عمر نشابة
عام على الجريمة، ولا تزال أم حسين والدة الشهيد محمد ناجي، أو حسونة كما كانت تحب أن تناديه، تبكي أمام صورته. وفي منزل ليس ببعيد، كانت أم علي والدة الشهيد حسن سويد، تبكي في غرفة زيّنتها صور الشاب الراحل، متّشحة بالأسود الذي أقسمت ألّا تخلعه قبل جلاء الحقيقة. وبين هاتين الوالدتين، امراة تحمد الله على نجاة ولدها

في مثل هذا اليوم من السنة الماضية، قتل الشاب حسن لطفي سويد (17 عاماً)، على الفور برصاص مجهول، وكذلك أصيب محمد حسين علي ناجي (12 عاماً) ليموت بعد يومين في مستشفى الرسول الأعظم، وذلك في مواجهة بين أهالي المنطقة وقوى الأمن الداخلي في منطقة الرمل العالي في الضاحية الجنوبية، إثر قرار من الدولة بإزالة مخالفات البناء في تلك المنطقة. وكان قد تحرّك عناصر من قوى الأمن الى المنطقة لإزالة المخالفات، فحصل تلاسن بينهم وبين المواطنين، تحول بسرعة الى اشتباك أودى بحياة الشابين.
توفي محمد حسين ناجي في المستشفى بعد 43 ساعة قضاها في العناية الفائقة في حالة موت سريري، إثر إصابته بطلقة في رأسه. وفيما لم يعرف إذا كان الرصاص الذي أرداه وحسن سويد طائشاً أو من عناصر قوى الأمن الداخلي أو «طابور خامس»،

الأهالي يتّهمون قوى الأمن

علي والد محمد متأكد من مسؤولية قوى الأمن ووزارة الداخلية عن مقتل ابنه. وقال في مقابلة مع «الأخبار»: «ابني تم إعدامه على يد قوى الأمن الداخلي». وقصّ علينا الحادثة، وكيف أن «محمد» كان يحتمي خلف «كرتونة بطاطا» عندما أصيب. وأضاف: «رأينا أثر ثلاث طلقات على الحائط مكان إصابة محمد وكلّها على مستوى منخفض»، مشيراً إلى أن مطلق النار كان يقصد الإصابة المباشرة. واتهم أبو حسين (الوالد) ثلاثة عناصر من قوى الأمن، «بالانتماء الى طابور خامس يهدف الى الفتنة»، وقال إن «ثلاثة من العساكر كانوا يتخذون وضعيات قتالية على السواتر الترابية المقابلة لمستشفى الرسول الأعظم، وكانوا يتصيدون الأطفال»، وأكمل قائلاً إن العديد من الناس رأوهم. كما أكّد أن عاملاً في محطة الأيتام المقابلة شاهد «ثلاثة عناصر من قوى الأمن دخلوا إلى الحمام وخلعوا البزّات ولبسوا ثياباً مدنية وهربواوعن التصريحات التي أدلى بها وزير الداخلية بالوكالة آنذاك أحمد فتفت، الذي رأى فيها أن إطلاق النار حصل عن مسافة قريبة وبرصاص متفجر ومن خلف الضحايا، مستبعداً أي ارتباط لعناصر قوى الأمن الداخلي بالجريمة، قال الوالد «ابني أصيب في الصدغ الأيسر من الرأس، والشهيد حسن سويد أصيب في أعلى إبطه الأيمن»، واقتبس عن الطبيب الشرعي حسين شحرور قوله «لو كان الرصاص متفجراً لكانت جمجمة ابني تهشّمت». وقال «هناك عدد من الأطباء الشرعيين، إضافة الى الطبيب الشرعي نعمة الملاح الموكل من الدولة، يوافقون مع رأي الطبيب شحرور بأن مسافة إطلاق النار لا تقل عن 40 متراً».
وجاء كلام أشبه بالتهديد على لسان محمد ناجي، عم الشهيد، فقال «إننا نمهلهم ثلاثة أشهر حتى تنجلي الحقيقة ويحاسب الفاعلون، وإلّا فلنا حسابات أخرى وما يلومونا»، ونقل ما سمعه عن شهود عيان أن أحد ضباط قوى الأمن يومها أوقف عنصراً «وجرّه مكبّلاً الى الشاحنة بعد إطلاقه النار بطريقة عشوائية وعدم الامتثال لأوامر الضابط بالتوقف».

آلام الأمهات

أم علي والدة الشهيد حسن لطفي سويد اكتفت بالبكاء، تنظر إلى الأرض تارة، والى صور ولدها المعلّقة في كل أرجاء الغرفة طوراً. لم تتطرق الى السياسة والأمن في هذه الجريمة، سوى ببضعة شتائم كانت توجّهها إلى الدولة أحياناً. وتحدثت عن حسين محاولةً التغلب على حزنها بالذكرى. وروت كيف أن الجيران أخبروها بالأمر، «قالوا لي إنه مصاب، وكان قسم يقول في رجله، وآخر في بطنه، لكنني أحسست بأنه استشهد».

الطفل الذي نجا

علي نبيل العزير (13 سنة) أصيب بطلقتين في بطنه يومها أثناء محاولته الهرب من المكان، فخرج من المستشفى بعد شهرين، ورقد في المنزل لا يستطيع الحراك لشهر آخر. وفي زيارة له في المنزل، تحدث علي لـ«الأخبار» عن لحظة إصابته قائلاً «كان الدرك يرشّون الرصاص»، وأكمل «عندما أصبت أحسست بوخزة إبرة في جسمي، وبعد قليل وقعت الى الأرض أصرخ من شدة الوجع». أما والداه، فقالا إنه ما زال يعاني أوجاعاً في بطنه ولا يستطيع تناول سوى الطعام اللّين. كما تساءلوا عن سبب التباطؤ في التحقيق.

المحامي يتحدّث عن تقصير

وعلى صعيد متصل، قال المحامي رياض الحركة الموكل بهذه القضية، لـ«الأخبار»، إن «التقصير الحاصل في معالجة هذا الملف يمثّل إدانة لقوى الأمن والوزير أحمد فتفت»، متسائلاً عن أسباب التأخّر في الرد على طلب الادّعاء الذي أحاله مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية جان فهد على المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي. وكشف الحركة أن «هناك سبعة مشتبه فيهم من عناصر قوى الأمن، ويتم التركيز على ثلاثة منهم». تجدر الإشارة الى أن الملف أحيل من مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي جان فهد على المديرية العامة لقوى الأمن منذ أكثر من ستة اشهر، (رقم الملف هو 1131/2007) لإبداء الرأي. لكن لا جواب حتى اليوم.