البقاع ــ أسامة القادري
«سنة والحملة الشعبية السعودية معيّشتنا بالأمل لما وافقوا على معالجة ابني وبنتي». العبارة المغموسة بالدمع هي لوالدة الطفلين فؤاد (5 سنوات) وميسم (3 سنوات) رؤوف، اللذين أصيبا بعد ولادتهما بثلاثة أشهر بمرض «تحجر العظام»، ما أدى إلى فتور في نمو العظم لديهما.
يعمل الأب طارق رؤوف ناطوراً في أحد معامل البقاع، وهو لا يقوى على مصاريف علاجهم الباهظة وثمن الأدوية المرتفع جداً، ولا على تكاليف الجراحة التي تقتضي السفر إلى الخارج وتبلغ تكلفتها 70 ألف دولار لكل طفل.
أثناء حرب تموز الأخيرة، قصد رؤوف مكتب الحملة في البقاع، طالباً المساعدة في علاج طفليه. بعد المتابعة، أتت الموافقة من المشرفين على الحملة في السعودية، على أن تكفل 45 حالة في البقاع تعاني أمراضاً مزمنة ومستعصية ومكلفة. وعالجت الحملة البعض منهم في بادئ الأمر، وعندما تبدلت إدارتها في لبنان شطبت أسماءهم عن اللوائح وتركتهم يعانون الألم وأعباء العلاج.
رؤوف المتألم لحالة ولديه الوحيدين، يقول: «ما عندي شي لأبيعه، البيت لصاحب المعمل، قدمت طلب لمؤسسة الحريري لمساعدتنا بالعملية لأحد أطفالي، وبعد شهرين بيبعتولي 200 دولار». يسكت ويحاول أن يهدّئ نفسه، ليتابع: «راجعنا إدارة الحملة في بيروت وقالوا لنا ما إلكم أسماء عندنا». ويسأل: «لماذا قالوا إن الحملة وافقت على العلاج وعندما راجعناهم قالوا هذا ليس صحيحاً».
الوعود المتعلقة بعلاج ولديهما التي سمعها طارق وزوجته هي نفسها في ما يتصل بـ43 حالة تتألف من أمراض مختلفة في العديد من مناطق البقاع.
هيثم الحسين (30 عاماً) برزت في صغره «ثالولة» في كف رجله، والإهمال ساعد على انتشار الالتهاب وتورّم الرجل. وبسبب فقر حال أهله لم يُعالج فانتشر الورم، ما تطلب علاجاً دائماً ومكلفاً. الحسين كان له نصيب في الوعود التي منحتها الحملة، بعدما ساعدته في بادئ الأمر بإحدى الجراحات، وما لبثت هذه الوعود أن تبخّرت ليترك وأمله من دون استكمال علاجه.
أما الطفل يحيى هشام صخر من بلدة قب الياس، فما زال يعاني قصوراً في كبده، ويؤكد تقرير الطبيب أنه بحاجة ماسة إلى عملية زرع كبد في أقرب وقت ممكن، ودخل إلى المستشفى على حساب «الحملة» مرة واحدة على أن يستكمل علاجه في ما بعد لإتمام العملية. وعند مراجعة ذويه إدارة الحملة في بيروت منذ فترة قريبة قال لهم القيمون: «لا يوجد مرضى في البقاع تتكفّلهم الحملة». وأيضاً الطفل كمال أحمد الذي بحاجة إلى إجراء جراحة في المسالك البولية تُرك وفقر أهله على قارعة الوعود والأمل بحياة لا ألم فيها ولا عذاب.
الأسماء كثيرة والحالات مختلفة، كل حالة أخطر من الأخرى، لكن الألم يبقى ألماً. هذا ما تحاول سهير حداد (26عاماً) أن تعبّر عنه. فسهير التي فقدت «فروة» رأسها وجزءاً من أذنها اليمنى نتيجة حادثة وهي في السادسة عشرة من عمرها، تحتاج إلى جراحة كلفتها حوالى 85 مليون ليرة. وبعدما تعايشت مع «الباروكة» وألمها لتنطلق إلى الحياة، جاءتها الوعود من الحملة بإتمام جراحتها وزرع «فروة» رأسها فحملت الأمل منتظرة دورها مع الذين ينتظرون الراحة والهناء، لتُصدم وتتحطم أحلامها وتعود إلى الانطواء والوحدة.
رئيسة جمعية الرحمة والمسؤولة السابقة في الحملة الشعبية السعودية صباح حلاق أكدت لـ«الأخبار» أن «مستشفى سعد التخصصي في مدينة الخبر وعد الحملة السعودية بالتبرع بمبلغ عشرة ملايين ريال لاستقبال المرضى اللبنانيين لعلاجهم في المستشفى، وبناء على هذه الوعود وُعد المرضى، ولم يصلنا أي رد حتى الآن من المستشفى». وقالت إن هذه الحالات تمت الموافقة على علاجها بناء على ما وعدت به الحملة، «آملين من المستشفى أن يفي بوعده للمرضى الموعودين لأننا في الجمعية نتعرض للاتهام بأننا قبضنا من الحملة مبالغ عن المرضى وهذا غير صحيح...».