strong> سارة أنطون
يبدأ طلاّب كلية الإعلام والتوثيق ـــــ الفرع الثاني في الجامعة اللبنانية، مع حلول منتصف الفصل الجامعي، سباقاً مع الزمن. مواعيد تسليم المشاريع الأكاديمية تقترب. لوائح المشاريع تحتدم، فيما يعتري الاستسلام همّة الطلاب. «الحاجة أمّ الاختراع»، أمّا في السباق، فقد تلد الحاجة لدى بعض الطلاب الاقتباس أو الانتحال الفكري بعيداً عن أي اختراع، لتتحوّل بعض المشاريع إلى عملية انتقاء، كبسة زرّ وصفحة أولى يزيّنها اسم الطالب.
«توارث المشاريع» ظاهرة تفتح المجال أمام الطلاب لاختصار جهد العمل التطبيقي عبر الاستعانة بزملائهم ومشاريع السنوات السابقة. وتوضح سمر في هذا الإطار أنّه «غالباً ما يكرّر الأساتذة عناوين المشاريع المطلوبة بين عام وآخر، ما يجعل العملية ممكنة»، وتشير إلى أنّها استعانت بهذه الوسيلة في سنتها الأولى، «في ظل غياب وسائل التدقيق». لكن مدير الفرع الثاني الدكتور أنطوان متّى أكد أنّ الإدارة باتت اليوم أكثر إصراراً على مكافحة مثل هذه الظاهرة، من خلال تنويع الأسلوب التطبيقي للمادّة بين عام وآخر.
صفحات الإنترنت طريق آخر من الجهد مختصر لـ«أهل الحاجة». كلمسة ساحر، بعض نقرات على الفأرة : «انتقاء ـــــ حفظ ـــــ نقل» أو ما هو معروف بالـ«Copy Paste»، تمتلئ الصفحات البيضاء بمضمون قلّما يدّقق فيه. وهنا تشرح ريما كيف أهملت في سنتها الثانية بعض التفاصيل، من دون أن تجذب الهفوة ملاحظة الأستاذ. وقد برّرت لجوءها إلى اقتباس المشاريع بكون المهلة المتاحة لا تكفي لتلبية مشاريع الأساتذة كلها، ولا سيما تلك التي وصفتها بـ«التعجيزية».
نسرين لجأت هي أيضاً كبعض زميلاتها من «أهل الحاجة وفاقدي الهمّة» إلى صفحات الإنترنت لإتمام مشروع مادّة التحرير الصحافي. في يوم التسليم، دخلت نسرين إلى القاعة بدفاترها وأقلامها وتقارير. أهي تقاريرها؟ كيف لا؟ ذاك الاسم المزخرف على زوايا الصفحات يشدّد على ذلك. ينظر أستاذ مادّة التحرير إلى تقارير...ها بنشوة المعلّم «القدير» ليعيدها بعد أسبوعين مع علامة تليق بالطالبة «القديرة». التقريران الأوّل والثاني نالا 10/8 و10/7 وهما من مصدر واحد: جريدة محلية عريقة. أما الثالث فاستحقّ علامة 10/2، علماً بأنّه من مصدر إلكتروني محترف. أمّا علامة العمل النهائية فهي: 30/21. نعم لم لا؟ الكلّ عرضة للأخطاء الحسابية، فبين صفحة وأخرى تطوّرت الأرقام من 8+7+2 إلى 21.
من جهته، أوضح مدير الكليّة الدكتور أنطوان متّى أنّ الصفة الإلزامية التي خصّ بها نظام الـLMD الأعمال التطبيقية بـ40 في المئة من العلامة النهائية، جعل منها عبئاً كبيراً على الطلاب كما الأساتذة. وأسف متّى لاستنساخ بعض المشاريع من الإنترنت، في الوقت الذي يفترض أن تكون هذه المشاريع مدخلاً يوسّع ثقافة الطالب وتعمّقه في المادّة،...«وكأنّما المعلومة باتت معلّبة وسهلة في قالب Fast Food الاستهلاكي».
وعلى الرغم من تكرار المشكلة خلال العام الماضي، فإنّ الإدارة تردّدت في اتخاذ الإجراءات بحقّ الطلاب، «إذ لم يكن من المستحب وضع علامة صفر على المادة، وكان من المستحيل على أساتذة المادة التحقّق من المشاريع الّتي تقدّم فصلياً». وتعتزم الكليّة تطبيق سياسة جديدة تعتمد التحليل الفردي والتقويم الذاتي في المشاريع الطلابية للحدّ من أسلوب النقل والحفظ، ما يجعل الحصول على مصادر «معلّبة» صعباً جداً. ولفت متّى إلى أنّ الكلّية تحاولّ توجيه الطلاب نحو الاستعانة بالمراجع، ولا سيما بعد تأمين كتب بقيمة 19 مليون ليرة لبنانية.
يذكر أنّ عدم توفّر برنامج متخصص في الكليّة لكشف المشاريع المنقولة عن الإنترنت، لا يمنع من كشف حالات النّسخ التام بسهولة. فالوصفة معاكسة، بعض نقرات على الفأرة: «انتقاء ـــــ حفظ ـــــ نقل»، حتى ينقلب السحر الإلكتروني على الساحر ويظهر المصدر المحتمل بمجرّد البحث عن جملة أو عنوان المشروع.
مع اقتراب منتصف الفصل الحالي وتطبيق سياسة المشاريع التحليلية، لن تستطيع الحاجة أن تلد أي اقتباس أو انتحال، عسى ألا يكون مولودها طريقة جديدة من «الجهد المختصر».