قدم لائحة هل كانت جرت الانتخابات؟
ـــــ استقبل سيد بكركي رئيس الحكومة فؤاد السنيورة على الكرسي البطريركي، وهو عادة يجلس إلى كرسي عادي بالقرب من الضيف الذي يريد إكرامه.
ـــــ إن الدعوة إلى تناول طعام الغداء يوجهها سيد بكركي عادة إلى كل من يزوره ظهراً.