إبراهيم الأمين
سيظل الرئيس نبيه بري على درجة عالية من التفاؤل، وسوف ينافسه في الأمر النائب سعد الحريري، ولو أن الأخير مضطر لقول الكثير بسبب إفطارات رمضان من جهة، وزيارته إلى الولايات المتحدة من جهة أخرى. لكن تبادل المدائح لن يكون كافياً لإنتاج تسوية، علماً بأن الضغط جدي على المعارضة لدفعها إلى الحديث عن ترشيح العماد ميشال عون وكأنه مجرّد مناورة.
وفي المداولات التي لم تعد معطياتها سراً على أحد، ركز الأميركيون على أن المهم استدراج حزب الله إلى موقف رسمي يصدر عن أمينه العام السيد حسن نصر الله، يعلن فيه ترشيح العماد عون أو دعمه، وأن حصول ذلك يعني تحرير العواصم الغربية من أي موقف إيجابي تجاه عون، إلا إذا لجأ إلى توضيح من النوع الذي يهزّ علاقته بحزب الله. وفي الحالتين يبحث الغربيون عن خطوة داخلية تقوم بها المعارضة من شأنها جعل ترشيح العماد عنصر ضغط على عون نفسه، مما يجعله مرشحاً لقوى مناهضة للغرب الذي سيضطر إلى إعلان موقف رافض لهذا الترشيح. وهو أمر كفيل دفع المعارضة إلى التراجع لمصلحة آخرين، ولو من باب التسوية، علماً بأن فريق الأكثرية لم يعط أي إشارة عملية في اتجاه التخلي عن ترشيح كل من النائبين نسيب لحود وبطرس حرب، أو حتى عن ترشيح النائب روبير غانم، ولو أن الأخير يحرص على القول إنه ليس مرشح 14 آذار.
لكن عون نفسه لا يتعب من شرح موقفه، وهو يرفض التعامل معه على أساس أنه مرشح للإعلام فقط. حتى في اجتماعه بالسفير الأميركي جيفري فيلتمان أول من أمس، كرر عون طريقته في مقاربة الملف الرئاسي. وكان لافتاً له حديث فيلتمان عن «الحاجة إلى رئيس قوي»، وهو الكلام الذي خضع لاحقاً لتفسيرات، بعضها افترض أن المقصود به هو اللجوء إلى انتخابات أُحادية توصل سمير جعجع إلى الرئاسة الأولى أو الحديث عن توافق أميركي ـــــ سعودي على تعزيز وضع المرشح نسيب لحود وجعله في موقع متقدم، بما في ذلك بدء الحديث عن برنامج مساعدات كبيرة سوف تقر للبنان إذا وصل لحود إلى الرئاسة. لكن عون، الذي لا يخفي رفضه لمثل هذه الخيارات، وهو الذي يعرف أن المعارضة أيضاً لن تقبل بها، أصر على تفسير أمور كثيرة للسفير الأميركي، بينها ما يتعلق بالموقف من نصاب الثلثين لجهة القول إن هذا المبدأ معمول به من زمان. وفي وقت سابق كان المسيحيون هم من يسيطر على البرلمان، والمسلمون أقلية، وجاء نصاب الثلثين نوعاً من الضمان للمسلمين بأن لهم دورهم في اختيار رئيس الجمهورية.
وأضاف عون إنه، بعد كل ما حصل من تطورات، فإن التركيبة الحالية للمجلس النيابي تجعل نصاب الثلثين ضماناً للمسيحيين، وخصوصاً أن هذا المجلس رُكّب بطريقة تجعل المسلمين الطرف المقرر في اختيار النواب أولاً، ومن ثم في اختيار الرئيس. وأعاد عون الشرح المفصل وبالأرقام للواقع المسيحي الذي يشير إلى أن النواب الحاليين والذين ينتمون إلى تكتل فريق الأكثرية، وصلوا بأصوات المسلمين، وأن ما حصلوا عليه من أصوات المسيحيين لم يتجاوز الأربعين في المئة حداً أقصى، وهو أمر ينطبق على نائب واحد هو جورج عدوان. وبالتالي فإن المعدل الوسطي لنسبة الأصوات التي نالها النواب من فريق الأكثرية يقارب 35 في المئة، بينما حصلت اللوائح المدعومة من التيار الوطني الحر على نسبة 65 في المئة، وبالتالي فإن هذه الوكالة الممنوحة لعون غير قابلة للعزل، إلا من خلال انتخابات نيابية جديدة، وهو أمر تقبل به المعارضة اليوم قبل الغد.
لكن عون الذي يعرف أن الأميركيين وغيرهم لا يهتمون كثيراً بهذه التفاصيل، قد أعطى إشارة عملية إلى أن لديه ما يبرر موقفه الرافض للمساومة، كما يقول، وأنه ليس في موقع ضعيف كما يزعم الآخرون. وتحدث قادة التيار أمس عن تفهم أميركي، وسمعوا من دبلوماسيين أميركيين في بيروت أن فيلتمان يرى في الاجتماع أول من أمس حدثاً جدياً مختلفاً عما مضى، لكن ذلك لا يعني أن الأنظار سوف تظل مشدودة باتجاه العاصمة الأميركية، حيث يعتقد عون ومعه غالبية أطراف المعارضة أن الولايات المتحدة ستضغط على النائب الحريري للسير في معركة رئاسية، لا في تسوية، وأن الصورة ربما تتضح أكثر خلال الزيارة التالية التي سيقوم بها النائب وليد جنبلاط إلى العاصمة الأميركية بدعوة من معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، وهو القريب من دوائر القرار في الإدارة الأميركية والأكثر تأثراً بمواقف القوى المناهضة لتيار المقاومة في لبنان وفلسطين، حيث تعد الدراسات الأساسية التي تهدف إلى تطويق إيران وسوريا. وهي الزيارة التي يُعتقد أنه سيجري على هامشها ترتيب لقاءات لجنبلاط مع كبار المسؤولين الأميركيين.
ولكن هل يعني ما يحصل أن واشنطن سوف تقفل الباب أمام احتمال التسوية؟
ليس في فريق المعارضة من يعتقد بوجود رغبة أميركية في إنضاج تسوية من النوع الذي يعطي سوريا وإيران في لبنان شيئاً بلا مقابل ما ليس له مقابل في نقاط التوتر الأخرى بالمنطقة. لكن هناك من يعتقد أن الولايات المتحدة تخشى، مثلها مثل الآخرين، فراغاً وانفجاراً من النوع الذي يطيح ما هو قائم الآن من مكاسب للفريق الحليف لها. وهي لذلك قد لا تعارض فكرة «تحييد» لبنان عن الصراعات الدائرة في المنطقة من خلال القبول بتسوية موضعية، وهو أمر لا يستبعده البعض، وبينهم الرئيس بري نفسه، وحشد من المرشحين الذين يفترضون أن حظوظهم ترتفع كلما لاحت التسوية في الأفق. بين هؤلاء مرشح لديه مطالعة تأخذك في رحلة من الاقتصاد الصيني إلى نمو حركة طالبان في أفغانستان إلى ما يجري على الجبهة الإيرانية وأحوال العراق وفلسطين واستعادة روسيا دور المواجه والتغييرات في أوروبا ليصل إلى لبنان ويقول إن التسوية خيار إلزامي لأميركا وخيار مقبول عند خصومها، وأن البحث سينحصر عملياً في شخصية الرئيس القادر على الوصل بين الجميع... ولا يحتاج المرشح الفذ هذا إلى أن ينهي مطالعته بالابتسام، مشيراً إلى نفسه كمنقذ.