strong> غسان سعود
حجبت جلسة 25 أيلول، التي دعا إليها الرئيس نبيه بري، لانتخاب رئيس للجمهورية، الأضواء عن تداعيات جريمة اغتيال النائب أنطوان غانم على المستوى الكتائبي، رغم ما كشفته جنازة النائب الشهيد من أمور مثيرة، لا تزال موضع استغراب كل من توجّه إلى بدارو لأداء واجب العزاء، ووداع أحد أطيب حمائم «انتفاضة الاستقلال».
وإذا كانت ظروف المرحلة الماضيّة، وخصوصاً قرار الرئيس الأعلى لحزب الكتائب أمين الجميل المضي في ترشحه للرئاسة، أجبرت كتائبيين كثراً على التزام الصمت تجاه قضايا تنظيمية داخلية تعنيهم مباشرة، فإن معظم هؤلاء لم يعودوا اليوم يخفون استياءهم من «الوضع المزري» الذي وصل إليه الحزب، في ظل إصرار رئيسه الأعلى على «حرق النفَس في سبيل مصلحة 14 آذار». وقد أنهى هؤلاء المستاؤون ترتيب أوراقهم، للذهاب إلى المؤتمر الكتائبي السنوي العام في 14 و15 و16 من الشهر الجاري، بجعبة مليئة بالمواقف الاعتراضية على الاستمرار في استراتيجية الجميّل السياسية، التي أثبتت بعد سنتين «فشلها الذريع على المستويات الكتائبيّة والمسيحيّة والوطنيّة».
وينتظر أن تأتي المفاجأة الأبرز من رئيس الحزب كريم بقرادوني بإعلانه عزوفه عن تولي مسؤولياته الحزبية، والابتعاد عن الأضواء الكتائبية، وهو ما يعني إعلاناً رسمياً عن انهيار مشروع لمّ شمل الكتائبيين الذي خطط له بقرادوني مع النائب الشهيد بيار الجميّل. وإذا كان بقرادوني يلوذ بالصمت تجاه ما يعصف بالحزب، بعد أقل من ثلاث سنوات على إعادة إطلاقه، فإن المحيطين به يؤكدون أن لديه تفاصيل كثيرة تشجعه على المضي ومجموعة كبيرة من الكتائبيين الأصيلين في حياتهم السياسية.
وإلى بقرادوني، فإن أعمدة حزبيّة كثيرة سترفع يدها طلباً للكلام، لتعلن اعتراضها على ما أوصلت طموحات البعض الشخصية الحزب إليه.
وتعدّ في هذا السياق أوراق خمس قضايا رئيسية. أوّلها، نتائج التحقيق في اغتيال الجميّل. إذ إن بين الحزبيين من هو مقتنع بأن الكلام الكتائبي مع 14 آذار، وتيار «المستقبل» خصوصاً، يفترض أن يكون «ذا منحى آخر»، إذا ثبت فعلاً أن خليّة تابعة لـ«فتح الإسلام» ارتكبت الجريمة البشعة.
ثانياً، سبب الإحجام الكتائبي عن المشاركة في جنازة الشهيد أنطوان غانم. ويشار في هذا السياق إلى عدم توجه الرئيس الجميل إلى الصيفي لحضور اجتماع المكتب السياسي الطارئ غداة الاغتيال، وفشل سامي الجميل صاحب الدور المتقدم يوماً بعد يوم داخل الحزب في ملء ولو جزء صغير من حضور شقيقه بيار، من حيث الاتصال برؤساء الأقاليم وتحفيزهم على المشاركة في الجنازة أو على إثارة حركة شعبية في المناطق، إضافة إلى ظهور الكتائبيين مضعضعين ومبعثرين في الجنازة، فيما كان رئيس الهيئة التنفيذية لـ«القوات اللبنانية» سمير جعجع يتحرك بخفة وسط المحتشدين في باحة الكنيسة، معززاً علاقته بالكتائبيين، ومقدّماً نفسه كرأس حربة في حماية المسيحيين من الجرائم التي تلاحقهم.
ثالثاً، اكتشاف المستفيد الحقيقي من اغتيال الكتائبيين ومن خوض الجميّل معركة المتن الفرعية الخاسرة حتماً، وبحث العائد الحقيقي للحزب من تحالفه مع قوى 14 آذار ومع «القوات اللبنانيّة» خصوصاً. إذ ثمة كتائبيون يجاهرون اليوم بالقول إن كل ما أصابهم خلال السنة الماضية، تُرجم ارتفاعاً غير مسبوق في شعبية «القوات اللبنانية» وسط الكتائبيين.
أما رابعاً، فسيُسأل الجميل عن موقفه من تخلّي قادة 14 آذار عنه كمرشح للرئاسة، وتبنّيهم ـــــ من دون استشارته ـــــ ترشيح متني آخر، مع كل ما يمثّله ذلك من استفزاز. وخامساً، سيتطرق البعض إلى ظاهرة فرض سامي الجميّل قائداً فعلياً للحزب، رغم رفضه مصالحة كتائبيين كثر، وإصراره على إدخال معتقداته الفدرالية إلى الحزب.
وتضاف إلى هذه، أسئلة كثيرة يهجس بها الكتائبيون، سينقلها المشاركون في المؤتمر من مختلف المناطق اللبنانية، بشأن مغزى توزيع بعض الكتائبيين على المناصرين في المناطق حصصاً غذائية «عن روح الشهيد رفيق الحريري»، إلى أخرى عامّة تتعلق بهوية الربان الفعلي للزورق الكتائبي، والطريق التي سيسلكها الحزب بعدما دفع ضريبة الدم الأغلى، وخسر كل ممثليه في الندوة البرلمانيّة.
وسط هذه الأجواء، يرى أحد الكتائبيين العريقين أن عدم وضوح الرؤية والأهداف في النقد الذاتي، خلال المؤتمر القادم، لن ينفع بشيء، سوى أنه سيجعل أحد سكان الأعالي الكسروانية أكثر سعادة، لأن النقد المنتج للانقسام سيزيد سمير جعجع اقتناعاً بسهولة تشتيت هذا الحزب والاستيلاء على أنصاره بعد الشهداء.