نقولا ناصيف
لا يبدو متوقعاً في أوساط دبلوماسية غربية واسعة الاطلاع في بيروت، أن رئيس تيار المستقبل النائب سعد الحريري سيسمع من الرئيس جورج بوش والمسؤولين الأميركيين اليوم موقفاً متقدماً على ما يدلي به السفير في بيروت جيفري فيلتمان في ملف انتخابات الرئاسة اللبنانية. لكن الأهمية التي تكتسبها الزيارة تكمن في توقيتها، وفي تأكيد دعم أميركي رفيع المستوى للحريري وحلفائه في قوى 14 آذار في مسارهم السياسي، فضلاً عن التشدّد حيال سوريا وتدخّلها في الشأن اللبناني، والاستحقاق الرئاسي خصوصاً.
وبحسب الأوساط الدبلوماسية نفسها، لا يزال موقف واشنطن من انتخابات 2007 تحكمه الضوابط الآتية:
1 ـــــ استمرار نظرة الإدارة الأميركية إلى انتخابات الرئاسة اللبنانية تبعاً للموقف الذي أصدرته السفارة في بيروت يوم 21 آب الفائت، وشددت فيه على إجراء الاستحقاق في موعده وفق الدستور القائم، ومن دون تدخّل خارجي، انسجاماً مع ما ينصّ عليه القرار 1559 الذي كانت الولايات المتحدة أحد رعاته. ولا تزال واشنطن ترى أن القرار يعكس تفكيرها حيال الاستحقاق الرئاسي. ومذ أدلى فيلتمان بهذا الموقف لم يطرأ تعديل أو إضافة عليه، وهو يتعمّد تكراره في كل مناسبة وزيارة رسمية لمسؤولين وقادة لبنانيين، ولا يتجاهله في اللقاءات الخاصة، متفادياً باستمرار الخوض في السجال الدائر حول النصاب القانوني لجلسة انتخاب الرئيس الجديد لئلا يستدرج إلى الأسماء. ولا يعني قط أن لا موقف لديه، في قرارة نفسه، من النصاب.
2 ـــــ يتحدّث المسؤولون الأميركيون المهتمون بملف الرئاسة عن رغبة واشنطن في اتفاق الأفرقاء اللبنانيين على ما يسمونه «مرشحاً وسطياً»، وهو تعبير مرادف للمرشح التوافقي. ويقولون إنهم يفضّلونه «مقبولاً أو يتبنّى مشاريع قوى 14 آذار وخططها ونظرتها إلى مستقبل لبنان». ويعتقد هؤلاء أيضاً أنهم وافقوا على المبادرة التي أطلقها رئيس المجلس نبيه بري كي يساعد هو في وصول رئيس توافقي ضمن المواصفات التي يضعها الأميركيون. كذلك يقولون، على ما تنسبه إليهم الأوساط الدبلوماسية الغربية الواسعة الاطلاع في بيروت، إنهم لم يقطعوا الأمل بعد في أن بري سيبذل جهوداً حثيثة لانتخاب الرئيس الأقرب إلى تلك المواصفات. لكن تعذّر تحقيق هذا الهدف لن يحمل واشنطن على تأمين الغطاء الكامل لقوى 14 آذار لانتخاب رئيس من صفوفها بنصاب النصف الزائد واحداً فحسب، بل إنها متيقنة من حصولها على أوسع دعم واعتراف دوليين للرئيس الذي ينتخبه هذا الفريق، وفرض شرعيته الدولية على الأفرقاء المعارضين له في لبنان كأمر واقع.
على أن واشنطن تحبّذ عدم استعجال مثل هذا الخيار ما دام في الإمكان الرهان بعد على تعاون رئيس المجلس، وترى أن الوقت لا يزال متاحاً أمامه وأمام حلفائه لملاقاة الغالبية النيابية على «المرشح الوسطي».
3 ـــــ في الزيارات غير المعلنة، والدورية، التي يقوم بها فيلتمان لسياسيين لبنانيين يكثر تداول أسمائهم في الاستحقاق الرئاسي، يحرص على تأكيد رغبة بلاده في حصول انتخابات وفق نصاب الثلثين، والتوصل إلى مرشح توافقي. لكنه يلاحظ، في المقابل، أن الخيارات الأخرى مفتوحة وقد تكون حتمية. ومن دون أن يجهر بتأييد بلاده إجراء انتخابات رئاسية بنصاب النصف الزائد واحداً، يقول إنها ستوافق على ما تقرّره قوى 14 آذار في هذا النطاق. ويعزو فيلتمان احتمال دعم هذا الموقف إلى الخشية من حصول فراغ في رئاسة الجمهورية يؤدي إلى فوضى.
مع ذلك لا يكتم أمام محدثيه قلقه من آثار انتخابات تعتمد نصاب قوى 14 آذار، ويعي أن مخرجاً كهذا لا يقدّم بالضرورة الحل المناسب، ويفسح في وقت لاحق أمام انفجار مشكلات داخلية أكثر تهديداً للاستقرار.
4 ـــــ خلافاً لما تراه الدبلوماسية الأميركية محاولة من حزب الله لتمييز القرار 1559 عن القرار 1701، على نحو تأييده القرار الثاني بلا تحفظ ورفض القرار الأول، وربط إجراء الاستحقاق بالموقف من القرار 1559، لا تفصل الإدارة الأميركية بينهما، بل تجد القرار 1701 مكملاً للقرار 1559. كذلك ينبغي الأخذ في الاعتبار، في ذهن الدبلوماسية الأميركية، أن ما تفادى القرار 1701 الجهر به لأسباب اتصلت في آب 2006 بإنهاء الحرب بين إسرائيل وحزب الله وإعادة الاستقرار إلى لبنان، وهو سلاح حزب الله، قد تضمنه سلفاً القرار 1559 عندما صدر عام 2004، أي تجريد الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية من سلاحها. وهكذا تقترن وجهة النظر هذه بسلسلة مواقف عبّر عنها السفير الأميركي في بيروت، إذ ربط إجراء الاستحقاق الرئاسي باستكمال تنفيذ القرار 1559 في مرحلة لاحقة، وقوله في لقاءات خاصة مع مرشحين وسياسيين لبنانيين إن تأييد إدارته مرشحاً توافقياً للرئاسة اللبنانية يقتضي ألا يعني بالنسبة إلى المعارضة انتخاب رئيس «يهمل» هذا القرار، أو سواه من القرارات التي أصدرها مجلس الأمن في الشأن اللبناني وذات الصلة باستعادة لبنان سيادته، ومنع أي تدخّل خارجي فيه، كذلك لن تتغاضى إدارته عن رئيس يقول إنه لا يريد تنفيذ القرارات الدولية.
وهو مغزى ما قاله فيلتمان، أكثر من مرة، عن معارضة إدارته انتخاب رئيس كيفما كان. وكما ينص القرار 1559 على احترام آلية انتخاب رئيس جديد للجمهورية بحرية ووفق أحكام الدستور دون تدخّل خارجي، يقتضي أن يُدرج الرئيس المقبل للجمهورية القرار في سلّم أولوياته.
5 ـــــ على وفرة الدعم السياسي الذي تقدّمه واشنطن لحلفائها في قوى 14 آذار، وتفهّمها إصرار هذا الفريق على خوض انتخابات رئاسية بنصاب النصف الزائد واحداً إذا تعذّر انتخاب رئيس توافقي من صفوفه، تبدو الإدارة الأميركية في الوقت نفسه غير متأكدة من سيطرة قوى 14 آذار على نصاب الأكثرية المطلقة لانتخاب الرئيس الجديد، جراء تحفظ أفرقاء في هذا التحالف على المشاركة في جلسة لا يكتمل فيها نصاب الثلثين. وهو أمر حمل السفير في بيروت، تكراراً، على حضّ أركان قوى 14 آذار على التماسك في ما بينهم، وتجاوز التباين الملحوظ في مقاربة كل منهم معركة انتخاب الرئيس.