وفيق قانصوه
بين التطمينات التي يوزعها رئيس كتلة «المستقبل» النائب سعد الحريري، في كل الاتجاهات، ورسائل التذكير بالـ1559 التي بعث بها رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط الى قادة دول وأحزاب، والتهديدات المتتابعة لقائد «القوات اللبنانية» سمير جعجع بإجراء الانتخابات بالنصف زائداً واحداً، ضاع اللبنانيون في تفسير حقيقة الموقف «الأكثري» من التطورات.
ثمة قراءات ثلاث تحاول تفسير هذا «التباين»:
الأولى تشير الى أن أوساطاً قريبة من الحريري، وهي التي تعبّر عن مصالح البورجوازية السنية، تعتقد بأن التوافق هو من مصلحة السنية السياسية، وخصوصاً الحريرية، في هذا الوقت بالذات، إذ من المؤكد أن التوافق على رئيس للجمهورية يعني أنه ستكون لهذا التيار حصة في الرئيس العتيد، إضافة الى حصته المحفوظة في رئاسة الحكومة وفي مجلس النواب وفي معظم الأجهزة والإدارات. وتستند هذه القراءة الى ما نقل عن النائب الحريري في الفترة الأخيرة، في لقاءات مع مراجع وقيادات حزبية سنية، بأنه لن ينجرّ الى ما ليست فيه مصلحة للطائفة. وهنا تُنسب الى هذه الأوساط تساؤلات عن المصلحة في عدم التوافق الذي قد يؤدي الى الفراغ أو الى حكومتين ورئيسين، وبالتالي دخول البلاد في المجهول، وكيف ستحكم «الأكثرية» بلداً سيكون كل جنوبه وبقاعه وبعض شماله ونصف جبله وعاصمته تحت سيطرة المعارضة، ناهيك عن حدوده الشمالية والجنوبية، لتخلص الى أن التوافق سيكون الخاتمة السعيدة للمساعي الجارية على قدم وساق.
ويعتقد أصحاب هذه القراءة بأن المملكة العربية السعودية ليست بعيدة عن هذا التوجه، والموقف الفرنسي والأوروبي يريد تجنيب البلد خضّة، قد تأخذه، وتأخذ القوات الدولية الموجودة على أراضيه، الى المجهول.
وتضع القراءة الثانية «التباين» في المواقف بين أقطاب «الأكثرية» في سياق «توزيع الأدوار» بينهم تقطيعاً للوقت، وذلك في انتظار «الضربة الإقليمية الكبرى» التي يراهن عليها هؤلاء. وتستند هذه القراءة الى أن الأجواء الحالية تشبه الى حد كبير تلك التي سادت عشية عدوان تموز 2006، وأن الأميركيين باتوا اليوم أكثر ميلاً الى توجيه ضربة الى إيران ستعيد تشكيل المنطقة ودولها، وبالتالي فإن من مصلحة «الأكثرية» تمديد الأزمة لأطول وقت ممكن في انتظار ما ستسفر عنه التطورات الدولية والإقليمية. وتستند هذه القراءة الى الدعوتين اللتين وُجّهتا الى الحريري وجنبلاط لزيارة واشنطن، والى الجولات التي يقوم بها السفير الأميركي جيفري فيلتمان يومياً على قيادات «الأكثرية» لـ«شدشدة براغيها» وشدّ عضدها، وترى في ذلك كله إمعاناً في تدويل الأزمة، ربما وصولاً الى انتخاب رئيس بالنصف زائداً (أو حتى ناقصاً) واحداً.
أما القراءة الثالثة، وهي في مرتبة بين القراءتين، فترى أن المساعي الجارية حالياً قد تنتهي الى «هدنة» يُنتخب بموجبها رئيس يرضي كل الأطراف، وفي الوقت نفسه يمكن «الأكثرية» التملص منه بعد فترة، واستئناف الأزمة من حيث تتوقف.
ويوضح أصحاب هذه القراءة أن الضربة الأميركية لإيران مستبعدة حالياً في انتظار اكتمال عناصر الملف الذي تجمعه واشنطن لتبرير أي حرب تشنها على طهران. وفي غضون ذلك، ليس من مصلحة الأميركيين إدخال لبنان في فوضى لا يمكن أن تقف عند حدوده، وقد تجعله مركزاً رئيساً للحركات التكفيرية في المنطقة. ناهيك عن أن أية فوضى من هذا النوع ستطيح «الإنجاز الوحيد» الذي حققته إسرائيل في عدوانها العام الماضي بإبعاد عناصر «حزب الله» عن الحدود، وقد تعيد هؤلاء الى المناطق التي كانوا فيها، لأن أية دولة أوروبية، في حال سيناريو الفوضى، لن تخاطر بحياة جنودها في جنوب لبنان، وقد لا تبقيهم في المنطقة يوماً واحداً. لذلك، بحسب هذه القراءة، فإن الأميركيين سيبقون خيط المفاوضات مشدوداً حتى اللحظات الأخيرة قبل التوصل الى رئيس تسووي، لا يعطي المعارضة نصراً ولا يأخذ من «الأكثرية» مواقعها التي سيطرت عليها خلال العامين الماضيين. وفي ضوء المعطيات الإقليمية، بعد المؤتمر الدولي الذي دعت إليه واشنطن في الخريف، واستكمال الإدارة الأميركية جمع المبررات للحرب على إيران، التي يعتقد، ويتمنى، كثيرون من صقور «الأكثرية» بأن المنطقة بعدها لن تكون كما هي الآن، يمكن حينها لفريق «14 آذار» استئناف «ثورته الاستقلالية»، وهو لن يعدم المبررات لذلك وأبرزها... سلاح المقاومة.
وعلى رغم تباين مقاربة القراءات الثلاث للوضع إلا أنها تجمع على أن ما بعد تشرين لن يكون كما قبله.