بسام القنطار
45 حريقـــاً تلـــفّ لبـــنان مـــن الشمـــال إلى الجنـــوب وتصيـــب العشـــرات بجـــروح وحـــروق

حرائق يوم أمس كبيرة وكارثية ولكنها ليست حدثاً استثنائياً، ففي شهري أيلول وتشرين الأول من كل عام يودع لبنان يومياً ما يزيد على 150 دونماً من الغطاء الأخضر.
الاستثنائي في حرائق يوم أمس أن ما كان يحدث بالمفرق حدث بالجملة لأسباب متعددة حوّلت لبنان الى «جبهة حرائق» بعضها طبيعي وخصوصاً الرياح الشديدة، وبعضها الآخر غير طبيعي ومفتعل. لكن، وعلى غرار الحرائق السابقة، فإن مفتعليها من المرجح أن يبقوا خارج إطار العقاب والمحاسبة، على رغم أن التقارير الرسمية تحدثت عن البدء بتحقيقات لمعرفة ما إذا كانت هذه الحرائق قد اندلعت بفعل فاعل. وأوردت المديرية العامة للدفاع المدني في بيان أن عناصرها نفذت 125 عملية إطفاء و128 عملية إسعاف وإنقاذ. وفي أسباب الحرائق أكد رئيس قسم العمليات في الدفاع المدني جورج أبو موسى أنه لا يوجد سبب طبيعي لنشوب الحرائق ليلاً في الأحراش، وأشار أبو موسى الى وجود 45 حديقة مشتعلة في الوقت نفسه في مناطق عدة.
وأعلن الصليب الأحمر أن فرقه تمكنت من نقل 7 حالات صحية من القبيات إلى مستشفى السلام وتقديم الإسعافات الأولية في مراكز الإسعاف أو في مكان وجود الحالات لـ47 شخصاً أصيبوا بإعياء شديد واختناق وضيق في التنفس وحروق طفيفة ورضوض في مناطق دير القمر والقبيات ورشميا وضهور الشوير. إضافة الى ذلك تمكنت الفرق من إخلاء 37 شخصاً من منطقة دير القمر الى مناطق بعيدة عن الحرائق.
وقال مصدر رسمي إن الدفاع المدني والجيش اللبناني يواجهان صعوبة كبيرة في إخماد هذه الحرائق، أولاً بسبب النقص في سيارات الإطفاء، وثانياً بسبب العاصفة الهوائية القوية التي تساهم في انتشار الحرائق في الأحراج والغابات الموجودة في القرى والبلدات. ويعوق عمل الدفاع المدني عدم وجود طرق داخل الغابات لوقف هذه الحرائق قبل أن تلتهم مساحات واسعة.
ومساءً أفيد عن تمكّن الدفاع المدني من حصر عدد كبير من الحرائق، حيث طوّق 80% من الحرائق في جبل لبنان، لكن المشكلة تكمن في إطفاء حرائق بلدة عندقت والقبيات في الشمال حيث يتعذّر وصول الآليات.
إذاً كثافة الحرائق وقوتها يوم أمس استطاعت اختراق حاجز اللامبالاة بهذا الملف الخطير الذي من المتوقع أن يقضي على كامل المساحة الخضراء في لبنان في غضون الثلاثين سنة المقبلة إذا استمرت السياسات الحكومية في التعاطي مع هذا الملف على طريقة «طلب النجدة»، كما فعل وزير الداخلية والبلديات حسن السبع إذ أجرى اتصالات هاتفية مع السلطات الإيطالية طالباً مساعدة رسمية بإرسال طائرات «CANADAIR» الإيطالية المتخصصة في إخماد الحرائق، بعدما تبين للاختصاصيين أن طائرات الإطفاء اللبنانية والقبرصية وتلك التي تملكها قوات اليونيفيل الدولية غير مجهزة للعمل في الظروف المناخية الحالية التي تشهد اشتداداً في سرعة الرياح. واعلن الدفاع المدني الايطالي في بيان أمس ان رئيس الوزراء الايطالي رومانو برودي قرر ارسال طائرتين الى لبنان لمكافحة الحرائق التي اندلعت في مناطق متعددة. واضاف البيان ان الطائرتين اقلعتا الثلاثاء من ايطاليا الى لبنان عبر اليونان مع ثلاثة طواقم للسماح بعمليات تناوب.
ونظراً إلى عدم رصد الكثير من الحرائق أو توثيقها، يصعب إعطاء أرقام دقيقة عن المساحات المحترقة، لكن يمكن التقدير أن حرائق يوم أمس التي تعدّت 45 حريقاً قضت على ما يزيد على 400 هكتار من المساحات الخضراء، أي ما يعادل حوالى نصف إجمالي عدد الحرائق المسجلة في العام الفائت خلال الشهر نفسه التي قضت على 796.52 هكتاراً من إجمالي المساحة الحرجية المنكوبة في لبنان عام 2006 البالغة 3460 هكتاراً (2122 هكتاراً قبل حرب تموز وبعدها و 1338 هكتاراً احترقت خلال الحرب).
وفي حال استمرار موجة الحرائق خلال هذا الأسبوع، يمكن التأكيد أن موسم الحرائق خلال عام 2007 سيكون أعلى بكثير من عام 2006 الذي خسر فيه لبنان 1.40 في المئة من إجمالي المساحة الخضراء (247754 هكتاراً).
مساحات شاسعة تحولت أراضي محروقة يوم أمس ولم يبق فيها أثر لشجر أو غصن أخضر، وأفاد مراسلنا في منطقة عاليه عامر ملاعب أن القسم العلوي من بلدة عين تريز احترق بالكامل وبدت المنازل مغطاة بطبقة من السخام الأسود، حتى الأشجار التي زُرعت على جانبي الطرق لم تسلم من النيران. وقد أتت النيران على خطوط الهاتف والكهرباء، وما فاقم المشكلات وقوع انفجارت ناجمة من قذائف غير منفجرة تعود لفترة الحرب ما بين عاميْ 1982 و1985، بحيث تعذر على عناصر الدفاع المدني التوغل في الأحراج، ولم تُوقع خمسة انفجارات إصابات، ولم يعرف إن كانت ناجمة من ألغام مزروعة أو قذائف غير منفجرة.
وشب حريق الرابعة فجراً في منطقة ضهور العبادية نتيجة احتكاك خطوط الكهرباء بسب الرياح الشديدة، وامتدت النيران من الطريق الدولية قرب مدينة عاليه في اتجاه مرتفعات العبادية وأتت على 175 ألف م2 من الأراضي.
وامتدت الحرائق من بلدتي العربانية والدليبة في المتن الأعلى صباحاً، ووصلت الى بلدة صليما، وأدت الى أضرار في أحراج الصنوبر على مساحة شاسعة، وفي بلدة قبيع اندلع حريق كبير قرب المنازل، وأتت النيران على منزلين مهجورين،. وفي بلدة بخشتيه، شبّ حريق قرابة الواحدة فجراً ولم تعرف أسباب اندلاعه، وتمكّن الدفاع المدني من إخماده الساعة الرابعة والنصف فجراً. وناشد عدد من رؤساء بلديات المنطقة، وخصوصاً في عيناب، الدفاع المدني والجيش الإسراع في إخماد النيران قبل أن تصل الى المنازل وتسبب خسائر في الأرواح. واندلع حريق كبير منذ ساعات الفجر في بلدة ضهر الشوير، وقد أتى على مساحات واسعة من الصنوبر، ولامست ألسنة النار بعض المنازل وعملت فرق الصليب الأحمر على إخلاء مأوى «بيتنا» للمسنّين بعدما اقتربت النيران منه، ونقلت 23 مسنّاً الى أحد مراكزه. وفي منطقة عمشيت الجبيلية تمكّنت فرق الدفاع المدني من إخماد حريق اندلع صباحاً قرب معامل العسيلي حيث التهمت النيران عدداًَ من أشجار السنديان والقندول على مساحة خمسة آلاف متر مربع.
وأفادت مراسلة «الأخبار» في الشوف أميمة زهر الدين أن أهالي المنطقة وضعوا كمامات على أفواههم بسبب كثافة الدخان المتصاعد من الوديان المحيطة بقراهم، وأن بعض أعمدة الكهرباء وخطوط الهاتف والسيارات في بلدة دير القمر أتت عليها النيران. ومع بدء توسع النيران إلى المنازل، أجلى الصليب الأحمر وأعضاء البلدية والمعنيون عدد كبير من السكان، وخصوصاً المسنّين، الى أمكنة في وسط البلدة، ولا سيما بعدما طاول الحريق ثلاثة منازل عائدة الى كل من: العميد جان ناصيف، المحامي فؤاد البستاني ومارون البستاني، إضافة إلى سيارتين ودراجتين ناريتين. وقد طُلب من الأهالي إجلاء الطلاب من دير مار عبدا والجامعة اللبنانية وفرع جامعة سيدة اللويزة والثانوية الرسمية، ومُنع اقترابهم من هذه الأمكنة تسهيلاً لعمل عناصر الإطفاء. وطُوّق قصر موسى الأثري بالعناصر الجاهزة للإطفاء بعدما كادت النيران تهدده وهي على بعد نحو 20 متراً فقط منه، وخصوصاً بعد نداءات عدة أُطلقت في هذا الإطار. وبحسب الأهالي ونائب رئيس البلدية فادي حنين فإن الأضرار طالت نحو 70 في المئة من مساحة دير القمر الإجمالية، وأصيب بالإغماء زهاء 17 مواطناً.
وأفاد مراسل «الأخبار» في عكار خالد سليمان أن النيران التي اندلعت فجراً قضت على آلاف الأمتار المربعة من أحراج الصنوبر والسرو والسنديان. وقد أقفلت المدارس في بلدة القبيات في منطقة عكار بعدما امتدت النيران إلى منزل يقع على أطراف البلدة وأحرقت محتوياته.
وأدى ارتفاع درجات الحرارة وسرعة الرياح إلى امتداد حرائق غابات عودين في عندقت ــــ عكار إلى منطقة القبيات المجاورة، فيما كانت تعمل فرق الإطفاء المدني وطوافات الجيش اللبناني وعناصره بمساعدة الأهالي على إخماد الحريق الذي اندلع منذ الأحد الماضي. وأصيب عنصر من الدفاع المدني بكسر في قدمه، فيما أصيب عدد من المواطنين بحالات اختناق ونقلوا إلى مستشفيات المنطقة. وعملت فرق الدفاع المدني على إخلاء خمسة منازل من سكانها بعدما حاصرتها النيران. من جهته، قال مختار عندقت بيار خوري لـ«الأخبار» «إن أسباب الحريق مفتعلة وغير عادية»، من دون تحديد هوية الفاعلين. وأضاف: «إن وعورة المناطق المحترقة وشدة الرياح ساعدتا في امتداد الحريق إلى منطقة المرغان في القبيات». وكان حريق اندلع مطلع الصيف في سفح جبل عندقت أتى على مساحة مليون متر مربع من أشجار الصنوبر والسنديان. وأدت تدخلات سياسية إلى إطلاق سراح الفاعل بعد توقيف لساعات عدة، كما قال مختار عندقت إبراهيم القاضي. وأضاف لـ«الأخبار» «إن مسبّب حريق أول الصيف هو أحد محازبي «القوات اللبنانية» التي عملت على إطلاقه بعد توقيفه لفترة وجيزة».
ومن حاصبيا، أفاد مراسل «الأخبار» عساف أبو رحال أن الحرائق وصلت السفوح الغربية لجبل حرمون في خراج بلدة الكفير، ملحقة أضراراً فادحة بالثروة الحرجية، وخصوصاً أشجار الصنوبر المعمرة والمثمرة. وقدّر مختار الكفير فواز صقر المساحات المحروقة بنحو خمسة آلاف دونم غالبيتها من الصنوبر المثمر والسنديان والأشجار الحرجية المختلفة. وشهدت بلدتا الخلوات وعين جرفا في قضاء حاصبيا، حريقين مشابهين تمت السيطرة عليهما مع ساعات الصباح الباكر.