رامي زريق
مما لا شك فيه أن الدولة اللبنانية أهملت الفقراء منذ إنشائها، إذ يقوم أصحاب النفوذ فيها بتكديس أموالهم (مطلقين على هذه العملية اسم «النمو الاقتصادي»)، بينما تكبر الهوّة بينهم وبين «الأكثرية». يشترون الخدمات الصحية والتربوية الخاصة ويورّثون أولادهم أعلى الوظائف في مؤسسات النهب المنظّم. أما الخدمات العامة كالتي تتعلق بالزراعة والبيئة والإغاثة، فبعدما أهملوها، وجدوا أخيراً استراتيجيا تسمح لهم بالتخلي رسمياً عن مسؤولياتهم، إذ لزّموها إلى القطاع الأهلي. في عالم مثالي تكون جمعيات القطاع الأهلي عاملاً أساسياً في التغيير الاجتماعي: فهي تنشط على مستوى المجتمع المحلي، وتشترك في صياغة السياسات الملائمة. وتنظّم الدولة (القوية والعادلة والصادقة ـــــ في عالم مثالي)، عمل الجمعيات الأهلية وتسهّله وتوفّر البيئة المؤاتية لعمله.
ولبنان، كما يعلم الجميع، ليس عالماً مثالياً. لذلك لا تستعين الدولة بالقطاع الأهلي إلّا للتهرّب من مسؤولياتها تجاه مواطنيها. والأمثلة كثيرة: فهناك مثلاً مئات الجمعيات الأهلية التي تعنى بمسائل البيئة في لبنان، وتعتمد الدولة عليها في تنفيذ المشاريع، إلّا أن حالة البيئة لا تزال تسوء يوماً بعد يوم. وما زالت الحرائق تلتهم سنوياً مئات الهكتارات رغم العمل الدؤوب للجمعيات المتخصصة.
ولا يقع اللوم على الدولة وحدها: فقد أصبحت بعض الجمعيات بمثابة شركات تنموية يقوم فيها المواطنون بأعمالهم مقابل تقاضي رواتب من دون حماسة، فيتحوّل هدف تنفيذ المشاريع من توفير التنمية المحلية إلى ضمان استمرارية المؤسسة. لذا نرى المشاريع تتكاثر ويقوى نفوذ المموّلين، ونشهد ولادة طبقة جديدة من الاختصاصيين في كتابة المشاريع و(عدم) تنفيذها، وتبقى عجلة التنمية تدور مكانها. آن الأوان للدولة أن تتحمّل مسؤولياتها تجاه جميع مواطنيها، وللقطاع الأهلي أن يؤدي دوره في توجيه الدولة ومحاسبتها.