صور ــ آمال خليل
1 كانون الأول 2006: نحو «العرس الوطني الأكبر» في تاريخ لبنان، توجّهت مئات الباصات الصفراء والخضراء والليمونية، من دوّار البص في صور تقلّ آلاف «الثائرين» المتوجهين نحو وسط بيروت «لفتح السرايا الحكومية وهزيمة محتليها»؛ فلهؤلاء ثأر خاص مع هذه الحكومة بالذات منذ انتهاء عدوان تموز.
صغاراً وكباراً حملوا أمتعتهم للبقاء في العراء أياماً حتى إسقاطها، فهم معتادون على ذلك. حتى أن المزارعين لبّوا نداء التغيير ليقينهم أنهم «ضرورة ملحّة لرفع الواقع الجنوبي المرير الذي يعانيه القطاع الزراعي وبقية القطاعات». وها هو الشعب المنتصر يزحف نحو «الداون تاون للبحث عن حياة جديدة وحكومة تبني وتستحق التضحيات».
يوماً وراء يوم، استقوت المعارضة بحشدها. بينهم قاسم ومحمد وحسن الهائمون في الجنة البعيدة تماماً عن بلداتهم المنكوبة، صديقين وحاروف والعباسية، لدرجة أنهم «وجدوا ضالتهم بين الخيم» وأهملوا أشغالهم ودراستهم؛ حتى أن وزيرة الدفاع الفرنسية ميشال إليو ماري عيّدت ليلة رأس السنة في دير كيفا، فيما هم عيّدوا في «ساحة النجمة أو نيويورك» كما ظنّها قاسم، لأنها في كل الأحوال «لا تشبه ساحة العين» في بلدته حاروف. ليالٍ من العمر أمضاها الشبّان الثلاثة في بلاد العجائب حيث كل شيء جديد بالنسبة لهم حتى البشر! بحث حسن في وسط بيروت عن حفر وزفت مهترئ يشبه الطريق الرئيسية لبلدته العباسية فلم يجد، إلى أن أيقن أن «الضرائب التي يدفعها لا تعود عليه بالخدمات، بل لا تغادر هذه المنطقة».
1 كانون الأول 2007: «وطن الداون تاون حدّق أتذكر من أنا؟». (نوستالجيا) من وحي المناسبة يرددها روّاد الاعتصام: قاسم (19 عاماً) ومحمد (22 عاماً) وحسن (21 عاماً) في جامعتهم في صور حيث يدرسون ويبحثون في الإعلانات المبوبة عن عمل أو عن عرض عادي للهجرة، ويستذكرون الأيام الخوالي في وطن «الداون تاون» ويضحكون من «الشيء الفاشل ومن الظروف التي أدت إلى رحيل أحد رموزهم، إميل لحود. فيما الحكومة، التي لم يسقطوها، حكمت البلد». الثلاثة امتثلوا باكراً للخيبة من الاعتصام، فبعد أسابيع استفاق قاسم من «وهم التغيير» والظنّ بأنه لن يضطر إلى الهجرة وعاد البحث عن «فرصة السفر الأنسب بعد أن سبقه إخوته وأقرباؤه». وجد محمد أن «لا قضية تجبره على البقاء هناك طالما أن حشد المليون ونصف مليون لم يسقط الحكومة منذ اليوم الأول»، معتبراً أن «المعارضة فوّتت عليها وعلينا فرصاً كثيرة، وأن قاطني خيم الاعتصام وخيم التشرد في صديقين المدمرة لأكثر من سنة يؤكدون عدم وجود معارضة وموالاة، بل مجرد مصالح تتفق أو تفترق ونحن وسائلها».
ويقرّ محمد بأن تجربة بلدته أثبتت أن «حتى زعماءه لم يثبتوا أنهم أحرص من السنيورة على المطالبة بحق الشعب المسكين الذي أصبح مديناً في صديقين على سبيل المثال، ليس لهم بل لسلطنة عمان التي دفعت أخيراً للأهالي المتضررين تعويضاتهم ليبدأوا بإعادة إعمار بيوتهم». أما علي عز الدين الذي عرف «الداون تاون» قبل الاعتصام لأنه كان يعمل في المطاعم، فإنه لا يلوم المقتنعين حتى الآن بنظرية «النوم في الخيم يسقط حكومة»، لكنه لا يعتب كذلك على الذين يعتبرون الاعتصام «النكبة الاقتصادية الأعظم في تاريخ لبنان؛ فهم لا يعلمون شيئاً عن قيمة الدين العام أو عن ظروف بائعي الفول والترمس الذين وجدوا فرص عمل في مقابل الآلاف الذين صرفوا من وظائفهم بسببه». ويردف علي بأن الشيء الوحيد الذي كرّسه الاعتصام أنه «عرّف اللبنانيين على بعضهم بعضاً: لبنانيّو اللي فوق على لبنانيّي اللي تحت». وبالرغم من ذلك، يبقى السؤال من دون جواب أو يحتاج إلى تمحيص. وإذا دعاهم الزعماء «للنزول إلى الشارع مجدداً، فهل يلبّون النداء؟».