غسان سعود
رغم مظهره الخارجي الغريب، يجذب فادي جدعون، الطلاب، ولا يتردد في تشجيع زملائه على اعتنـاق مبادئ تضاهي بغرابتها الأوشام التي تملأ جسده

بطريقة استثنائية، يتعرف الطالب في معهد الفنون الجميلة في الجامعة اللبنانية فادي جدعون إلى الطلاب في أيّ كلية حلَّ. ويصبح بسحر ساحر صديق الجميع من دون تمييز طائفي أو مناطقي أو حتى طبقي. ورغم غرابة مظهره الخارجي، وخصوصاً شعره المجعّد الطويل والأوشام التي تغطي جسمه، يكسر جدعون بسرعة الحواجز التي يقيمها البعض، ويتحول «شكله المخيف» إلى شيءٍ آخر يعجب الطلاب الذين يتشجعون في الدفاع عنه، مؤكدين أن «الحكم على المظهر الخارجي أمر لا يجوز».
في معهد العلوم الاجتماعية ـــــ الفرع الثاني، خرق جدعون تقاليد الطلاب الدينية والاجتماعية مجاهراً بمبادئه التحررية. ورغم القلق الذي يساور غالبية الطلاب من «هؤلاء الضائعين»، تمكن جدعون من القفز بخفة «فوق المقاييس» وجمع حوله الطلاب ليحدثهم عن ضرورة ممارسة الجنس قبل الزواج، و«عظمة الموسيقى التي تكاد تساوي عظمة الآلهة».
لكن انشغال ابن بلدة قرنة شهوان بتعزيز صداقاته الكثيرة وتوعية زملائه، حال دون متابعته معظم الصفوف. ووجد في نهاية العام الدراسي أنّ عدد الأصوات التي نالها في الانتخابات الطالبية في كليته يتخطى بكثير عدد العلامات التي نالها في امتحاناته.
ومن العلوم الاجتماعية، انتقل جدعون إلى دراسة إدارة الأعمال في الجامعة العربية المفتوحة حيث شعر بسهولة الحصول على الشهادة ـــــ الفيزا الضرورية للسفر إلى أوستراليا بهدف متابعة الخطة التي يضعها لمستقبله. لكن «عدم تطلب اختصاصي الكثير من الوقت، شجعني على مطاردة أحلامي فتسجلت في اختصاص التمثيل والإخراج في معهد الفنون الجميلة».
والمفارقة «الجدعونية»، أنه اختار الفرع الأول لدراسة التمثيل لا الفرع الثاني الأقرب إلى منزله، ليكون بذلك من أوائل الطلاب المسيحيين الذين أقدموا على هذه «المغامرة»، كما يسميها جدعون، الذي وجد أنّ الجو في الفرع الأول أكثر ملائمة للدراسة منه في الفرع الثاني. ويدافع فادي عن الفرع الأول، شارحاً أن المبنى رائع والجامعة، رغم الغالبية المسلمة، تضم تنوعاً في الأفكار والانتماءات، مشيراً إلى أن أهل الفرع الأول تقبّلوه مثل أهل الفرع الثاني وربما أكثر. أما صعوبة الانتقال من قرنة شهوان إلى الحدث، فيحلها جدعون «باحتلال» زاوية صغيرة من غرف زملائه الكثر في مناطق قريبة من الجامعة.
إلى جانب الدراسة، يولي جدعون أهمية خاصة للعلاقات الجنسية، حيث يفترض بالطلاب الجامعيين «أن يكتشفوا العالم بكل مكوّناته». ويرى في «العفة» كذبة كبيرة تفوت على أهلها «لذّات» لا يمكن تعويضها بعد مرور الزمن. ويتحدث فادي عن الانعكاسات السلبية للكبت الجنسي على نفسية زملائه وسلوكهم. أمّا أهله، فقد اعتادوا التعايش مع مبادئه، و«يحاولون التأقلم بهدوء مع ما يفاجئهم أحياناً». يذكر أنّ متابعة فادي لاختصاصين جامعيين فرضا عليه عدم العمل وانتظار المئة ألف ليرة التي يعطيه إيّاها والده أسبوعياً، فيما يموّل سهراته الأسبوعية من رسم الوشم الذي يتقنه بمهارة، ويقصده من أجله شبان من مختلف المناطق اللبنانية. ويأمل جدعون خيراً من افتتاح صديقته أخيراً صالوناً نسائياً، خصصت فيه غرفة لأوشامه. وبجديّة، يتحدث جدعون عن مستقبله، لافتاً إلى أن بعض الصعوبات المالية أخّرته في المضي وراء حلمه بامتلاك شركة إنتاج تقدم نوعاً حديثاً من الموسيقى. ويعود خطوتين إلى الوراء، طالباً ذكر أنه غير كافر، وأنه يؤمن بالله، مشيراً إلى حكم كثيرين عليه بسبب مظهره الخارجي بأمور غريبة. ويستدرك قائلاً: «لكن إلهي لا يشبه بالضرورة الآلهة الذين يتقاتل الناس في التظاهر بالتعبد لهم». ومن الدين إلى السياسة، يشدد جدعون قبل أن يمضي في طريقه على أهمية العمل السياسي، مشيراً إلى أن اهتماماته المتنوعة لم تمنعه عن الانشغال بالقضايا السياسية التي تشغل المواطنين، كل المواطنين من دون استثناء بحسب ابن قرنة شهوان، الذي يختم حديثه بالإشارة إلى كرهه الشديد للسياسيين الذين التصق اسمهم ببلدته المتنيّة الصغيرة.