نقولا ناصيف
يلاحظ سياسيون يشاركون في إفطارات ذات طابع سني أن محور المداولات والأحاديث الضيقة تتركز على رئاسة أولى حكومات العهد الجديد انطلاقاً من الدور الذي طبع هذا المنصب في العامين المنصرمين، وخصوصاً مع الرئيس فؤاد السنيورة منذ تموز 2005. ويعبّر الاهتمام المرافق لهذا الموضوع عن الأولوية التي يوليها الوسط السني، البيروتي تحديداً، لمرحلة ما بعد خلافة السنيورة من جهة، وما ستنتهي به انتخابات رئاسة الجمهورية التي ستترتّب عليها ملامح المرحلة المقبلة، والعلاقة المفترضة بين رئيسين جديدين للجمهورية والحكومة.
وتتناول مداولات الأوساط السنية الوثيقة الصلة بتيار المستقبل المعطيات الآتية:
1 ـــــ إصرار هذا الفريق على وصول رئيس جديد للجمهورية يكون من صفوف قوى 14 آذار كي يكون حليفاً لرئيس أولى حكومات العهد المقبل. ومغزى ذلك ترجيح تيار المستقبل وصول رئيسه النائب سعد الحريري إلى رئاسة الحكومة أو مَن يؤيده من داخل التيار. إلا أن المقصود بذلك أيضاً حصول قوى 14 آذار على منصبي رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة في سبيل حكم منسجم ومتماسك داخل مجلس الوزراء، ومن شأن تكامل صلاحياتهما الدستورية في سياق تعزيز الخيارات الداخلية والخارجية لقوى 14 آذار. أن يحول دون طغيان أحدهما على الآخر، فلا تتكرّر تجربة الرئيس إميل لحود لا مع الرئيس الراحل رفيق الحريري مستهدَفاً، ولا مع السنيورة مستهدِفاً،
على أن تكامل دوري رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة يتطابق مع الغالبية في مجلس النواب التي يكون عليها عندئذ حماية خيارات الفريق المتناغم في مجلس الوزراء، وتأمين المظلة الكافية لإقرار برامجه وخططه ومشاريعه في مجلس النواب اذا اصطدمت باعتراضات وتحفظات. وتأمل قوى 14 آذار من خلال هذا المسار وضع اليد على السلطتين التنفيذية والاشتراعية دفعة واحدة، سواء لتأمين حكم مستقر لتلك القوى إلى أن يحين أوان الانتخابات النيابية العامة ربيع 2009، أو لتيّقنها من استمرار قبضها على الغالبية النيابية التي تجعلها تفرض رئيساً للحكومة لا يعترض عليه رئيس جمهورية من صفوفها هو الآخر.
يفسّر ذلك أيضاً تأييد رئيس تيار المستقبل التوافق على انتخاب رئيس جديد للجمهورية من داخل فريقه، دون التخلي عن نصاب النصف الزائد واحداً لانتخاب المرشح نفسه عند تعثّر التوافق. والواضح أن المطلوب من تشدّد قوى 14 آذار، أولاً وأخيراً، الحصول على التوقيع الدستوري لرئيس الجمهورية على المراسيم.
2 ـــــ بلغت إلى الأوساط السنية تلك، الوثيقة الصلة بتيار المستقبل، إشارات لم تكن موضع ترحيب لديها عن دعم يتحدث عنه سفراء أوروبيون حيال السنيورة وعن رغبتهم في استمرار دوره في المرحلة المقبلة، وملاحظتهم أمام محدثيهم من السياسيين اللبنانيين أن الرجل اضطلع بدور مهم وناجح في ترؤسه أولى الحكومات اللبنانية المتحررة تماماً من النفوذ السوري، وأعربوا أيضاً عن إعجابهم بأدائه في المرحلة الصعبة. ولم يترددوا في القول إنهم يخشون من إخفاق اللبنانيين في انتخاب رئيس جديد للجمهورية في المهلة الدستورية، ممّا يجعل وجود حكومتين أمراً واقعاً وجدياً وخطيراً. لكنهم يستدركون بأنهم لن يعترفوا إلا بحكومة السنيورة، ولن يتعاملوا إلا معها.
واستناداً إلى ما يشير إليه هؤلاء السفراء، فإن فرنسا وإيطاليا وإسبانيا متمسكة بانتخاب رئيس توافقي لأسباب يتصل بعضها بالحرص على الاستقرار في لبنان وتجنيبه فوضى محتملة، والبعض الآخر ـــــ وقد يكون هو الأهم ـــــ بخوفها ممّا قد يتعرّض له جنودها في القوة الدولية في الجنوب، اذا وقعت البلاد في قبضة حكومتين فسيبلغ صداهما، وانعكاسهما خصوصاً، جنوب نهر الليطاني حيث مراكز عمل القوة الدولية. إلا أن بعضهم يطرحون أسئلة على محدثيهم عن الرئيس المقبل للحكومة اللبنانية، ويذهب سفير دولة أوروبية مهمة مشاركة بفاعلية في القوة الدولية إلى التساؤل: هل يعود السنيورة إلى رئاسة الحكومة في العهد المقبل؟ ورداً على أسئلة محدثه يقول السفير الأوروبي إن قرار ترؤس الحريري أولى حكومات العهد الجديد يعود إليه. إلا أن السنيورة، الذي قدّم الكثير لاستقلال لبنان وسيادته في رأي السفير، يظل احتمالاً حقيقياً ويلقى دعماً أوروبياً إذا عزم على الاستمرار في منصبه بتأييد الغالبية النيابية التي تمثلها قوى 14 آذار.
وبحسب ما ذكره سفير الدولة الأوروبية أمام محدثيه، آخذاً ببعض المعلومات والملاحظات المتوافرة لديه عن أخطار المرحلة المقبلة، فإن تمسك حكومته ودول الاتحاد الأوروبي بالاعتراف بحكومة السنيورة دون سواها، في حال تعذّر انتخاب رئيس جديد للجمهورية، لا يحجب حقيقة مقلقة ومثقلة بالهواجس بالنسبة إليه، هي أن جنود بلاده في القوة الدولية في الجنوب سيكونون في واقع الأمر تحت سلطة الحكومة الثانية التي سيقدم الرئيس إميل لحود على تأليفها وتؤيدها المعارضة، وتوفّر هذه من ثم الغطاءين السياسي والشعبي لها في المناطق وميداناً.
3 ـــ تعتقد الأوساط السّنية أن الدور الذي اضطلع به السنيورة في العامين المنصرمين اقترن بكل الأزمات التي رافقت هذه الحقبة. الأمر الذي يقتضي، إذا أمكن انتخاب رئيس جديد للجمهورية بتوافق طرفي النزاع، فتح صفحة جديدة في العلاقات بين الأفرقاء. وتنطوي هذه الملاحظة على انتقاد ضمني لما تعتبره الأوساط ذاتها مسؤولية رئيس الحكومة عن اتساع الشرخ السياسي السني ـــــ الشيعي من جهة، وانقطاع الحوار المباشر وبالواسطة بينه وبين رئيس المجلس نبيه بري من جهة أخرى، من غير أن يكون قد خرج بالضرورة على خيارات قوى 14 آذار. فأضحى الحريري المحاور السني الأكثر قبولاً لدى الفريق الآخر، والأقدر من رئيس الحكومة على التفاوض وعلى إبراز دوره كمرجعية سياسية لطائفته.
والواقع أنها المرة الأولى التي يواجه فيها السنة مرجعيتين إحداهما في رئاسة الحكومة وأخرى في الغالبية النيابية، تعملان على خطين متوازيين. الأمر الذي لم تختبره الطائفة مع الرئيس رفيق الحريري رئيساً للحكومة ولكتلة نيابية كبيرة لم تمثل الغالبية حينذاك، وزعيماً لطائفته ومحاوراً عنها حيال الأفرقاء الآخرين. ولم تكن هذه حال مرجعية الطائفة في حقبة ما قبل اتفاق الطائف. وعندما كان الرؤساء صائب سلام ورشيد كرامي وعبدالله اليافي وحسين العويني يتناوبون على رئاسة الحكومة، مثّل كل منهم طائفته في السجال الداخلي، بينما لزم الآخرون مقاعد المعارضة، فإذا بمرجعية الطائفة تصبح في رئاسة الحكومة. أربعة شكلوا استثناءات مختلفة متفاوتة الأهمية هم الرؤساء سامي الصلح وأمين الحافظ ونور الدين الرفاعي وشفيق الوزان، إذ قادتهم تحالفاتهم مع رؤساء الجمهورية إلى خارج طائفتهم، فإلى عزلة سياسية ظلمتهم.
وقد تكون هذه عزلة السنيورة في مرحلة ما بعد انتخابات رئاسة الجمهورية إذا كان ثمة مَن يرغب في تحميله بعض وزر العامين المنصرمين، وبغية وضع الزعامة السنية في موقعها الملائم، وهو رئاسة الحكومة.