strong>غسان سعود
• بين لحود وسليمان فَرْق في الأسلوب... والمبادئ واحدة

كان «الجيش هو الحل»، صار «قائد الجيش هو الحل»، خيار كان بالنسبة إلى الغالبية النيابية وإلى سيّد بكركي وكثيرين اشتهروا بعدائهم لوصول العسكر إلى السلطة، ضرباً من الجنون. فإذا بالفيتو على انتقاد العسكر يتمدّد ليشمل انتقاد طموحات العسكر أيضاً

تماماً كما قفز العماد ميشال سليمان قبل تسعة أعوام فوق عشرات الضباط المرشحين لمنصب قيادة الجيش، وحل في موقع اليرزة الأول رغم الفارق في الرتب والخبرة بينه وبين الضباط الموارنة الآخرين (33)، نجح مرة أخرى في تخطي كل المرشحين لرئاسة الجمهورية ليحوز موقعاً تفصله شعرة عن رئاسة الجمهورية اسمها التعديل الدستوري. وكما قيل عام 1998 في أروقة السياسة والجيش إن سليمان هو الموحّد الفعلي للجيش، ثمة من لا يتردد في الجهر اليوم بأن سليمان هو «قائد جيش حقبة استرداد السيادة»، والبطل «الذي فتح الطرق أمام الحرية التي جرفت في 28 شباط 2005 حكومة الرئيس عمر كرامي» مسهّلاً بذلك «أول انتصار لثورة الأرز». إضافة إلى اعتباره «سند المقاومة وحامي ظهرها».
ولكن، فيما تُعدّ بلدة عمشيت عدّة الاحتفال بالوصول المأمول لابنها إلى بعبدا، يبدو لافتاً عدم اكتراث المواطنين لبرنامج سليمان السياسي في المرحلة المقبلة. وخاصة أن الرجل «العسكري بامتياز» احترف الصمت طوال سنوات توليه المسؤولية، وتجنب التعليق على الأحداث إلا عند الضرورة. علماً أن ثمة مخاوف جديّة عند البعض من «لحود آخر»، أو من إمساك العسكر بالقرار.
هذه النقلة من الجيش إلى السياسة يجدها بعضهم صعبة. فصلاحيات قائد الجيش، بحسب اللواء المتقاعد عصام أبو جمرة، تختلف عن صلاحيات رئيس الجمهورية. إذ إن الأول يؤمر فيطاع مباشرة وفق قاعدة «نفّذ ثم اعترض». أمّا الثاني، فيفترض فيه التفاعل مع مجلس الوزراء لاتخاذ القرار المشترك، إضافة إلى احتمال انكسار أمره، مثل إمرار المرسوم رغم اعتراضه. ويوضح أبو جمرة أن عبارة «العسكر لا يتعاطى السياسة» غير دقيقة، إذ إن العسكريين، «الذين يتجنبون السجال السياسي العقيم»، يتابعون الأحداث السياسية بدقّة ويتميزون بوضع تصور لما يمكن أن يحصل. ويشدّد أبو جمرة على ضرورة الأخذ في الاعتبار أن الدستور الذي حرصوا في الطائف على تضمينه البند الذي يحرم قائد الجيش حق الترشح لرئاسة الجمهورية، نص على اعتبار الرئيس قائداً أعلى للقوات المسلحة.
وفي السياق ذاته، يميز العميد المتقاعد أمين حطيط بين قائد الجيش كمرشح لموقع سياسي، والمؤسسة العسكرية، مشيراً إلى أن الأمر أشبه بالتعامل مع رجال الدين. ويؤكد حطيط أن سليمان، إذا لم ينتخب رئيساً، فلن ينتظر حتى انتهاء ولايته في 21 ت2 2008 وسيقدم استقالته فور انتخاب رئيس آخر.
من جهة أخرى، يرى حطيط أن مارونية قائد الجيش واطمئنان اللبنانيين إلى قوة شخصيته وتجربتها في استحقاقات عدة تشجعهم على اللجوء إليه عند انسداد الأفق. وخصوصاً أن الرجل الذي يقود جيشاً من كل الطوائف ويبعده عن التجاذبات الداخلية رغم حدتها الاستثنائية، هو محطّ ثقة ويمكن الاطمئنان إلى توليه مهمة الحفاظ على الدستور. ويدحض حطيط ما تشيعه الأكثرية النيابية عن صراع تحت الطاولة بين سليمان والرئيس السابق إميل لحود طوال السنوات الماضية، مؤكداً أن الرجلين يؤمنان سياسياً بالمبادئ الوطنية والعروبية ذاتها لكنهما يختلفان قليلاً في الأسلوب. فضلاً عن أن لحود كان ضابط بحرية فيما تنقّل سليمان بين مهمات ميدانية عدة جعلت تفاعله مع فريق العمل كبيراً جداًواذ يتجنّب نواب الحزب التقدمي إبداء آرائهم في القائد الذي صالح التقدميين والمؤسسة العسكرية (بعد طول صدام) إثر زيارة النائب وليد جنبلاط لليرزة عام 2002، تؤكد مصادرهم أن سليمان، الذي أتقن إبعاد العسكر عن السياسة على نحو كبير خلال توليه مسؤولياته، سيحرص على هذه الاستراتيجيا التي «تترك السياسة للسياسة والعسكرة للعسكر». فيما يؤكد زوار الصرح البطريركي أن سيد بكركي مطمئن لسير الأمور، وفرح بارتفاع حظوظ «الرجل الخلوق» الذي اعتاد التردد إلى الصالون الخاص للبطريرك بعيداً عن الأضواء لمشاركته هموم الوطن واستشارته في بعض القضايا. ويلفت بعض هؤلاء الزوار إلى أن البطريرك يوضح لمن يفاتحه أن سليمان لم يكن مقصوداً حين اعترض على «وصول العسكر إلى السلطة».
وفي مقابل تراجع المعترضين على «حكم العسكر» عن ثوابتهم، يعيش آخرون فرحة استثنائية بعودة الجميع إلى الإعلان أن «الجيش هو الحل». وترى القواعد العونية في احتمال وصول سليمان إلى بعبدا انتصاراً لخيار آمنوا به منذ منتصف الثمانينات. ويقول أهل الرابية إن زيارة العماد ميشال عون للدكتور سمير جعجع في سجن وزارة الدفاع خطفت الأضواء من زيارته في اليوم نفسه لقائد الجيش في مكتبه في اليرزة بعد عشرة أيام من وصوله إلى لبنان. وهي خطوة أراد بها توجيه أكثر من رسالة إلى جيش ما زال في الذهن العوني عمود الوطن الفقري. ويؤكد المقربون من عون أن معرفته بسليمان مغمورة بحكم أن الأخير كان ضابطاً مغموراً أثناء تولي عون قيادة الجيش، لكنه يذكر جيداً نشاطه وولاءه للمؤسسة العسكرية، كما يعرف تفاصيل دوره في «تنظيم الوحدات العسكرية وإعادة تماسكها». ويفصل هؤلاء بين العسكر والمتعسكرين ليؤكدوا أن «الدم يحن» و «عون يعرف من أيّ طينة يأتي سليمان».
وسط هذه الآراء، يقول المتابعون إن الجو العام منشرح لمشروع ترئيس سليمان لأسباب نفسية أكثر منها سياسية أو عقائدية، ويؤكد هؤلاء أن الالتزام الشعبي والسياسي بعدم انتقاد قائد الجيش لا يتعلق بمبادئ «قدسية المؤسسة العسكرية» بقدر ما هو غيرة اللبنانيين على حلٍّ لا يريدون توفير ذريعة لمن يسعى إلى إضاعته مجدداً.



الاستحقاق السوري

يصف زملاء العماد ميشال سليمان صديقهم بأنه «إبرة توازن» بين كثير من الهدوء والاتزان في إحدى كفّتي الميزان، وكثير من الحزم والجدية في الكفة الأخرى. ويقول صديق دورته العميد المتقاعد عاطف طربيه إن أكثر ما يميز سليمان، الذي تسلم قيادة الجيش بتاريخ 21/12/1998 وهو في الخمسين من عمره، هو الطبع الهادئ والهوس «بصناعة بلد قادر على الحياة». علماً أن ثمة من يقول إن سليمان رفض زيارة الرئيس لحود للتهنئة إثر انتخابه رئيساً إيماناً منه بضرورة الفصل بين السياسة والجيش. واللافت بين باقة الأوسمة التي حازها سليمان وسام «الاستحقاق السوري من الدرجة الممتازة». ويلفت موقع إلكتروني إلى تكريس سليمان «الجيش حامياً للديموقراطية لا جيشاً للسلطة يقمع المعارضين لسياستها».