بدأ اللاجئون الفلسطينيون، مع انطلاق الشرارات الأولى لأحداث طرابلس ونهر البارد، بالنزوح من مخيم «البارد» إلى أماكن عديدة أبرزها مخيّم البدّاوي الذي يبعد دقائق معدودة عن المخيم المشتعل. ومع تقدّم العملية العسكرية في نهر البارد، ازداد عدد النازحين الفلسطينيين فوصل إلى حدّ 30 ألف نازح. عجزت منظمة الأونروا عن توفير المساعدات، ولم تستطع الجمعيات الأهلية ملء هذا الفراغ، فتحرّكت الفصائل الفلسطينية لمساعدة «أبنائها»، وتوجّهت بعض الجمعيات المعنية بالعمل الإغاثي إلى «البدّاوي» لتقديم ما تيسّر، إلا أنّ الأزمة لم تعالج.لم تلق حالة النزوح من البارد الاهتمام «المدني» و«الأهلي» اللبناني نفسه الذي لاقاه نزوح المواطنين اللبنانيين من الجنوب والضاحية الجنوبية لبيروت، بل على العكس، قوبل الفلسطينيون بتصرفات عدائية وعنصرية أحياناً، في مناطق عدة في الشمال، إذ اعتبر الشماليون أن الفلسطينيين النازحين هم بصدد «محاولة إقامة مخيّم فلسطيني جديد» خارج سجنيْ البداوي والبارد. نسي اللبنانيون وقتها، بمن فيهم متطوّعو الجمعيات والتجمعات، إنسانيتهم وأكدوا أنهم لم يتخطوا بعد «عقدة اللاجئ الفلسطيني».
لماذا هذا التمييز بين النازح اللبناني والآخر الفلسطيني، مع العلم أنّ هدف الجمعيات الأهلية الأساسي هو التوعية والتنمية نحو مجتمع إنساني عادل؟ الإجابة واضحة وتكمن في غياب «العدو الموحّد» الذي منعت التجاذبات السياسية من تحديده، وكأنّ إغاثة اللاجئ الفلسطيني تعني سياسة معادية للجيش اللبناني أو لكرامة الحكومة اللبنانية.