إبراهيم الأمين
يسود التوتر السياسي وحتى الأمني القوى المتنازعة في البلاد. ومنذ جلسة مجلس الوزراء الشهيرة الخاصة بالوضع الأمني، ثمة ما هو كامن تحت الأرض. ورغم أن قسماً لا بأس به من السياسيين لا يرغب في الحديث العلني عن التوترات القائمة، يمكن ترقب تطوّرات سيئة في البلاد كلما تأخر التفاهم بين القوى الرئيسية على حل رئاسي. حتى إن الجهات الدبلوماسية في بيروت أرسلت خلال الأيام الماضية سلسلة من التقارير يقول أحدها، وهو صادر عن دولة أوروبية فاعلة، إن «من الصعب توقع اتفاق جدي بين الاكثرية والمعارضة في شأن الرئيس الجديد وإن المخاوف من حصول انقسام على مستوى إدارات الدولة وفوضى في البلاد باتت أكثر جدية من السابق».
وحسب مصدر دبلوماسي غربي في بيروت، فإن الموفد الفرنسي جان كلود كوسران كان أول من فاتح الحكومات الغربية بحقيقة الوضع في لبنان، وهو الذي أبلغ الى حكومته والى الجانب الاميركي أيضاً أن الانقسام في لبنان أكبر مما تظهره وسائل الاعلام، وأن أزمة الثقة اشتدت الى حد يصعب معه إيجاد مساحات مشتركة، وان التنازلات المتبادلة لإنتاج تسوية لبنانية، تحتاج الى ضمانات خارجية تفرض مناخاً إقليمياً ودولياً مساعداً على تحقيق هذه التسوية. وعندما جرت مناقشته في الادارة الفرنسية حول ما يمكن القيام به أجاب كوسران بتحفظ: سوف نفعل كل ما يمكننا، ولكن من الصعب رفع سقف التوقعات والآمال. والاهم أن نكون على صلة جدية بكل الاطراف حتى إذا ما انفجرت الأزمة يكون في وسعنا التدخل لاحتوائها.
ويبدو أن فريق الأكثرية، وخاصة جناحه الأمني، يفترض أن ما يرد إليه من أنباء ومعلومات عن أعمال التدريب والتسلح الجارية بين قوى في المعارضة ينطوي على تهديد بالاستعداد لمواجهة غير سياسية «عند الحاجة». وقد وصل الأمر حد قيام أحد القادة الأمنيين من فريق الأكثرية بإبلاغ هذه الخلاصة إلى جهات مختلفة في سياق شرحه لخطورة الوضع.
إلا أن أنباء التسلح والتدريب ليست وحدها ما يشغل بال الجهات الغربية، بل هناك بحث متجدّد في واقع الاجهزة الامنية اللبنانية إذا ما حصل الانقسام. وثمة تصورات باتت محل تداول منها أن الغرب سوف يعترف حكماً برئيس ينتخبه فريق 14 آذار، كما سيتعامل مع حكومة منبثقة من الكتلة النيابية الخاصة بـ14 آذار، ويوفر لها الدعم المالي والتقني الذي يجعلها قوية في نظر جمهورها من جهة، ويحرج الطرف الآخر من جهة أخرى. ولكن السؤال الذي يحمله الغربيون الى القادة الأمنيين على اختلافهم يتركز على الآتي:
كيف سيتصرف الجيش اللبناني إذا وقع الانقسام؟ هل يعلن التحاقه بطرف دون الآخر أم ينسحب إلى الثكنات ولا يتدخل إلاّ إذا أجمع الأفرقاء على طلب دعمه لمواجهة تهديد انفجار كبير؟
وكيف ستتصرف قوى الامن الداخلي؟ هل تحذو حذو الجيش أم تجد نفسها مضطرة لمواجهة الوقائع اليومية واقعة وراء واقعة وتقوم بتنفيذ خطة سياسية ـــــ أمنية تصدر عن جهة دون الأخرى؟
ثم كيف يكون تصرف المعارضة مع القوى الأمنية الرسمية؟ هل تعترف بها كقوى شرعية أم تدعو الى مقاومتها وعدم الامتثال لأوامرها، وفي هذه الحال كيف ستتصرف قوى الامن؟ هل تلجأ الى القمع أم تضع خطة توزع قواتها وفق حسابات سياسية ومناطقية؟
ومَن سيتولى التواصل مع الجهات القضائية المختصة في حال حصول جرائم سياسية وغير سياسية؟ وهل قيام حكومة ثانية من جانب المعارضة سيوجب قيام سلطات قضائية جديدة وسلطات أمنية تعمل بإشرافها، أم يقف القضاء على الحياد؟ وإذا فعل، فكيف سيكون تنفيذ القانون في البلاد؟
وتتوقف المحافل الغربية المعنية عند التحذير الذي ورد على لسان الرئيس نبيه بري في مقابلته الاخيرة مع الزميل مارسيل غانم، وقوله إن انسحاب الجيش سوف يمنع انقسامه لكن قوى الأمن سوف تتعرض للشرذمة. ويعتقد هؤلاء أن بري لم يرد تنبيه الغرب الى خطورة الانقسام فقط بل إعطاء إشارة عملية الى وجود خطة تقضي بـ«فرط» قوى الأمن الداخلي، وان ذلك قد يحصل من خلال عصيان يلجأ إليه العسكريون من رتب مختلفة وبحسب الانقسام السياسي، وهو الأمر الذي سيفجر قوى الامن الداخلي ويعرضها لتجربة مرّة شبيهة بتلك التي واجهها الجيش خلال سنوات الحرب الاهلية وجعلت فرقه تتصادم بعضها مع بعض.
أما في شأن العمل الامني والاستخباري فإن في الولايات المتحدة من عاد الى الحديث عن ضرورة إعادة هيكلة الاجهزة في ضوء استمرار مسلسل تواصل عمليات الاغتيال السياسي، وأن الامر يجب ان يحصل مستفيداً من تجارب الآخرين ولا سيما تجربة الولايات المتحدة نفسها لجهة توحيد الاجهزة إما إدارياً أو عبر توحيد مركز المعلومات في ما بينها، وهو الأمر الذي يعيد الى الأذهان «المحاولة الانقلابية» التي قادها الوزير أحمد فتفت عقب عدوان تموز الماضي، واقتراحه مشروع الخط المفتوح بين كل الاجهزة الامنية ولا سيما بين فرع المعلومات في قوى الامن الداخلي والمديرية العامة للأمن العام ومديرية المخابرات في الجيش. وكان هذا المشروع بديلاً من عدم إمساك فريق 14 آذار بالأمن العام من جهة، ونتيجة لوجود أزمة ثقة جدية بين مديرية المخابرات وفرع المعلومات الذي تتهمه القوى السياسية المعارضة بأنه غير شرعي وأن مهامه وقدراته تم تطويرها خلافاً للقانون، وأن حاجته الى المعلومات التي تجمعها الاجهزة الاخرى لم يكن بالإمكان تأمينها إلا عبر وصله بهذه الاجهزة، وهو الأمر الذي يبدو أن الاميركيين يهتمون به، نظراً للعلاقة الخاصة التي تربطهم بهذا الفرع وقيادته من جهة، والعلاقة الحذرة القائمة مع قيادة الجيش والعلاقة المقطوعة مع الأمن العام اللبناني.
ووفق مصادر مطلعة فإن تطورات ميدانية حصلت خلال الفترة الاخيرة على معابر الحدود مع سوريا كشفت عن محاولات جدية وحثيثة من جانب قوى 14 آذار الأمنية الرسمية وغير الرسمية لتثبيت عناصر وضباط يتبعون لها سياسياً وإدارياً على نحو يسمح لها بـ«مراقبة لصيقة لهذه المعابر التي تؤدي الى الدولة العدوة» بحسب مفهوم هؤلاء، الذين لم يقدموا بعد للبنانيين أي معلومات حسيّة عن التورّط السوري في الجرائم، وكانت آخر التجارب ما كشف عنه الرئيس أمين الجميّل من أن ما تلقاه من معلومات مصدرها قوى الامن الداخلي عن التحقيقات في جريمة اغتيال نجله بيار ليست دقيقة بل هي عامة جداً، وأكثر من ذلك عبّر الجميّل عن شكوكه في أن يكون هناك من يوفر الحماية للقَتَلة الحقيقيين، ويروّج الشائعات لإخفاء العجز عن تحقيق نتائج حاسمة.