غيّب الموت امس القائد الوطني والمناضل الشيوعي حسين حمدان (أبو فادي). وفي ما يلي نبذة عن حياته: • من مواليد 19 تشرين الأول 1937 في بيروت ـــــ الباشورة.
• متأهل من هيفاء حموية، وله ولدان مازن والدكتور فادي.
• شقيق الشهيد مهدي عامل (حسن حمدان).
• أنهى دراسته الثانوية في جمعية المقاصد الإسلامية. حائز إجازة في الحقوق من جامعة القاهرة.
• حائز دبلوم وماجيستر في التنمية من الجامعة الأميركية في بيروت.
• انتسب إلى الحزب الشيوعي في النصف الثاني من الخمسينات، وتعاقب على مواقع قيادية عدّة منذ المؤتمر الثاني للحزب عام 1968. ثم انتخب عضواً في المكتب السياسي في المؤتمر الثالث عام 1972 واستمر في هذا الموقع حتى وفاته.
• شغل وظائف استشارية عدّة في وزارة التصميم من عام 1962 (مرحلة إنشائها) حتى عام 1977.
• ساهم في إنشاء مؤسسة البحوث والاستشارات عام 1977، وشغل منذ ذلك الحين حتى وفاته منصب المدير التنفيذي لها.
• له العديد من الأبحاث المنشورة.




سعدالله مزرعاني

نصف قرن من الالتزام والعطاء

قلنا لحظة أدركه المرض، إن الأمراض لا تقوى على «أبو فادي».
كانت قامته الباسقة كشجرة حور، الوجه الآخر لسيرته الواثقة وقناعاته الراسخة وإيمانه العميق بالنهايات المنتصرة لقيم التغيير والثورة والعدالة والاشتراكية. ولذلك نظرنا بكثير من الاستخفاف إلى ذلك «الخطر الصغير» المتمثل في ظهور بعض الالتهابات المشاغبة في هذا الموقع من جسده أو ذاك!.
على امتداد نصف قرن، كان «أبو فادي» حاضراً بأقوى مما بدا في المشهد العلني العام. لقد كان أحد فرسان المؤتمر الثاني (1968) التاريخي. وفي لجنة الصياغة، قدّم آنذاك مساهمات ثمينة، وخصوصاً في حقل اختصاصه وعلمه، وهو الاقتصاد. ثم ثابر على الكتابة الفكرية والنظرية والسياسية والاقتصادية، وخصوصاً في مجلة «الطريق»، باسم «فادي عبد الله». وفي مجرى إسهاماته النوعية تلك، كان يزداد ارتباطه بقضية التغيير، فترك وظيفته في وزارة الاقتصاد (وكان مؤهّلاً لتولي أرفع المناصب)، لينصرف إلى ساحات التزامه، وليشتق من هذا الالتزام دورين متكاملين:
الأول، مهني أكاديمي، حيث أنشأ «مؤسسة البحوث والاستشارات» مع عدد من الرفاق والأصدقاء. ولقد قدمت المؤسسة المذكورة إسهامات بارزة في دعم النضال النقابي، عبر تزويد الهيئات النقابية المعنية، بالمتابعات والمؤشرات والمعطيات...
الثاني، حزبي مباشر، حين أُوكلت إليه، كعضو مستمر في المكتب السياسي، أخطر المسؤوليات التي تتطلب، إلى المعرفة والعلم، المثابرة والدقة والمسؤولية والأمانة.
بين المؤتمر الثاني والمؤتمر العاشر العتيد، صرف أبو فادي أربعة عقود متكاملة، تباينت فيها كثيراً وعميقاً، الظروف والمعطيات. حدثت أزمات وقعت زلازل وانهيارات. إلّا أنه ظلّ كما عهده الجميع: صلباً وواثقاً، وعالماً، ومواصلاً دوره ومهمته وقناعاته!.
«تشدُّد» أبو فادي كان يصدر عن صلابة الأرض الفكرية التي يقف عليها. وصراعه مع أشكال التخلّي، كان ثمرة إيمانه العميق بأنّ النّكسات والهزائم هي جزء من جدلية الكفاح، شرط الإصرار عليه والمضي في مندرجاته رغم الصعوبات!.
أبو فادي، حسين حمدان، شقيق الشهيد مهدي عامل، حسن حمدان. وذِكرُ ذلك أو التذكير به، هو ذو فائدة في مقاربة المشترك بين الرجلين: في العلم، في الثقافة، وفي الكفاح، وفي المثابرة وفي الالتزام... على اختلاف في حقول الإنتاج. ففيما انصرف الشهيد مهدي إلى البحث الفكري والنظري، تقدمت في مهمات أبو فادي المسائل العملية والإدارية... ليتكاملا كشجرتين تتعانق جذوعهما وأوراقهما وثمراتهما في مشهد عطاء وجمال لا يذوي.
يترك غياب «أبو فادي» فجوة خطيرة في عمل الحزب الراهن. إنّه تحدّ جديد يضاف إلى تحديات كثيرة وخطيرة، تبدأ من الفعالية والبرنامج والدور... لتلامس الصيغة والوظيفة والعلاقات جميعاً!.
يجب القول إن «تشدّد» أبو فادي كان حقيقياً. ومن موقع هذا التشدد، طرح في جلسات الحوار التحضيرية للمؤتمر العاشر العتيد، الكثير من الأسئلة والتساؤلات التي تشير إلى إدراكه للكثير من مكامن الخلل في العديد من مقارباتنا وعلاقاتنا... إلا أن ذلك التجديد المطلوب، لم يكن يساوي إطلاقاً، من وجهة نظره التخلي وإدارة الظهر والارتداد!.
كما في المؤتمر الثاني، كان يستطيع «أبو فادي» أن يلعب دوراً أخطر وأكبر في المؤتمر العاشر: الخشية حقيقية أن تكون خسارة الرجل غير قابلة للتعويض!.



من يعرف ما الذي كان سيقوله أبو فادي؟

«قتلوا حسن حمدان، لكنهم لن يتمكنوا من قتل فكره، لا بل فإنهم نشروه». «عال بس ضروري ينقتل لينتشر فكرو. ليش شو عرّفك شو كان بعد في بفكرو». هذا ما قاله زياد الرحباني بعد اغتيال الشهيد مهدي عامل (حسن حمدان). بعد ظهر أمس توفي حسين حمدان (أبو فادي شقيق مهدي عامل)، سيقول الكثيرون إن فكره لم يمت. لكن نسأل مع زياد: من يعرف ما الذي كان سيقوله أبو فادي؟ فقد خسر لبنان والعالم العربي وكل الديموقراطيين في العالم العربي واحداً من أهم المفكرين اليساريين الاقتصاديين، الذين لم يذهبوا إلى الضفة الأخرى ومغرياتها. هو شيوعي، قرّر أن يبقى الإنسان همّه الأساسي، والعدالة الاجتماعية قضيّته الأولى. غيّبه الموت على أبواب المؤتمر العاشر لحزبه، فمن يدري كيف كان سيُغني أبو فادي هذا المؤتمر.
وقد نعى المكتب السياسي للحزب الشيوعي «إلى الشعب اللبناني، وإلى كل الشيوعيين والوطنيين والديموقراطيين في لبنان والوطن العربي الرفيق والقائد الكبير عضو المكتب السياسي حسين حمدان (أبو فادي)» الذي توفي بعد ظهر يوم أمس. وجاء في بيان الشيوعي أن أبو فادي عانى خلال الأشهر الماضية مرضاً عضالاً تعامل معه رغم قساوته في العوارض والعلاج، بصبر عظيم، فلم يتوقف عن متابعة دوره ونشاطه وعمله. ولقد «تذكره الجميع في حرصه ومثابرته هذين وهو يرأس اللجنة السياسية في التحضير للمؤتمر العاشر للحزب، لقد تذكروه كيف كان، بتصميم واندفاع، يشارك بفاعلية في التحضير للمؤتمر الثاني للحزب في عامي 67 و1968». فقد أسهم يومها في تحقيق ذلك الانعطاف الذي أحدثه المؤتمر الثاني في حياة الحزب الشيوعي وحياة لبنان على حد سواء. شارك يومها «الشهيد مزوداً بعلمه الوافر وبثقافته الواسعة، في صياغة تقرير وموضوعات ذلك المؤتمر التاريخي وخصوصاً الجوانب الاقتصادية فيها، ليواصل بعد ذلك مسيرته في قيادة الحزب حتى المؤتمر التاسع (أواخر عام 2003) حيث تولى صياغة مشروع الموضوعات السياسية التي شكلت أساس السياسات والمواقف التي اعتمدتها قيادة الحزب الشيوعي طوال السنوات الأربع المنصرمة».
لقد اضطلع الفقيد بمهمات خاصة وحساسة في عمل الحزب، وكان دائماً محط ثقة رفاقه، ما أهله بشكل مستمر ليكون أحد أعضاء قيادة الحزب على امتداد حوالى أربعين عاماً دونما انقطاع، في أصعب الظروف وأدق المسؤوليات وأكثر المهمات تعقيداً. وفي تلك المراحل تميّز الفقيد الكبير بوضوح الرؤية وصلابة الالتزام وبعمق الثقافة الفكرية والسياسية والنظرية. وقد تجلّى ذلك في كتاباته التي حملت توقيع «فادي عبد الله»، وكذلك في إسهاماته في كتابة الوثائق الحزبية وفي حواراته ونقاشاته في الكثير من المحافل والندوات المحلية والعربية والدولية.
يستريح الآن الرفيق حسين حمدان بعد مسيرة حافلة وشاقة امتدت أكثر من خمسين سنة. لكن إسهاماته «ستستمر حية ومؤثرة وفاعلة في أجيال الشيوعيين والوطنيين وكل أبناء شعبنا وأمتنا: إسهاماته من أجل التحرر والعدالة والاشتراكية والسيادة والديموقراطية. فهذه القيم ستبقى نبراساً يعمل من أجلها رفاقه الذين سيواصلون كفاحهم حتى تحقيقها».



يشيّّّع الفقيد الكبير بعد صلاة الظهر يوم غد الجمعة الواقع فيه 5/10/2007 في روضة الشهيدين .تقبل التعازي يوم السبت 6/10 من الساعة العاشرة حتى الواحدة بعد الظهر ومن الثالثة حتى السادسة مساءً ويوم الأحد 7/10 من الساعة الثالثة حتى السادسة مساءً، في الجمعية الإسلامية للتخصّص والتوجيه العلمي ــــــ الجناح ــــــ قرب سبينس.