strong>منال زعيتر
لم يبدُ سمير منزعجاً من دخوله السجن بتهمة تعاطي المخدرات، بل كان ناقماً على نظام إصلاحي «زج به في السجن لأنه أخطأ، لكن من يحميه من الانحراف وراء القضبان؟». وكانت قد انتشرت معلومات كثيرة عن عمليات تهريب زوجات المساجين للمخدرات من حبوب وكوكايين إلى داخل السجون، داخل قوالب «الكاتو» والحمص المتبل وأصناف طعام أخرى، بعد جعلها جزءاً من «الطبخة»!


«أسهل شيء هو الحصول على المخدرات داخل السجن»، قال سمير، وأكمل: «تعاطيت المخدرات للمرة الأولى وأنا بعمر أربعة عشر عاماً». ومن ثم أخبرنا عن الأسباب التي دفعته إلى ذلك من «جّو منزل متشنّج وعلاقات عائلية متوترة وفشل في الدراسة».
قبض على سمير في سن 16 عاماً لتعاطيه الحشيشة وسجن لشهرين في سجن الأحداث، وقال: «كنت أعامل هناك كأنني مجرم». وبعد خروجه من السجن، وجد نفسه في الموقف نفسه الذي كان فيه قبل شهرين، «عندما خرجت من السجن واجهت حياةً لم أستطع مقاومة مغرياتها فعدت للتعاطي»، قال سمير. دخل مجدداً إلى السجن بعد بضعة أعوام، واتهم بقضية ترويج، قال إنه لا دخل له بها، وسجن لثلاث سنوات ونصف.
عند دخوله السجن ثانية، قال سمير إنه أدمن هناك أنواعاً جديدة من المخدرات، وأنواعاً «لم يكن قد تعرف إليها أو رآها في الشارع»، وبدا كأنه يعترض على دولة سجنته لتحميه من الشارع، لكن «أين الدولة لتحميني من الانحراف داخل السجن؟»، وأكمل: «لم نكن نعامل كبشر، فقدنا معنى الكرامة الإنسانية في السجن». عمر «سمير» اليوم 26 عاماً، وقد تخلص من المخدرات بعد دخوله إلى مركز للتأهيل والعلاج، وينوي متابعة دراسته وتحصيل الشهادة، وتأمين «عمل محترم».

المباحث الجنائية

لم يعلق مدير قسم المباحث الجنائية العامة العميد ميشال شكور لـ«الأخبار»، على موضوع تهريب المخدرات إلى داخل السجون، واكتفى بالتأكيد على عزم الدولة على مكافحة المخدرات، وقال: «إن المباحث الجنائية ومكتب مكافحة المخدرات المركزي والسلطات المعنية تشن حملة للقبض على مصنعي ومروجي وتجار المخدرات. بالإضافة إلى برامج التوعية والحملات الدعائية التي يقوم بها مكتب مكافحة المخدرات، من طريق حلقات ولقاءات في المدارس والجامعات ومع الأهل والجمعيات الأهلية غير الحكومية».
ومن جهة أخرى، تطرق شكور إلى موضوع إعادة التأهيل، وقال: «إن الدولة لا تملك مركزاً لعلاج المدمنين، كما أنها لا تتلقى دعماً مالياً من أية دولة عربية أو أجنبية في هذا الموضوع». إلا أنه لفت إلى أن مجلس الوزراء العرب «يعقد اجتماعات سنوية ويبحث في شؤون كل بلد تنتشر فيه مشكلة تعاطي المخدرات».
وأما عن الشخص المدمن، فقد شرح العميد أنه إذا كان مدمناً عرضياً، أي يتعاطى المخدر لأول مرة «يحال إلى النيابة العامة ويخلى سبيله إذا كان طالباً». وإذا كان قاصراً فهناك مندوبة أحداث تحضر للتحقيق مع أهله. والنوع الثاني هو مدمن «ينظر له من ناحية مرضية، وفي هذه الحالة يتم توقيفه لردعه عن التعاطي».

إدمان الطلاب

وعلى صعيد متصل، قال مدير مكتب الإرشاد والتوجيه في وزارة التربية جان حايك في حديث مع «الأخبار» عن إدمان طلاب المدارس والجامعات، إن هدف الوزارة الأساسي هو معالجة الطالب المدمن «تربوياً لا بوليسياً». ومن هنا فإن المكتب ينطلق من «أهمية الحفاظ على سرّية الموضوع وعدم تسليم الطالب إلى الدرك أو طرده من المدرسة، بل محاولة استدراك المشكلة مع الأهل والجمعيات الأهلية غير الحكومية». وقال حايك إن الوزارة تسعى للحد من انتشار مشكلة الإدمان بين الطلاب عبر الحملات والبرامج الإرشادية والوقائية وحملات التوعية. لكنه رفض الحديث عن حالة إدمان داخل حرم المدرسة، مشيراً إلى أن «المخدرات يدمنها الطلاب في الشارع لا المدارس».

جمعيات أهلية لمكافحة الإدمان

«أم النور» هي إحدى الجمعيات الأهلية غير الحكومية التي تعنى بمتابعة المتعاطين والمدمنين ومعالجتهم. وانتقدت مسؤولة الجمعية منى اليازجي، في حديث مع «الأخبار» السجون اللبنانية، مؤكدة «أن نصف المساجين في سجن رومية هم من متعاطي المخدرات»، وأكدت سعي الجمعيات الأهلية غير حكومية إلى تسليط الضوء أكثر على هذه المشكلة.
ومن جهة أخرى، تناولت اليازجي مراحل العلاج وإعادة التأهيل في الجمعيات، وشرحت أنه يقسم إلى مرحلتين: الأولى هي برنامج الاستقبال الذي يدفع المدمن إلى اتخاذ القرار بكسر الحلقة الإدمانية، مع وضع منهج للعلاج. أما المرحلة الثانية فهي برنامج التأهيل، أي العلاج للحد من تأثيرات الإدمان. وكل ذلك يتم ضمن برنامج إقامة داخل المراكز يمتد من 12 إلى 18 شهراً. وأخيراً يخضع الفرد لبرنامج المتابعة لتحصين مناعته ضد الإدمان ومساعدته على الانخراط مجدداً في المجتمع.