البقاع ـ أسامة القادري
اكتشف المواطن قاسم بيضون (70 عاماً) بفعل الصدفة أنه لا وجود لمحمية وراء الجبال في خراج بلدته مجدل عنجر المتاخمة للحدود السورية. لكنّ بيضون يشير إلى أنّه قصد أرضه مرات عدة ومنعه المأمورون من الدخول إلى تلك البقعة بحجّة وجود محمية. لم تقنعه الأسباب التي قدمت للمنع، فاشتكى بيضون إلى مصلحة الزراعة لكنّها لم تستجب له. ساورت بيضون الشكوك بأنّ هناك شيئاً يريدون إخفاءه، حتى تسلّل إلى منطقة المحمية ليتضح له «أنه لا وجود لمحمية ولا من يحزنون». ويضيف بيضون: «بعد عودتي من المحمية أرسلت مذكرة إلى وزير الزراعة والمدير العام ورئيس دائرة الثروة الريفية في بيروت، وبعدها تقدمت بشكوى إلى مخاتير البلدة الأربعة»، طالباً منهم معاينتها، «حتى يتأكدوا بأم أعينهم من عدم وجود المحمية المذكورة»، في خراج بلدته ليرفعوا دعوى باسم البلدة على مصلحة الزراعة في البقاع.
قرار المحمية العامة في خراج مجدل عنجر ليس حديثاً بل كان تفعيلاً لقرار اتخذته الدولة اللبنانية سنة1952 عندما وضعت خراج بلدة مجدل عنجر تحت الحماية القانونية، ليتم «تسييج» الجبل وجعله محمية حرجية عامة، عند الحدود اللبنانية ـــــ السورية وتحديداً الأراضي الواقعة ما بين المصنع اللبناني وبلدة كفير يابوس السورية، ليصرف النظر عن المشروع أثناء أحداث 1958. هذا ما قاله كبار السن في البلدة. ولفت هؤلاء إلى «أنّه على أثر غياب الدولة في تلك الفترة تم تخريبها على يد رعاة الماعز والحطابين، لتبقى الأرض «بوراً» جرداء حتى عام 2001، على أن تعود محمية عامة بمساحة 2400 دونم تشرف عليها مصلحة الزراعة في البقاع وعملاً بالاقتراح المقدّم من وزارتي الزراعة اللبنانية والسورية، بإنشاء مشروع محميتين متقابلتين تفصل بينهما مساحة حرة 500 متر. وفي ضوء ذلك، دشّنت الوزارتان آنذاك المشروع وأعمال الاستصلاح بعد استقدام الجرافات العائدة للجيش السوري، ليبدأ نصب الشتول الحرجية من شربين ولوز بري وسماق.
وقد أفاد مصدر سوري مسؤول «الأخبار» بأنّ مشروع العمل بالمحمية التي كانت مقررة من الجهة السورية أُوقف بعد سنة ونصف على بدء المشروع، بناءً على تقرير قدّمه المهندس المكلّف إلى وزارة الزراعة السورية، يفيد فيه بأنّ هذه الأرض وطبيعتها غير صالحة لمشروع محمية وسيكلّفها أعباء مالية طائلة من دون فائدة..
أما من الجهة اللبنانية حيث مشروع المحمية لا زال قائماً من دون محمية، فتشير المعلومات إلى أنّ لجنة مؤلفة من مهندس وسبعة مأموري أحراج كلفت لهذا الغرض بتسييجها وزرعها بالنصوب والاعتناء بها وحراستها، بعدما استحدثت غرفة مسبقة الصنع لهذا الغرض، وبدأوا بالحركة اليومية ذهاباً وإياباً إلى المحمية «المزعومة». وباشر المأمورون بحراسة المحمية إلى أن وصلوا إلى حدّ منع أبناء بلدة مجدل عنجر وتحديداً أصحاب العقارات المملوكة المجاورة، حتى لا يكتشفوا أنّ المحمية عبارة عن عدة نصوب مغروسة في مساحة لا تزيد على ثلاثة دنومات. كُشف أمر المحمية «الوهمية» للقضاء الذي لا زال يبحث عن الأموال الطائلة التي صرفت عليها، فيما تأخر بت الدعوى التي تقدم بها مخاتير البلدة بشأن الغطاءات السياسية على المختلسين للمال العام. ويؤكد المختار بديع العجمي أنّه وزملاءه الثلاثة تفقدوا المنطقة المسمّاة «الوطية» و«رأس المنارة» للوقوف على صحة أو عدم صحة الشكوى التي تقدم بها قاسم بيضون. يقول: «بعدما كنا نشاهد موظفي الزراعة يقصدون المنطقة يومياً في سيارات الوزارة، ظننا أنّ هناك محمية يقصدونها بغرض العمل على رعايتها وحراستها، لكننا فوجئنا جميعاً بعدم وجود محمية سوى بعض نصوب الزعرور البري القليلة المقلمة التي لا يتجاوز عددها مئة نصبة، وعلى الفور تقدم المخاتير بدعوى قضائية في تاريخ11/10/2006». يشير العجمي إلى أنّه بعد تقديم الشكوى بشهرين «عمل موظفو الزراعة على غرس 300 نصبة، ليأتي بعدها المهندس ابراهيم حوا المشرف على المشروع ويحاول تكذيبنا بادعائه أن المشروع يكلف الوزارة سنوياً مئة مليون ليرة، لينهي كلامه معنا بتهديد إن لم نسحب شكوانا، سينقل المشروع إلى مكان آخر».
لم ينته الموضوع عند هذا الحد بل أخذت الشكوى شكلها القانوني، فكُلّفت لجنة من النيابة العامة الاستئنافية بالكشف على المشروع والتأكد من عدم وجود محمية من المفترض أن يكون عمرها ست سنوات. وتوضح مصادر لـ«الأخبار» أنّ قيمة الأموال المهدورة على هذا المشروع تقدر بـ3 مليارات ليرة على مدار السنوات الست.
وكانت «الأخبار» قد قصدت المنطقة المفترض أن تكون محمية منذ سبعة أشهر عندما احترقت غرفة الزراعة فلم تجد محمية، سوى بعض النصوب الصغيرة في مساحة صغيرة جداً.