غسان سعود
المرشحون للرئاسة تناولوا الملف بصيغ إنشائية وملابسات اعادة اعمار البارد تعزز المخاوف

تشغل مسألة التوطين المنتديات المسيحية الروحية والسياسية، وخصوصاً الكنيسة، إذ تعلم أن ما بعد 24 تشرين الثاني، تاريخ انتهاء ولاية رئيس الجمهورية إميل لحود، ليس كما قبله أبداً على هذا الصعيد.
ويتردد في صالونات أكثر من مطرانية الكلام نفسه على مفاوضات عدة جرت بين لحود وسفراء الدول الأجنبية حول مواضيع مختلفة وانتهت جميعها عند «عقبة» إصرار الرئيس على رفض مشروع التوطين. وينسب في هذا السياق أحد الوزراء السابقين كلاماً إلى البطريرك الماروني نصر الله بطرس صفير يؤكد فيه أن الأولوية بالنسبة إلى المسيحيين في ما يتعلق بمواقف الرئيس المقبل تكمن في قدرته على رفض ملف التوطين وإيجاد حل للوجود الفلسطيني في لبنان، مشيراً إلى قلق الكنيسة من مرور المرشحين للرئاسة في برامجهم المعلنة بطريقة هامشية على هذا الملف، واكتفائهم بتكرار العبارات الإنشائية.
وكانت الخطوة المسيحية التصعيدية الأولى في هذا الاتجاه قد تمثلت في «لقاء الهوية والسيادة» الذي أثار في حضور أقطاب «الملتقى» الذين ينسقون مع الكنيسة عبر المطران غي نجيم هذه المسألة. وتفيد المعلومات أن اللقاء وضع خطة تقضي بتهيئة الرأي العام المسيحي لمواجهة أي مخطط توطيني، والضغط على قياداته في سبيل هذا الهدف، بعدما تناهى الى الكنيسة معلومات عن أن بعض الأحزاب المسيحية يوعز إلى مناصريه القول إن التوطين «ليس آخر الدنيا» وقد يشكل وسيلة لتحقيق «المصلحة المسيحية العليا» عبر تعزيز عدد أفراد الطائفة السنية التي يتحالف بعض زعمائها مع هذه الأحزاب.
أحد المطارنة المتابعين لهذا الملف كشف أن ثمة من دعاه إلى مقاربة هذا الموضوع من زاوية «استشراقيّة» تنفتح على الفلسطينيين وتطمئنهم بدل استفزازهم، من منطلق أن وجودهم في لبنان أمر واقع لن يتغير في القريب العاجل. ويقول المطران نفسه إن ثمة من يتحدث عن ضرورة أن يدخل المسيحيون على خط الصراع السني ـــــ الشيعي لاستيعاب الفلسطينيين المقيمين في لبنان، مسقطاً البحث عن حلول جدية لمعالجة هذه القضيّة.
من جهة «الملتقى»، يقول الوزير السابق يوسف سلامة إن ذهاب لبنان إلى المؤتمر الدولي حول النزاع الفلسطيني ـــــ الإسرائيلي بسلطة مشتتة، وبموقف غير جازم ونهائي من مسألة التوطين، يثير أكثر من علامة استفهام، مؤكداً أن البحث في إعداد مسودة حل نهائي للمنطقة، وسط المقاربة اللبنانية الضبابية لهذه القضية، سيشجع المجتمع الدولي على القفز فوق التحفظات اللبنانية وفرض التوطين على اللبنانيين كأمر واقع. ويحذر سلامة من أن ذهاب لبنان إلى مؤتمر كهذا بوفد لا يملك صلابة الرئيس لحود في مقاربته لهذا الملف في مؤتمري القمة العربية في بيروت والرياض، سيسهل للمؤتمرين إمراره، علماً أن «لقاء الهوية والسيادة» الأخير شدد على ضرورة أن تجدد كل القوى السياسية التزامها التمسك بحق عودة الفلسطينيين اللاجئين إلى وطنهم الأم، والتفاهم بسرعة على إعادة تكوين السلطة التنفيذية برمتها ضماناً لوجود مرجعية لبنانية شرعية واحدة تواكب الخطط أو البرامج التي قد يعدها أو يتفق عليها المجتمع الدولي والدول العربية المعنية لمعالجة مشكلة اللاجئين الفلسطينيين. وانتهى اللقاء إلى التأكيد «أن خطر التوطين ليس وهماً، كما يحلو للبعض أن يردد، بل واقع يبشّر به عجز العرب عن استرداد حقهم مدى الستين سنة المنصرمة، وتمرير قانون التجنيس، وإصرار اسرائيل على رفض العودة».
بدوره، يشدد القيادي في «التيار الوطني الحر» جبران باسيل على ضرورة إثارة هذا الموضوع عشية المؤتمر الدولي من جهة، واستحقاق رئاسة الجمهورية من جهة ثانية، وخصوصاً أن كثيرين يضغطون لوصول رئيس «طيّع» ينهي «الممانعة» في هذا الملف. ويرى باسيل أن أحداث نهر البارد وما يحصل اليوم في موضوع إعادة الإعمار يعزز المخاوف من التوطين، معتبراً أن بناء مخيم نموذجي أو تبنّي دمج النازحين من البارد في مجتمعات عكار وطرابلس وزغرتا في الشمال هو أحد وجهيْ عملة واحدة تشتري استقرار الفلسطينيين في لبنان، من منطلق أن الحكومة لا توافق على التوطين لكنها تغض النظر عن وجودهم، فيتحول هذا الوجود من «قائم وفعلي» إلى «مثبت ونهائي». وينتهي باسيل باسم لقاء الهوية والسيادة الذي ضم عدداً كبيراً من الوزراء السابقين والنواب الحاليين ووجوهاً مسيحية بارزة، إلى تقديم حل، يعتبر باسيل أنه يفترض بالحكومة تسويقه في المحافل الدولية بديلاً للفلسطينيين من وجودهم في لبنان، ويتمثل هذا الحل «بالطلب من عدة دول عربية استقبال فلسطينيي لبنان فترتاح الدولة اللبنانية اقتصادياً وديموغرافياً، ويتمتع الفلسطينيون بظروف حياة أفضل بعد إيجادهم فرص عمل في الدول العربية التي تحتاج أصلاً إلى اليد العاملة، ويتحولون إلى عناصر منتجة بدل تحول بعضهم في المخيمات البائسة إلى عناصر إرهابية».
ويعلق أحد المتابعين لهذا الملف بالقول إن السلطة اعتادت مقاربة الكلام على هذا الموضوع باستهتار ولامبالاة فيما تستعد الكنيسة خلال الأسابيع المقبلة لرفع الصوت بشأنه، مشيراً الى أنه يجب انتظار رد الفعل الحكومي، فإما يبحث جديّاً عن الحل وإما تدير الحكومة «الأذن الطرشاء» في انتظار أن تنسى الكنيسة، كما سبق وفعلت في ملف «الأسلمة» الذي سحب من التداول فجأة.