انطون الخوري حرب
لزائر بكركي هذه الأيام انطباعات جديدة عن دور هذه المرجعية ورأيها في الوضع اللبناني عموماً ووضع المسيحيين خصوصاً. فالمطران شكر الله حرب تزداد علامات الوجوم على وجهه حين تسأله عن الاجواء الحالية، ويشعر بخوف قل نظيره على لبنان ومسيحييه، وتجد كل مبررات هذا الشعور في عبارة واحدة يرددها «الله لا يسامحهم». المطران حرب المقيم في الصرح وهو القريب جداً من سيده، لم يتوان عن التعبير عن خشيته من ألّا «يتحرر» لبنان على أيامه قبل عام 2005، لكنه يوازي بين فرحته بانسحاب الجيش السوري من لبنان وغصته الكبيرة لما آل إليه وضع لبنان والمسيحيين بعد ذلك «كأنهم يريدون أن يقولوا للعالم إننا غير جديرين بحكم أنفسنا، وبالتالي فالوصاية أو الاحتلال أقلّ ما يليق بنا»، لكن العجوز الثمانيني لا يفقد أمله بالفرج القريب «إذا عرفنا كيف تكون المواقف الكبيرة جداً في الأزمنة الصعبة» مستشهداً بمواقف البطاركة عبر التاريخ وآخرهم البطريرك نصر الله صفير.
وبالإلحاح عليه للكلام يبدي شيخ الأساقفة امتعاضه من مواقف الأكثريين المتشنجة والمتصلبة من الاستحقاق الرئاسي ومن كمية التعقيدات التي يرميها فريق الأكثرية يومياً في وجه المعارضة والرأي العام. وحين يمتدّ الكلام الى تحالفات مسيحيي المعارضة يسألك المضيف «لماذا الانتقاد الهدّام، قد تكون تحالفاتهم بحاجة الى دراسة اكثر، لكن الفريق الحاكم قام بأسوأ من ذلك حين انخرط بالحلف الرباعي وقبل قانون الانتخابات النيابية وتأليف الحكومة» .
ويمر زميل للأسقف الماروني أثناء حديثنا في باحة الصرح الداخلية فيتدخل في النقاش ملقياً اللوم على أقطاب الفريقين المنقسمين على حد سواء، مستعملاً عبارة «يا عيب الشوم... شو عمل سيدنا حتى يبادلوه موقفه الداعم لقائد الجيش بحملة طاولت كل اركان الكنيسة المارونية، لكنهم سيرون ماذا سيحدث في النهاية، ذلك أن الرئيس نبيه بري أعلن أنه مع أي مرشح يختاره البطريرك صفير، وبما أن بكركي لا تسمّي فإذا تعذّر انتخاب رئيس جديد للجمهورية وفق أحكام الدستور سيضع الجميع أمام أمر واقع يرفضه الشعب اللبناني برمّته، وهو الفراغ أو وضع الحكومتين، أو انتخاب رئيس أكثري بمقابل حكومة ثانية، فلسان حال أي مواطن لأي حزب أو تيار انتمى، هو أن يتسلّم الجيش ونخلص».
ثم يعرف المطران أننا من «الأخبار» فيطلب ألا نذكر اسمه قائلًا: «مبارح بعدني متقاتل مع واحد منن».
نترك المطران حرب يسترسل في تأملاته، وندخل مكتب المطران سمير مظلوم، صاحب التجارب العديدة في رأب الصدع المسيحي وصاحب خيبات تلك التجارب، فيصرّ على إبداء اطمئنانه مؤكداً تفاؤله بحكمة القادة السياسيين. ويجول المطران مظلوم في أفق الأجواء السياسية العامة بشكل منهجي. فهو يشخّص الأسباب البنيوية للمشاكل القائمة من دون الانزلاق الى الانفعال الذي بدر من زميله في البهو الخارجي، كذلك يوحي هدوء هذا المطران الحكيم، واتزانه وعمقه، بالأمان لدى الرعية ورعاتها الزمنيين واللاهوتيين معرباً عن ارتياحه الكبير لحكمة مواقف البطريرك صفير «فهو صاحب حنكة ورؤية ثاقبة وبُعد نظر، ولطالما رأى النتائج السيئة وحذّر منها قبل أن تقع». ويجد المطران مظلوم في الثوابت المارونية قاعدة وحيدة للحل في أي وقت، لافتاً إلى أن بكركي لن تطرح بديلاً عنها وهي تمثّل قاعدة مواقف البطريرك الماروني الدائمة بالنسبة للأزمة الرئاسية والحكومية. وحين نسأل عن المستقبل يبدي مظلوم ارتياحاً غير اعتيادي مكتفياً بابتسامة تعبّر عن أمر تتوقعه البطريركية يخالف كل طروحات المعسكرين المنقسمين في الساحة السياسية.
وعلى صعيد آخر يبدو المطران مظلوم متألماً لازدياد نسبة هجرة الشباب المسيحي بعد عام 2005، وهي النسبة التي لم تصل إلى الحد الذي وصلت إليه إبان عهد «الوصاية، مما يعني أن الشعور بالتهميش والعوز قد تضاعف بدل أن يخفّ، لكنّه في المقابل يبدو شديد التفاؤل بمرحلة ما بعد الاستحقاق الرئاسي وبمستقبل لبنان والمسيحيين، لأن ثقته بالأجيال الصاعدة كبيرة «فهي التي عرفت طعم المرحلة الصعبة وتفاعلت معها وناضلت خلالها من أجل الوصول الى مستقبل كريم». كذلك يتمنى مظلوم نجاح المبادرات المطروحة حالياً مع إبداء ملاحظاته على أقطاب فريقي المعارضة و14 آذار المسيحيين.
وبعد الحديث مع المطران مظلوم، ندخل صالون الصرح لرؤية البطريرك صفير بعد استقباله رئيس أساقفة كانتربيري لنروي له ما دار بيننا وبين المطارنة ولنسأله عن رأيه الشخصي بالأوضاع العامة، فيكتفي بسؤالنا اذا ما كنا قد طرحنا هذه الأسئلة على المطارنة الذين تحدثنا إليهم، ويقول بعد أن نجيبه بالإيجاب، هؤلاء هم رسل بكركي وليس لديه ما يضيفه إلى ما قالوه. وحين نشير إلى التعب البادي على محيّاه يعلّق وهو يغادر صالون الصرح: «ليساعدنا الله على تجاوز هذا القطوع على خير».