نقولا ناصيف
أعطي نسيب لحود صفة ليست له: مرشح تحدٍ، أو مرشح النصف زائداً واحداً. لا هو هذا ولا ذاك، ولأنه أكثر السياسيين الموارنة يلقى أقرب إجماع إلى مواصفاته. لا أحد عاقلاً مرشح نصف يجعل منه رئيساً، ولكنه لا يحكم، رئيساً مهدداً. يقيم نسيب لحود في صورة مناقضة تماماً للصفة تلك: ناوأ الجيش السوري في لبنان وحاور دمشق كي تصوّب علاقتها بجارها، عارض السياسات الإقتصادية لرفيق الحريري ووثق بدوره، خاض انتخابات نيابية باسم ديموقراطية وسيادة مؤجلتين، خسر انتخابات 2005 وانحنى أمام إرادة ناخبيه. صورة كهذه لا تتحدى الآخرين، بل تدعوهم إلى داخل اللعبة.

نقولا ناصيف

  • هل أصبحت فعلاً المرشح النهائي لقوى 14 آذار؟

  • ــــــ لا. أنا أحد المرشحين المحتملين لقوى 14 آذار، التي تضم عدداً من المرشحين، جميعهم لديهم الكفاءة اللازمة لتبوّء موقع رئاسة الجمهورية. لكن قوى 14 آذار لم تحسم خيارها بعد.




  • متى تحسم الخيار بمرشحها النهائي؟

  • ـــ قوى 14 آذار تفسح في المجال الآن، من خلال تعدّد المرشحين، أمام تسوية ممكنة مع المعارضة. ولذلك ستبقى الاحتمالات قائمة.

  • ما هو مفهوم هذه التسوية ما دامت نظرة كل من قوى 14 آذار والمعارضة إليها متناقضة؟

  • ـــــ لا أريد التكلّم باسم قوى 14 آذار في هذا الأمر، بل باسمي ونظرتي إلى التسوية التي هي انتخاب رئيس من قوى 14 آذار، من المعتدلين فيها، من الذين لديهم تاريخ من الانفتاح على الجميع، على أن تكون أولى حكومات العهد الجديد حكومة اتحاد وطني، تتمثّل فيها المعارضة تمثيلاً فاعلاً، أي بالثلث زائداً واحداً، وسنّ قانون عادل للانتخاب تطمئن إليه القوى السياسية، بمَن فيها المعارضة، ومعالجة المواضيع الخلافية الأخرى بالحوار، والحوار فقط. هذه هي التسوية التي أراها قابلة للحياة.

  • إذاً ليست هناك تسوية خارج مرشح من قوى 14 آذار بالنسبة إليك؟

  • ـــــــ هذا طرحي.

  • هل يطمئن ترشيحك المعارضة؟

  • ـــــــ ينبغي أن تسأل المعارضة عن هذا الموضوع. أنا ضد المنطق الذي يرفض المرشحين من قوى 14 آذار لمجرد انتمائهم إليها. بل أقول، وبكل صراحة، لتدرس المعارضة رؤيتي السياسية، وتقرر إذا كانت مواقفي في المواضيع التي تهمها صالحة للوفاق أم لا. لتقرأ موقفي من موضوع سلاح المقاومة والإنماء المتوازن والصراع العربي ـــــ الإسرائيلي وسوى ذلك.

  • هذا المسار الذي رسمته للتسوية، هل هو برنامجك لبدء مرحلة جديدة للرئاسة اللبنانية؟

  • ـــــ أعتقد أن المرحلة الحاضرة قد تقتضي ذلك. هناك فئة كبيرة من اللبنانيين تريد أن تطمئن إلى وجود رئيس محترم وقادر على رأس الجمهورية اللبنانية، وهناك فئة أخرى من اللبنانيين تطمئن إلى أن تكون للمعارضة حصة في الحكومة المقبلة، وتتمثّل بالحصول على الثلث زائداً واحداً. هذه التطمينات المتبادلة من حيث آليات العمل الدستورية، أعتقد أنها ستكون انطلاقة جيدة.

  • ألا تخشى عندما ترسم هذا المسار، أي حكومة وحدة وطنية بثلث معطل للمعارضة، أن يؤدي ذلك مستقبلاً، مع الرئيس الجديد وقد تكون أنت، إلى حال مشابهة لما هو قائم اليوم بين الرئيس إميل لحود وحكومة الرئيس فؤاد السنيورة؟

  • ـــــ إن رهاني على هذه الصيغة هو رهان على رئيس مقبل مختلف تماماً عن الرئيس إميل لحود.

  • عندما تعطي المعارضة الثلث المعطل في حكومة الوحدة الوطنية، فإنك ستعطي حكماً قوى 14 آذار الأكثرية المطلقة فيها؟

  • ـــــــ من الطبيعي أن قوى الغالبية ستحصل على أكثرية المقاعد في الحكومة الجديدة، وإلاّ لا تكون هناك غالبية. أما وجود الثلث المعطل في يد المعارضة فإنه يجعل التوازن مقبولاً.

  • أنت أحد مرشحي قوى 14 آذار، لكن زملاءك الآخرين اتخذوا موقفاً من النصاب القانوني لجلسة الانتخاب، فهل أنت مرشح نصاب النصف زائداً واحداً؟

  • ـــــــ أنا لست مرشح نصاب، بل مرشح على صعيد الوطن. أما نظرتي إلى عملية النصاب، فإنني من الناحية القانونية مؤمن بأن نصاب جلسة انتخاب رئيس الجمهورية هو نفسه نصاب الجلسات الأخرى في مجلس النواب. ولكنني على الصعيد السياسي، أعتقد أن مصلحة لبنان العليا تفترض نصاباً كاملاً من 120 نائباً عند انتخاب رئيس الجمهورية.

  • وإذا تعذّر التوافق والتئام نصاب الثلثين، هل تستمر في ترشيحك لنصاب النصف زائداً واحداً خلافاً لما أعلنه مرشحون آخرون في قوى 14 آذار؟

  • ـــــــ إذا وصلنا إلى واقع أننا أمام خيارين لا ثالث لهما، أي إمّا الفراغ على المستوى الرئاسي أو نصاب النصف زائداً واحداً، فإنني سأتخذ موقفي في هذه اللحظة السياسية بالذات، بعد درس جميع المعطيات.

  • إذا أخفق التوافق ولجأ حلفاؤك إلى انتخابك رئيساً للجمهورية بنصاب النصف زائداً واحداً، فهل تعتقد أنه سيكون بمقدورك أن تحكم وإن في ظل اعتراف دولي بشرعية هذا الانتخاب؟

  • ـــــــ ليس هذا السيناريو المفضّل لديّ. ما زلتُ أراهن على أن العقل سيتغلب في اللحظة الأخيرة على جميع الأطراف في لبنان، ويجري انتخاب رئيس للجمهورية بنصاب كامل في مجلس النواب. هذا ما أراهن عليه، ولا أرى مصلحة اليوم في التوسّع في درس السيناريوات البديلة. وهذا لا يخدم الوفاق.

  • من مراجعة مسارك السياسي منذ عام 1992، أنت معارض مزدوج، للتدخل السوري في لبنان وللسياسات التي كانت معتمدة في البلد، وأخصّها السياسة النقدية والاقتصادية التي كنت تنتقدها وتقف ضدها، فكيف ستقارب هذا الموضوع، ومَن كنت تنتقدهم سابقاً هم الآن حلفاؤك؟

  • ـــــــ أعتقد أن نظرة هؤلاء الحلفاء تغيّرت في مواضيع أكبر من المواضيع الاقتصادية. تغيّرت في المواضيع السيادية والسياسات الوطنية. ولذلك أعتقد أيضاً أن سياساتهم في الموضوع الاقتصادي ستشهد تطوراً مماثلاً. وما أقوله هو أن أي سياسة اقتصادية في لبنان يجب أن تعتمد معيارين: أولهما التكيّف مع معايير الاقتصاد الحديث كما هو موجود في الاقتصاد العالمي المعولم، وثانيهما أن الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي في لبنان يتطلّب سياسة اقتصادية تأخذ في الاعتبار بقوة العدالة الاجتماعية والعدالة بين المناطق. وهذه ليست حقاً فقط، بل أيضاً تنمّي وتقوّي ولاء المواطن للدولة اللبنانية، وهذا مطلوب بقوة.

  • هل ترى أن هناك مَن سيساعدك على تحقيق هذه النظرة إلى الاقتصاد، وخصوصاً حلفاءك؟

  • ـــــ لا شك لديّ في أن نظرتهم الاقتصادية تطوّرت كما تطوّرت تماماً نظرتهم السياسية. ولذلك لا أرى مشكلة الاتفاق مع الأكثرية النيابية ومع الأقلية على برنامج اقتصادي تنموي فيه قسط كبير من الليبرالية، لكن فيه أيضاً قسطاً كبيراً من العدالة الاجتماعية. وإنني قادر على مساعدة الحكومة ومجلس النواب على بلورة سياسة كهذه.

  • كيف ستستردّ هيبة رئاسة الجمهورية، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الصلاحيات التي انتُهكت من كل جهة؟

  • ــــــ المدخل إلى استعادة هيبة رئاسة الجمهورية يبدأ باستعادة هيبة رئيس الجمهورية. وأظن أننا إذا انتخبنا رئيساً ذا صدقية عالية وتاريخاً سياسياً ناصعاً وواضحاً، ولم تتلطخ يداه بالفساد السياسي وكان لديه دائماً موقف حازم من الفساد. فأعتقد أن رئيساً من هذا الطراز يفرز هيبته ويعيد الهيبة إلى الرئاسة. أما الصلاحيات، فأنا مؤمن بأن الصلاحيات المعطاة في الدستور اللبناني لرئيس الجمهورية كافية كي يضطلع الرئيس بدوره كما هو محدد في الدستور. أما الذين يطمحون إلى استعادة رئيس الجمهورية اليوم، سنة 2007، صلاحيات الرئيس كما كانت في الأربعينات والخمسينات وما بعد، فهم بذلك يكونون يتكلمون عن عهد مضى، ويغفلون وجود دستور تطوّر وغيّر في دور رئيس الجمهورية وصلاحياته، وبعدما كان رئيساً للسلطة التنفيذية ومؤتمناً عليها قبل اتفاق الطائف، أصبح اليوم الحَكَم ومنظّم العلاقات بين المؤسسات الدستورية كما يفترض أن يكون.

  • يقال إن أمام الرئيس المقبل مهمة رئيسية هي تنفيذ القرارين 1559 و1701. وإذا كان الثاني شبه مطبّق، فإن المشكلة تكمن في الأول المتعلق بسلاح المقاومة، فهل ستلتزم تنفيذ هذين القرارين؟

  • ــــ طبعاً سأساعد لبنان على احترام كل القرارات الدولية. ليست هناك مشكلة في القرار 1701 مثلاً، لأن ثمة توافقاً لبنانياً عليه. أما القرار 1559 فيجب تطبيقه. أما البند المتعلق بسلاح المقاومة، فإن موقفي منه واضح، وهو أنه يجب ألاّ يبقى أي سلاح في لبنان إلاّ في يد الدولة اللبنانية، وأنه يجب أن نستفيد من قدرات حزب الله الدفاعية من ضمن مؤسسات الدولة اللبنانية، ويجب أن يتم ذلك بالحوار في جوّ من التقدير العالي للإنجازات الضخمة التي قدمتها المقاومة لتحرير جنوب لبنان والدفاع عنه. ومن ضمن هذا المنطق، أعتقد أن المجتمع الدولي سيتفهّم تنفيذ هذا البند، أي ما يتعلق بسلاح المقاومة، في إطار حوار وتوافق بين اللبنانيين. كذلك الأمر بالنسبة إلى السلاح الفلسطيني في هذا الشق من القرار 1559، وهو أيضاً موضوع توافق بين اللبنانيين من ضمن قرارات مؤتمر الحوار الوطني.

  • هذه الصورة التي ترسمها لمصير سلاح المقاومة، هل تعتقد أنها كافية لطمأنة حزب الله والكتلة الشيعية إلى التعاون معك لو انتخبت رئيساً للجمهورية؟

  • ــــــ أعتقد نعم، لأنه لا يمكن أن يلجأ أحد إلاّ إلى مثل هذا النوع من الرؤية لمعالجة سلاح حزب الله وبالحوار فقط. ويبقى على الحزب الذي يسمع تطمينات وضمانات عدة من أكثر من مرشح أن يقرر أي من هذه التطمينات والضمانات يمكن أن يُركن إليها، ويعتقد أنها تتمتع بأعلى درجة من الصدقية.

  • بعض زملائك المرشحين قال إنه ليس مرشح قوى 14 آذار، والبعض الآخر قال سلفاً إنه مرشح توافقي. أنت الوحيد من بين المرشحين المعلنين قلت إنك مرشح قوى 14 آذار. فإذا انتُخبتَ رئيسا،ً هل ستكون رئيس هذا الفريق أم رئيساً لجميع اللبنانيين؟

  • ــــــ لم أقل إني مرشح 14 آذار، بل قلت إنني لا أتنكّر للماضي. أنا عضو في تجمع 14 آذار وأحد مؤسسيه، ورئيس حركة التجدد الديموقراطي، وأنا أيضاً عضو مؤسس في لقاء قرنة شهوان. وهذا جزء من تاريخي السياسي لا أتنكّر له. لكنني طرحت ترشيحي أولاً على قوى 14 آذار، وإذا ما تبنّت ترشيحي فإنني أتمنى أن تطرحه كمرشح للتوافق على القوى السياسية الأخرى. أنا أريد الانطلاق من قوى 14 آذار نحو الوفاق مع جميع القوى السياسية الأخرى، وأنا مستعد للبحث معها في رؤيتي السياسية لكل المواضيع الشائكة. أما إذا انتُخبت، فمنذ لحظة انتخابي سأصبح على مسافة واحدة من جميع اللبنانيين. وهذا من ضمن مسؤوليات أي رئيس جديد للجمهورية سيُنتخب.

  • هل ترى فعلاً أن هناك مشروعين لبنانيين متناقضين، كما يقول بعض حلفائك، أحدهما سيادي والآخر مرتهن لمحور سوري ـــــ إيراني؟

  • ــــــ ليس الأمر بهذه البساطة. لا، ليس كذلك. هناك بعض الخلافات بين الأكثرية والأقلية في عدد من المواضيع، ولكنني أعتقد أن ثمة إمكاناً لصوغ مساحات مشتركة بين الفريقين. حصل ذلك في مواضيع عدة في مؤتمر الحوار الوطني. ولا أرى كيف لا يمكن أن يتكرر ذلك في مواضيع أخرى لا تزال خلافية. أنا لا أستطيع أن أصوغ توافقاً ومساحات مشتركة، إذا أصرّ أطراف لبنانيون على أن يأتوا بأجندات إقليمية على الطاولة اللبنانية. وأظن أن في إمكان اللبنانيين صوغ مساحات مشتركة في ما بينهم في كل المواضيع، بما في ذلك الملفات الإقليمية والصراع العربي ـــــ الإسرائيلي، وتجنيب لبنان أن يبقى ساحة صراع لمشاريع ونزاعات إقليمية.

  • ثمة تقليد معروف في انتخابات الرئاسة هو أنه عندما ينتخب رئيس جديد يطوي صفحة الماضي، فلا يدين سلفه ولا يحاكمه. وقيل أخيراً الكثير في عهد الرئيس إميل لحود عن ملفات سياسية وأمنية وسوى ذلك. كرئيس للجمهورية ـــــ إذا انتُخبت ـــــ هل ستحافظ على هذا التقليد أم تعتقد أن الأوان حان لإجراء محاسبة؟

  • ــــــ لا أستطيع أن أمون على القضاء كي يجمّد أي عمل قضائي يقوم به. لكنني أؤكد على نحو جازم أنني لن أصفّي حسابات مع أي من أخصامي ومنافسيّ على الساحة السياسية. وعندما أقول إنني سأكون رئيساً لجميع اللبنانيين إذا انتُخبت، فإنني أعني كل كلمة أقولها.

  • إذاً نسيب لحود بعد إميل لحود، لا تصفية حسابات قديمة؟

  • ـــــ لا تصفية حسابات عائلية ولا مناطقية ولا سياسية.

  • هل يطمئن انتخابك سوريا؟

  • ــــ سأقول ما أتوقعه من سوريا. أتوقع أن تعطي إشارات غير ملتبسة إلى أنها ستتعامل مع لبنان على أنه دولة سيدة حرة مستقلة وجديرة بالاحترام. وأرى أن يبدأ كل شيء في علاقات البلدين من هنا. ثم أنتقل إلى الملفات الشائكة التي هي مواضيع خلافية معها. أتوقع أن تتعامل بإيجابية مع المحكمة الدولية، وإذا كان هناك مواطنون سوريون ضالعون في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، فإن عليها أن تقدمهم إلى المحكمة الدولية. وأتوقع من جانب لبنان أن نتصرف على أن المحكمة الدولية هي لتحقيق العدالة وحماية اللبنانيين من الاغتيالات السياسية، وأن المحكمة الدولية ليست أداة لاستهداف النظام في سوريا الذي هو شأن السوريين، ولا علاقة لنا ـــــ ويجب أن لا تكون لنا علاقة ـــــ بشكله. وأتمنى أن تنفّذ سوريا كل قرارات مؤتمر الحوار، بدءاً بمعالجة السلاح الفلسطيني خارج المخيمات، ثم مزارع شبعا، وترسيم الحدود، وتبادل العلاقات الدبلوماسية على مستوى السفراء، وكذلك المعتقلون اللبنانيون في السجون السورية. وأعتقد أن معالجة هذه الملفات تفسح في المجال أمام تطبيع العلاقات اللبنانية ـــــ السورية. وإذا كان هناك بعض الخلافات اليوم بين البلدين، فإن مساحات كبيرة من المصالح المشتركة بينهما يجب أن يستفيدا منها. وهو أمر ممكن إذا قاربنا مسألة العلاقات الثنائية بموضوعية، وفي ضوء المصلحة الوطنية العليا للبنان من جهتنا ولسوريا من جهتها. هناك أولوية واحدة لمعالجة كل هذه الملفات الخلافية بين لبنان وسوريا التي لا تتحمّل الانتظار. إن ما يفرّق بين لبنان وسوريا اليوم ليس مسألة وجودية، بل ملفات دقيقة وصعبة إذا تمّت معالجتها تفتح الباب واسعاً أمام تطبيع العلاقات. وسأبذل جهداً لبلورة رؤية مشتركة بين القوى السياسية اللبنانية بشأن العلاقات اللبنانية ـــــ السورية، وإذا حصل أي تحرك نحو تسوية المشكلات القائمة بين البلدين، فإن ذلك يجب أن يحصل في ظل مقاربة مشتركة بين القوى السياسية اللبنانية.

  • هل ترى أن هذه الصورة لحكم المرحلة المقبلة يمكن أن تجعل منك مرشحاً توافقياً لا مرشح النصف زائداً واحداً؟

  • ـــــــ أنا لست مرشحاً توافقياً أو مرشح النصف زائداً واحداً، بل أنا سياسي لبناني أطمح إلى خدمة بلدي في هذا الموقع المهم، وأطرح ترشيحي على إخواني النواب والقوى السياسية من ضمن نظرة واضحة لديّ عن دور رئيس الجمهورية. المهم فيه ليس كيف يُصنّف انتماؤه السياسي، ولكن إلى أين سيأخذ البلد. هذا هو السؤال الذي يجب أن يطرحه على أنفسهم النواب الناخبون، ليس من أين يأتي المرشح، ولكن إلى أين سيأخذ لبنان إذا انتخبوه؟.

  • أين هو موقع رئيس الحكومة في العهد الجديد، والذي ينبغي أن يعود إلى حجمه الحقيقي، لا إلى الحجم الذي أوجدته له الظروف الاستثنائية وتدليع المجتمع الدولي ودعمه له والعزلة الدولية التي أحاطت بالرئيس لحود؟

  • ـــــــ يجب أن يعود رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة إلى حجميهما الدستوري. فإذا اقتنع رئيس الجمهورية بممارسة صلاحياته الدستورية بلا زيادة أو نقصان، وكذلك رئيس الحكومة، فأعتقد أن في ذلك خيراً للبنان وانتظام عمل المؤسسات الدستورية.

  • أنت مرشح علني، فهل تتوقع أن يكون اسمك كلمة سر من الخارج الذي ربما يتدخل في اللحظة الأخيرة لفرض الاسم إذا تعذّر التوافق؟

  • ـــــــ لم أكن نائباً بكلمة سر، وتاريخي السياسي معروف، ولن أكون رئيس كلمة سرّ أيضاً.




    في الطريق إلى رئاسة غير آثمة

    هذا الرجل هو إبن النظام الحالي وصورة مناقضة له. جذوره في شجرة سياسية عَبَرَت الأجيال السياسية الثلاثة المتعاقبة على حكم لبنان أكثر من ثلاثة عقود. في كل منها كان ثمة أحد ما منها، وأحياناً أكثر من واحد. إميل لحود الكبير في الجيل الدستوري، وسليم لحود في الجيل الشمعوني، وجميل لحود في الجيل الشهابي. وفي الأجيال الثلاثة تلك، كان لأبناء تلك الشجرة مَن اقترب من ملامسة الرئاسة. عنيوا بالولاء للعهد وهم يدافعون عن النظام برمته، ويبرّرون خياراته. التصق إميل لحود الكبير ببشارة الخوري، وكان من غلاة معارضي تنحيه عام 1952 لتفادي السابقة. وكان سليم لحود أحد أبرز الأسماء التي رغب شمعون في ترشيحها لخلافته في رئاسة الجمهورية عام 1958 استكمالاً لسياسات عهده، قبل أن يباغته الموفد الأميركي الخاص روبرت مورفي بقرار انتخاب قائد الجيش اللواء فؤاد شهاب رئيساً، ثمرة تسوية بين واشنطن والقاهرة. بدوره كمال جنبلاط رشّح جميل لحود مرتين لرئاسة الجمهورية عامي 1964 و1970 أخفقتا لأن الزعيم الدرزي لم يصمد طويلاً في خياره.
    هكذا يأتي نسيب، إبن سليم وإبن إبن شقيق إميل الكبير وجميل، إلى انتخابات رئاسة الجمهورية من تجربة مألوفة في العائلة. لم يُكتب لأي من أبناء الشجرة تلك إلا أن يقف في ظلّ الرئيس، لا قربه: أن يكون خياراً في اللحظة الصعبة، لا أولوية. أن يكون، ربما، جزءاً من مناورة سياسية بارعة عندما تنهار الفرص الأخرى التي كان يشاؤها لأنفسهم الرؤساء والزعماء أولئك.
    كانوا كذلك الشيء ونقيضه. وعلى أهمية أدوارهم في صف خلفي وراءهم، اعتمد رؤساء الجمهورية من بين السياسيين المسيحيين على وجوه غير مارونية واجهة حكمهم: هنري فرعون الكاثوليكي وميشال شيحا البروتستانتي لدى الشيخ بشارة، وشارل مالك الأرثوذكسي لدى شمعون، وفيليب تقلا الكاثوليكي وفؤاد بطرس الأرثوذكسي لدى شهاب. لم يعتد الرؤساء الموارنة أن يصطفوا ورثة سياسيين موارنة.
    نسيب لحود هو إبن الجيل الرابع في هذه العائلة. لم يأتِ إلى النظام في أعقابهم كما أنسباؤه، وكل منهم دخل إليه بعد آخر ــــــ أو معه ــــــ من أجل متابعة الدور. انقطع حضور العائلة في النظام والحكم في سنوات متأخرة من الحرب بعد غياب فؤاد لحود، فلم يكن له وهو يدخل النظام الجديد المنبثق من اتفاق الطائف، أن يقطف منه ثمار التسوية لأنه لم يشارك في صنع الحرب والإنهيار وقتل «لبنان القديم». انضم إلى النظام كي يدافع عنه. سفير الطائف في واشنطن.
    على مرّ الحقبة السورية في لبنان، لم يؤتَ على ترشيح نسيب لحود لرئاسة الجمهورية في ظل مواصفات تطابق سواه. اختارت سوريا وحدها الياس الهراوي عام 1989، وإميل لحود عام 1998، وقرّرت وحدها تمديد ولاية كل منهما ثلاث سنوات. عندما مدّدت ولاية الهراوي لم تكن متيقنة من وجود ماروني لا يجعلها تجازف بوجود جيشها ودورها السياسي في لبنان. فانضم كل حلفائها، بلا استثناء، إلى تمديد 1995 بحماسة وتبرير من غير أن يشكو أحد ما من ضغوط عليه للمضي في هذا القرار. إسم حافظ الأسد كان يكفي الحلفاء جميعاً كي يقتنعوا. وعندما أرادت سوريا انتخاب خلف للهراوي، كانت قد تيقنت أنها وجدت المواصفات المثلى في اميل لحود: لا أن تكون السلطة السياسية على صورة الجيش، بل أن يمسي الرئيس في صورة قائد الجيش. وبعدما كان نسيب لحود في موقع مناوأة الهراوي، معارضاً تعديل الدستور لتمديد ولايته، أضحى في موقع المواجهة مع إبن عمّ والده سليم. اقترع ضد تعديل الدستور لانتخاب قائد الجيش، ولكنه صوّت لإنتخابه كي لا يستثني نفسه من إجماع النواب الـ118 على انتخاب خلف خيّل للبنانيين أنه سينقض عهد سلفه، فأعاد البناء عليه.
    حينذاك وُلِد تقليد غير مسبوق: زعماء الموارنة الأول هم حلفاء دمشق في الحكم. الحال نفسها لزعماء طوائف أخرى ـــــ كانوا قلة ــــــ لم يركبوا القطار السوري. مكان المعارضة على هامش السلطة، لا في قلب الصراع السياسي على غرار سني الأربعينات حتى منتصف السبعينات. بل على هامش التأثير في هذه السلطة. فإذا بالسياسيين والنواب المعارضين زعماء صف أول في مكان هامشي، وفي انتظار انقلاب الأحداث والأدوار.
    في واقع كهذا لم يتوقع نسيب لحود، على امتداد عقد ونصف عقد من المرحلة، توزيره ولا ترشيحه لرئاسة الجمهورية، ولا خصوصاً تقليل العراقيل من طريق وصوله إلى نيابة المتن. ولم يكن يتوقع أن يُصغى إلى أفكاره وخططه. كانت مشاركته في انتخابات 1992 نقطة ضعفه ـــــــ وقوّته ربماـــــــ في موجة مقاطعة مسيحية جامحة للنظام على رأسها بكركي، قبل أن يُصوّب هذا الموقف بالمشاركة جزئياً عام 1996، ثم كلياً عام 2000. بذلك كان الرجل على طرف نقيض من ذرائع مجتمعه المسيحي ـــــــ والماروني ــــــــــ في ذلك الوقت، وهو في قلب مخاوفه وهواجسه، وقبل أن يتأكد من أنه هو على حق.
    تحجّج المسيحيون بمقاطعة الإنتخابات للقول إنهم لا يريدون أن يعطوا حكم الهراوي وسلطة دمشق عليه شرعية شعبية واعترافاً مسيحياً. عام 2005 اكتشف المسيحيون المعارضون وحلفاؤهم متأخرين سنوات أن الشرعية تلك لا تُحجب عمّن يتسلطون عليها، بل تُنتزع منهم بالقوة. كانت بكركي قد اكتشفت عام 2000 خطأ المقاطعة. تلك الهدية الثمينة وغير المنتظرة لدمشق كي تستأثر بكل الأدوار والمواقع ومصادر السلطة في لبنان. انتقل البطريرك من المقاطعة إلى قيادة معركة الإستقلال والسيادة. بعد سنوات من خسائر راكمها المسيحيون المعارضون راحوا يقطفون ثمارها. كالبطريرك، كان نسيب لحود يقف مرة أخرى على طرف نقيض من الحقبة السورية: مع اتفاق الطائف حلاً متكاملاً غير مجتزأ، ومع احترام الدستور دونما مسّه، ومع انتخابات نيابية وفق قانون عادل، ومع توازن سياسي في السلطة التنفيذية، ومع وضع حدّ للتدخّل السوري في لبنان، ومع إصلاحات اقتصادية وخطط إنمائية لا تكون دمشق شريكاً سرياً فيها، ومع تداول ديموقراطي للسلطة، ومع جيش وطني لا تسيّره الإستخبارات العسكرية السورية ولا الهاتف الأحمر بين مكتبي العمادين حكمت الشهابي وإميل لحود.
    كل ذاك الذي خسر نسيب لحود، ومعارضون موارنة آخرون، معاركه لعقد ونصف عقد من الزمن، يرشّحه اليوم لاستحقاق 2007.
    ثم هل يحتاج ما سمعه نبيه بري من بطريرك الموارنة عن انتخاب رئيس لا يخجل حاضره، ولا مستقبله، من ماضيه شرحاً مستفيضاً؟
    لعلّ مغزى توبة بعض مَن يرشّح نسيب لحود للرئاسة، من حلفائه، أنهم كانوا بناة في الهيكل السوري في لبنان وآثمين فيه.