عبدو سعد(*)
أجرى مركز بيروت للأبحاث والمعلومات استطلاعاً للرأي في الموضوعات السياسيةالراهنة منها: مدى ثقة اللبنانين بالطبقة السياسية، وما إذا كان المسيحيون في وضعية تمكنهم من اختيار رئيس الجمهورية، وإمكان التوافق بين الأفرقاء اللبنانيين لانتخاب رئيس للجمهورية، وانتخاب رئيس الجمهورية مباشرة من الشعب، والمرشح المفضّل للرئاسة لدى اللبنانيين، وموضوعات أخرى. نُفِّذ الاستطلاع بين 29 أيلول والثاني من تشرين الأول 2007، وشمل عيِّنة من 800 مستطلَع، واعتمدت منهجية إحصائية تلحظ التوزع الطائفي والمناطقي، بالإضافة إلى الفئات العمرية المختلفة من الجنسين




74% مع حكومة انتقالية في حال تعذّر التوافق

77% لانتخاب رئيس مباشرة من الشعب


44% يؤيدون سليمان مرشحاً توافقياً

48% يؤيدون ميشال عون للرئاسة الأولى



رغم اصطفافات أكثرية اللبنانيين وراء زعاماتهم، إلا أن غالبيتهم تشكك في إخلاص الطبقة السياسية لقضايا الوطن والمواطن، وفي معظم ما يتعلق ببناء دولتهم. فقد عبّر ما نسبته حوالى51% منهم عن عدم ثقتهم بسلوك هذه الطبقة الذي يرتكز أساساً على خيارات سياسية متنابذة تؤمن مصالحها بالدرجة الأولى. ويشير التباين بين الموقف (الاصطفاف) والرأي (عدم الثقة) إلى حال التناقض التي يعيشها قسم كبير من اللبنانيين، ومردها تمسكهم بانتماءاتهم الأولية بسبب غياب دولة حاضنة لهم.
انعكس هذا الرأي على إجابات المستطلعين المؤيدة بشكل كبير لانتخاب رئيس للجمهورية مباشرةً من الشعب، حيث عبّر ما نسبته حوالى 76.7% من اللبنانيين عن تأييدهم لهذا الخيار، أي بزيادة حوالى ثماني نقاط مئوية عن الاستطلاع الذي أجراه مركز بيروت (نشر في «الأخبار» في 28/8/2007). يضاف إلى ذلك تخوف اللبنانيين من عدم إمكان التوصل إلى انتخاب رئيس للجمهورية، وانكشاف العيب الكبير في المادة الدستورية المتعلقة بانتخاب الرئيس التي لم تلحظ أهمية تبني انتخاب الرئيس مباشرة من الشعب، كما هي الحال في البلاد ذات الأنظمة الرئاسية. وتشير نتائج الاستطلاع أيضاً إلى أن اللبنانيين يفضلون اختيار رئيسهم بأنفسهم بعيداً عن وصاية مجلس نيابي، يعتقد كثيرون بأنه لا يعبّر بدقة عن التمثيل السياسي الفعلي لجميع اللبنانيين. ويبدو أن هذه القناعة ستزداد لديهم، وخصوصاً إذا فشل البرلمان في انتخاب رئيس للجمهورية قبل انتهاء المهل الدستورية. وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن حوالى 72% من مؤيدي «القوات اللبنانية» رفضوا انتخاب رئيس من الشعب في مقابل 41% من مؤيدي تيار «المستقبل».
وكشف الاستطلاع أن قسماً مهماً من المستطلَعين المسيحيين لا يرون أن قادتهم قادرون على اختيار رئيس من الموارنة كما فعل الشيعة والسنة، في ما يتعلق بمنصبي رئاستي مجلس النواب والحكومة. وقد يعود ذلك إلى الانقسام الذي يعيشه المسيحيون اليوم.
ويبدو أن مبادرة الرئيس نبيه بري، التي تقوم على أساس انتخاب رئيس توافقي، قد ولّدت تفاؤلاً لدى أكثرية اللبنانيين، فقد أبدى حوالى 59.9% تفاؤلهم بإمكان التوصل إلى اختيار رئيس يُرضي الموالاة والمعارضة. والجدير ذكره أنه في الاستطلاع الأخير لمركز بيروت، المذكور آنفاً، الذي أجري قبل مبادرة الرئيس بري، جاءت النتائج مغايرة تماماً، إذ عبّر حوالى 64% من المستطلعين عن تشاؤمهم من إمكان الاتفاق على رئيس محايد. وقد يعود التفاؤل إلى الحوارات التي يجريها بري وإلى التأييد الإقليمي والدولي لهذه المبادرة.
وأظهر الاستطلاع أيضاً أن الأكثرية الساحقة من اللبنانين، أي ما نسبته 79.4%، تؤيد انتخاب رئيسٍ توافقي يُرضي كلاً من قوى 14 آذار والمعارضة، بالرغم من حال الاستقطاب التي يعيشها اللبنانيون. وقد تعود هذه النسبة العالية المؤيدة للتوافق إلى تخوّف اللبنانيين من المجهول الذي قد يُحدثه عدم التوافق، والذي قد يؤدي إلى توترات لا تحمد عقباها وإلى زيادة حدة الانقسام السياسي بين طرفي النزاع. وكانت لافتة نسبة التأييد العالية للتوافق على رئيس محايد بين الدروز، ما قد يعود إلى الخشية التي تسود اللبنانيين جميعاً من الفراغ في رئاسة الجمهورية وتداعياته.
وفي ما يتعلق بانتخاب رئيس محايد، بيّنت نتائج الاستطلاع أن العماد ميشال سليمان ما زال متقدماً على كل المرشحين المتداولة أسماؤهم، من المحايدين، حيث بلغت نسبة التأييد له حوالى 44% (42% في الاستطلاع السابق). وجاء هذا التقدم بعد الانتصار الذي حققه الجيش على تنظيم «فتح الإسلام» والتضحيات التي قدّمها في المواجهة، ما عزّز صورة الجيش بين اللبنانيين. وتجدر الإشارة إلى أن العماد سليمان حافظ بين الدروز على نسبة التأييد نفسها (13%) التي حققها في الاستطلاع السابق.
وحلّ حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في المرتبة الثانية، للمرة الثانية، وسجل نسبة تأييد عالية نسبياً، بلغت حوالى 23%، متقدماً على منافسيه من السياسيين، ومتجاوزاً بذلك نسبة التأييد العامة التي نالها في السابق والتي بلغت حوالى 20%. وسُجل هذا التقدم عند كل الطوائف، وخصوصاً بين الدروز، فيما أظهر الاستطلاع ثبات مواقع المرشحين الآخرين.
ولا يزال الجنرال ميشال عون يتقدم على منافسيه بفوارق كبيرة محققاً أعلى نسبة تأييد، إذ كشفت نتائج الاستطلاع أنه نال 48.4% من تأييد المستطلعين، متخطياً بذلك نسبة التأييد السابقة بزيادة طفيفة (نقطة ونصف نقطة مئوية). وأحرز النائب السابق نسيب لحود، الذي حلّ في المرتبة الثانية، تقدماً لافتاً، فبلغت نسبة تأييد المستطلعين حوالى 24.2%، أي بزيادة حوالى خمس نقاط مئوية عن الاستطلاع السابق. وهو أحرز تقدماً ملحوظاً عند السنة والدروز وزيادة طفيفة عند المسيحيين، وهذه النسبة هي الأعلى التي حققها لحود في استطلاعات مركز بيروت للأبحاث والمعلومات والمتعلقة بالمرشح المفضل لرئاسة الجمهورية. يبدو أن هذا التقدم يعود إلى خطابه الانتخابي في (البيال)، ومع الحضور اللافت لمعظم قوى 14 آذار ما فسّر على أنه المرشح الأساس لهم، فيما أظهر الاستطلاع نوعاً من الثبات عند النائب بطرس حرب.
ومرةً جديدة، بيّن الاستطلاع أن غالبية كبيرة من اللبنانيين تحبذ تأليف حكومة انتقالية في حال استحالة التوافق على الرئيس، إذ عبّر حوالى 73.9% عن هذا الخيار في مقابل 14.6% فضلوا انتخاب رئيس غير توافقي على قاعدة النصف زائداً واحداً، وأقلية ضئيلة بلغت 8.5% ارتأت أن تتحول صلاحيات الرئيس إلى حكومة الرئيس فؤاد السنيورة. واللافت أن 62% من مؤيدي تيار «المستقبل» أيدوا خيار تشكيل حكومة انتقالية في مقابل 19% لمؤيدي «القوات». وتنسجم هذه النتائج مع المزاج العام لدى الرأي العام اللبناني الذي يرغب في التوافق بين القوى السياسية المتباينة، بما يعيد الاستقرار السياسي المفتقد منذ فترة غير قصيرة، ويمنع المواجهة والفوضى التي لا يمكن التكهّن بتداعياتها.

(*) مدير مركز بيروت للأبحاث والمعلومات



( للاطلاع على جداول استطلاع الرأي حول الرئاسة)