باريس ــ بسّام الطيارة
هل انقطعت شعرة معاوية بين الأكثرية النيابية اللبنانية والديبلوماسية الفرنسية؟ سؤال يطرح نفسه في ضوء «التململ المكهرب» الذي يطغى على ردات فعل بعض الأوساط الفرنسية عندما تتطرق إلى ملف الانتخاب الرئاسي المتعثر.
يشير أحد المقربين من ملف لبنان إلى تصريحات بعض رجال الأكثرية التي «تجاوزت إطار الدلع لتصل إلى حد الصلافة» في تناولها لمواقف الديبلوماسية الفرنسية في الأيام التي سبقت انتهاء المهلة الدستورية لانتخاب رئيس. وفي إشارة إلى «ما سرّب من مصادر لبنانية» عن تضايق وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير من مبادرات الرئيس نيكولا ساركوزي وإرساله مبعوثين مقربين إلى دمشق، لا يتردد مصدر ديبلوماسي مطّلع في القول بحنق «هل يظنون أن فرنسا جمهورية موز؟». وفي إشارة ثانية إلى اتهامات بعض نواب الأكثرية لساركوزي بـ«السذاجة» لفتحه حواراً مع دمشق، يتابع المصدر مشدداً على «المسلك الأناني» لبعض هذه القوى التي «ترى مصلحتها الذاتية فقط» في كل حركة ديبلوماسية «تدور حول لبنان» ولا تريد الاعتراف بأن «فرنسا دولة كبيرة لها مصالح تتجاوز حدود بلاد الأرز».
ويستطرد بأن لفرنسا أيضاً مصالح في سوريا بعيدة جداً عما «يسطّر على صفحات الإعلام» من «سيناريوات مكيافيلّية»، مذكّراً بأن سوريا كانت ولا تزال ضمن المناطق التي «يُعترف فيها لفرنسا بنفوذ ما» ثقافي واقتصادي وسياسي أيضاً يتجاوز «إطار لبنان»، وأن ساركوزي إذ استعمل هذا النفوذ لمساعدة لبنان فهو «تصرف ضمن سياق منافع فرنسا» التي للمناسبة تصبّ في مصلحة لبنان كما رأتها باريس.
ويحذّر هذا المصدر تحذيراً ملطّفاً من أن على الأكثرية أن تميز بين «الأصدقاء الدائمين والمرحليين»، ويضيف أن فرنسا قالت «بصراحة وبصدق أنها صديقة كل اللبنانيين بلا تمييز»، مذكّراً بتصريحات ساركوزي في هذا الشأن.
وفي شرح أقل حدّة يقول أحد الخبراء العاملين على الملف اللبناني «إن لفرنسا مصالح ثابتة في لبنان منذ عقود» وسياستها ثابتة لا تتغير، و«قد تتغير المقاربة إلا أن الأهداف العليا لهذه السياسة لا تتغير». ويضيف «حين تقول الديبلوماسية الفرنسية إننا لن نترك لبنان يقع في الفوضى فهي تعني ذلك لأنه من ضمن المصالح العليا لفرنسا»، مردفاً «إلا أن بعض الفرقاء في لبنان يفهم هذا بأنه خدمة لمصالحه الخاصة والضيقة».
ويضع الخبير «بين هلالين» فترة الرئيس السابق جاك شيراك الأخيرة التي «كانت استثناء في علاقات فرنسا مع لبنان»، ويشدد على أن «زيارة كوشنير 6 مرات خلال أقل من 6 أشهر» لا يجب وضعها فقط تحت عنوان فولكلوري، بل هي أفضل تعبير عن «مصلحة فرنسا في تحييد لبنان عن الفوضى»، لا فقط «خدمة لفريق»، وأن هذا التوجه لا يتغير بتغير العهود وكل رؤساء فرنسا يتبعون هذا النهج الثابت في ديبلوماسية بلدهم.
وترى الأوساط الديبلوماسية بعين غير راضية التصريحات التي تصدر منذ يومين من بين صفوف الأكثرية و«توجّه سهاماً حادةً» الى باريس ومسؤوليها. وتكرر هذه الأوساط كلمة «دلع» بين الجملة والأخرى، واصفة تصرفات الأكثرية بأنها «غير مسؤولة» حين تعتب على الديبلوماسية الفرنسية «التي تعبت وكدّت لإيجاد مخرج للأزمة اللبنانية». وتعود بانتقاداتها إلى فترة إطلاق المبادرة الفرنسية و«البرودة التي استقبلت بها الأكثرية هذه المبادرة»، متسائلة عن الحل الذي كانت تتصوره في غياب التواصل بين الفرقاء والذي سهّله «تمرين سيل سان كلو».
وتعترف هذه الأوساط بأن «الهاجس السوري» يسكن الأكثرية، وهي إذ تقرّ «بإمكانية فهم الأسباب» التي تقف وراء هذا الهاجس، إلا أنها تحذر من تحوله إلى «استحواذ مرضي» يمنع رجالات الأكثرية من عبور قطوع الانتخابات والالتفات إلى «ورشة إعادة الإعمار» في كل الحقول، التي «تتطلب جهود كل الفرقاء» وتعاونهم.